في عام ٢٠٠٦ قرر رجل الأعمال الشهير بيل جيتس، أغنى رجل في العالم، توسيع مشاريعه الخيرية لتشمل مكافحة المجاعة في إفريقيا.
بدايات طموحة
المشروع كان عبارة عن تخصيص 150 مليون دولار لمساعدة أكثر المزارعين فقرًا في القارة، وذلك في إطار برنامج تحت اسم ”التحالف من أجل الثورة الخضراء في إفريقيا”، و الهدف منه أن يتم رفع إنتاجية الحبوب مثل القمح والذرة والأرز لمساعدة الفقراء.
حينها، قال راجيف شاه مدير برامج خدمات التمويل والتطوير الزراعي في مؤسسة “جيتس”: ”نصيب الفرد من الإنتاج الزراعي يتزايد في كل مكان بالعالم باستثناء إفريقيا.. إنها المنطقة التي يتراجع فيها الإنتاج مقارنة مع عدد السكان، لكن جيتس يعتقد اليوم أنه بالإمكان تكرار هذا النجاح في إفريقيا”·
ويقول ”لم تنجح أية منطقة كبرى في العالم في تحقيق مكاسب اقتصادية تتوفر لها عوامل الاستمرار دون أن تحقق في البداية تحسنًا كبيرًا في الإنتاجية الزراعية، أعتقد أنا وميليندا أن هناك ما يدعو للتفاؤل في إفريقيا، بالإمكان تحسين حياة وصحة ملايين الأسر”.
زيادة إنتاجية الحقول
ويتضمن برنامج ”الثورة الخضراء” في إفريقيا، مساعدة مجموعات من أكثر المزارعين فقرًا على زيادة إنتاجيتهم وإحداث تغيير راديكالي في أنظمة الزراعة بما يؤدي لزيادة كبيرة في إنتاجية الحقول الصغيرة، وانتشال عشرات الملايين من حالة الفقر المدقع وتقليص المجاعة إلى حد كبير·
ويتطلع أنصار المبادرة إلى تسهيل حصول القارة الإفريقية على بذور المحاصيل ذات الإنتاجية العالية، وتدريب علماء الزراعة الأفارقة على أحدث الوسائل التقنية·
لكن هذا لا يعني أن هناك اتفاقًا عامًا على مبادئ ”الثورة الخضراء”، فهناك انتقادات حادة لها على أساس أن أساليبها تُلقي بتداعيات سلبية على الحياة الحيوانية والبيئية بسبب ما تستخدمه من مبيدات حشرية·
المشروع منذ 2006 وحتى الآن لم ينجح فيما كان مخطط له، كما أنه افتقر لآليات بيل جيتس التي دومًا ما كانت ناجحة.
مع أن أكثر من 50 % من سكان إفريقيا ينشطون في مجال الزراعة، فإن أقل من 1 % من القروض المصرفية موجهة لهذا القطاع.
تراجع الشعبية
ومع جائحة “كورونا” فقد “بيل جيتس” الكثير من شعبيته في القارة السمراء، حيث شهدت الفترة الأخيرة موجة غضب إفريقية ضد مؤسس شركة “مايكروسوفت”، بعد تصريحاته التي أعلن فيها عزمه تمويل مصانع لإنتاج لقاح يعالج مرضى فيروس كورونا المستجد، وأن مشروعه يبدأ من جنوب إفريقيا، الأمر الذين رفضه قطاع كبير من المواطنين، معربين عن استيائهم من اعتبارهم “حقل تجارب”.
وفي سياق مشروع إفريقيا الخضراء استفاد نحو 23 مليون مزارع صغير، واسُتثمرت أكثر من 550 مليون يورو، وأسس 119 شركة بذور، ومول 700 بحث علمي.
لكن عدد الناس الجوعى في البلدان الشريكة للتحالف من أجل الثورة الخضراء الـ 13 لم ينخفض، بل ارتفع بحوالي الربع، وإنتاجية الزراعة في ثمانية بلدان منذ بداية أنشطة التحالف من أجل الثورة الخضراء تقدمت ببطء عما كانت عليه في السابق، وفي بلدين تراجعت.
وتقول رئيسة التحالف من أجل ثورة خضراء أجنيس كاليباتا في مقابلة مع “دويتشه فيله” عام 2017، “إن المزارعين يحتاجون إلى مدخل للتقنية والبذور الجيدة والسماد الجيد”.
المجاعة تهدد 45 مليون شخص
وفي شهر يونيو الماضي، قالت الأمم المتحدة، إن المجاعة تُهدد 45 مليون شخص في دول إفريقيا الجنوبية.
وذكرت المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي لولا كاسترو في بيان، “لقد ساء وضع الأمن الغذائي في المنطقة جرّاء انخفاض معدلات النمو وتزايد عدد السكان والجفاف والفيضانات في وقت تعد كل من إسواتيني وليسوتو ومدغشقر وملاوي وموزمبيق وناميبيا وزامبيا وزيمبابوي الأكثر تأثّرا، وكذلك أزمة الجوع هذه بلغت نطاقا لم نشهده من قبل وتشير الأدلة إلى أنها ستزداد سوءا”.
في نفس الوقت حذّر برنامج الأغذية العالمي، من أن العائلات في أنحاء إفريقيا قللت استهلاكها للغذاء إذ تتخلى عن بعض الوجبات بينما يترك الأطفال المدارس ويتم بيع الأملاك والاستدانة لتعويض الخسائر الزراعية، ويُعد الأطفال والنساء الأكثر تأثرًا.
المزارعون في إفريقيا هم المستفدون من المشروع ولكن ما حدث أدى إلي تفاقم الأزمة، فالمزارعون أغلبهم مديونين بالأموال، ولذلك قاموا ببيع المستلزمات والبذور بسعر بخس، مما أدى إلى فشل جزء من مشروع “جيتس”.
المزارعون ليسوا وحدهم، ففي زامبيا على سبيل المثال، تتحمل الحكومة عبئًا من الديون، إذ اشترت بذورًا وسمادًا بأسعار مرتفعة لتوزيعها على مزارعين صغار، حيث تصل الفواتير المستحقة حاليًا إلى 106 ملايين دولار، وفي بلدان إفريقية أخرى هناك حالات وأمثلة مشابهة كثيرة.
التحالف الزراعي أكد أكثر من مرة بأنه سيقوم بتقييم عمل السنوات الماضية في نهاية 2021، وهناك هدف رفع مستوى أجور 30 مليون مزارع صغير في إفريقيا من خلال إعادة هيكلة الزراعة.