أثارت حادثة قتل مهاجر سوري لثلاثة مواطنين ألمان أبرياء؛ طعنا، في أحد شوارع مدنية “بيلفيلد” جدلا واسعا داخل ألمانيا، وخارجها حول قضية المهاجرين الأجانب، خاصة أن القاتل أعطته ألمانيا بطاقة الحماية المؤقتة، التي تُمنح للأشخاص الذين يفرون من مناطق حروب.

وأعلن الشاب الذي يبلغ من العمر ٢٦ عاما، إنه ينتمي لتنظيم داعش وكرر الجملة المستهلكة بالقول، إنه قام بهذه العملية انتقاما للمسلمين في غزة، وأصدر التنظيم بيانا، أعلن فيه مسئوليته عن العملية، وأن هذا الشاب هو “أحد جنود دولة الخلافة”.

وجاء رد الفعل الألماني على مستويين: الأول مشروع ومفهوم يتعلق بالتأكيد على أن الحكومة الحالية تنوي تشديد الرقابة على الهجرة غير النظامية وترحيل المقيمين غير النظامين أو مرتكبي الجرائم من البلاد، والمستوي الثاني هو الذي يمثل التحدي الكبير للمنظومة السياسية والاجتماعية الأوربية والمتعلق بالتعامل مع المواطنين الأوربيين من أصول مهاجرة وخاصة عربية خاصة في ظل تصاعد خطاب تمييزي ضدهم.

فيما يتعلق بالمستوى الأول، فلا يمكن لأحد أن يعترض من حيث المبدأ على حق أي دولة في ترحيل المهاجرين غير النظاميين، أو تقول إنها لم تعد تستطيع، أن تستقبل مزيدا من المهاجرين، وتشدد الرقابة على حدودها، صحيح أنها مطالبة، بأن تحترم حقوق المهاجرين الشرعيين الملتزمين بالقوانين، ولا تأخذهم نتيجة أسمائهم أو لون بشرتهم، بجرائم ترتكبها قلة نادرة من أبناء جلدتهم.

لقد فتحت هذه الحادثة مرة أخرى ملف الهجرة النظامية وغير النظامية في ألمانيا وأوروبا، وتصاعد الخطاب الشعبوي والعنصري بحق المهاجرين، وهو سلوك تلقائي، يحدث في أعقاب مثل هذه النوعية من الاعتداءات، حيث يكون التعميم على الجميع، ومنطق “السيئة تعم، والحسنة تخص” هو السائد.

والحقيقة أن الخطاب المتشدد الذي يتبناه أقصى اليمين في مواجهة الهجرة والمهاجرين بالقول، إنه ينوي ترحيل كل المهاجرين غير الشرعيين من أوروبا، وتشديد الرقابة على الحدود؛ لمنع تدفق مزيد منهم، كما ينوي عدم الاكتفاء بحبس، من يرتكب نوعية من الجرائم، إنما سيتم ترحيله خارج البلاد، حتى لو كان مقيما بشكل قانوني، وهي كلها أمور قد تحل جانبا من مشاكل المهاجرين المقيمين في أوروبا، ولكنها لن تحل جوهر المشكلة لأنها باتت تتعلق بمستوى ثانٍ مختلف يخص مواطنين أوربيين من أصول مهاجرة وليس فقط مجرد مهاجرين أجانب.

إن إغلاق الحدود في وجه الأجانب أو اللاجئين قرار سيادي من حق أي دولة أن تتخذه أيا كان الرأي فيه، ولكن تبقى المشكلة في التمييز الذي يحدث بحق مواطنين يعيشون في البلد لأن أصولهم مهاجرة أو لون بشرتهم أسمر، وهنا تكون المعضلة، لأن هذا الفعل لن يكون حقا سياديا وقانونيا للدولة، إنما سيكون عملا ضد القانون وضد مواثيق حقوق الإنسان التي وقعت عليها (وربما وضعتها) كثير من الدول الأوروبية.

ومن هنا سنجد، أن أي حادثة مثل جريمة طعن الأبرياء في ألمانيا أو أي حوادث شغب تجري في فرنسا، فإن أصابع الاتهام تتجه إلى الأجانب، حتى لو كانوا يحملون جنسية البلد.

معضلة الخطاب الشعبوى المتطرف في أوروبا، إنه يعتبر صراحة أو ضمنا “الأوربيين المهاجرين” غير قابلين للاندماج بسبب؛ خلفيتهم الثقافية والدينية، وأن العنف متأصل فيهم، ولا يقبل مناقشة أي جوانب سلبية، تتعلق بممارسات كثير من المؤسسات الأوربية بحق هؤلاء الأوربيين من أصول مهاجرة سواء، فيما يخص شكاويهم من استهداف الشرطة لهم، أو كيف أن المنظومة الحاكمة هي التي دفعتهم للعيش في الضواحي مهمشين، ويعانون من البطالة بسبب؛ لون بشرتهم أو أسمائهم، حتى لو حملوا جنسيات أوروبية.

خطورة رد الفعل على حوادث العنف التي يرتكبها مجرمون متطرفون، يحملون أسماء عربية، أو يعرفون بأنهم مسلمون، أنه يعمم النظرة السلبية بحق المواطنين الأوروبيين من أصول عربية أو مسلمة، ويدفع في اتجاه بناء مشروع سياسي مخالف للدساتير والقوانين التي بنت عليها أوروبا نهضتها، فيرفض التنوع ولا يحترم الخصوصيات الثقافية، ويسعى لإقصاء قطاع واسع من الأوروبيين، لأن أصولهم عربية أو غير أوروبية، ويضع مزيدا من العراقيل أمام فرص صعودهم في السلم الاجتماعي والوظيفي.

ستتفاقم مشاكل أوروبا، إذا شكل حزب أقصى اليمين الحكومة القادمة في ألمانيا، أو شارك فيها، أو وصلت مارين لوبان إلى الرئاسة بعد ثلاث سنوات في فرنسا، لأن خطاب هؤلاء لن يواجه فقط قضية إغلاق الحدود في وجه المهاجرين الأجانب، أو طرد المهاجرين غير النظامين أو مرتكبي الجرائم، فهذه كلها أمور محل نقاش، وتثير جدلا في كل بلاد العالم، بما فيها عدد من البلدان العربية، إنما سيشتبك مع مواطنين أوربيين من أصول أجنبية، وليس فقط مهاجرين غير شرعيين.

صحيح، أن هؤلاء لا يستطيعون، أن يقولوا على الأقل الآن، أنهم ينوون ترحيل المواطنين من أصول مهاجرة، إنما قالوا إنهم سيسحبون الجنسية من الذين يرتكبون جرائم خطرة، ولكن الأهم أنهم باتوا يشككون في انتماء الأوروبيين من أصول مهاجرة لبلدانهم الأوربية، ويعتبرون الإسلام في ذاته غير قابل للاندماج في أوروبا، حتى لو كان هناك ملايين الأوربيين من أصول عربية ومسلمة، يعيشون بسلام في أوروبا ومندمجين في منظومة العمل، ويكرهون التطرف والعنف مثل أي أوروبي آخر.

لم تعد القضية في أوربا قضية هجرة ومهاجرين فقط، إنما باتت أيضا تخص قضية المواطنة والدستور والمساواة في الحقوق بين كل المواطنين بصرف النظر عن أعراقهم وجنسهم وديانتهم، وهي بديهيات أي دولة قانون في العالم، ولكنها باتت مهددة بسبب؛ قيام قلة من المتطرفين المسلمين بممارسة العنف والإرهاب، وهو ما يجب مواجهته بالأدوات الاجتماعية والسياسية والأمنية، وعدم اعتبارها كما يفعل اليمين المتطرف، قضية تخص ثقافة أو دينا أو عرقا ولون بشرة، ويعتبره في ذاته هو الذي ينتج التطرف والعنف.