كتبت- إيمان رشدي
مزيد من التحفظات القانونية، والعوار الدستوري- رصدها واتفق عليها عدد من الحقوقيين والقانونيين، في مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، قدمها مختصون في جلسة على مستوى الخبراء، نظمها المركز العربي لاستقلال المحاماة والقضاء، الخميس، بمقره في القاهرة.
الكثير منها يتعلق بضمانات “حق الدفاع”، فضلا عن مثالب أخرى خاصة باستخدام، وعدم استخدام التكنولوجيا الحديثة، فبينما تنص مواد القانون على إجراء المحاكمة بتقنية الفيديو كونفرانس، متجاهلة حق المتهم في اللقاء المباشر مع محاميه والتشاور معه، كما تتجاهل تلك المواد اعتماد تقنية “كاميرا الجسم ” المعمول بها في العالم كله، والتي تسجل عملية الضبط كاملة، كما تولي أهمية لـ”السوار الإلكتروني”.
ويذكر أن هذه التحفظات تأتي بدورها إلى جانب ملاحظات وتحفظات، كانت نقابة المحامين قد أصدرت بيانا بشأنها.
الفقيه الدستوري والمحامي بالنقض عصام الإسلامبولي، أشار إلى الفلسفة الأساسية التي قام عليها قانون الإجراءات الجنائية لعام 1950، وهى الفصل بين سلطة الاتهام والتحقيق، وهو ما تم تغييره في تعديل عام 1953، لاعتبارات معینة، كانت تمر بها البلاد وقتها، وقال: “كنا نأمل أن يستعيد القانون الجديد هذه الفلسفة، بدلاً من الترقيع في ثوب مهلهل”.
ورحب الإسلامبولي باستخدام القانون بعض النصوص في مجالها “كحكم بات ونهائي”، وهو ما لم يكن موجودا في القانون السابق.
ثم استعرض الإسلامبولي ملاحظاته على مشروع القانون الجديد، لافتا إلى أن نقابة المحامين قد وجهت اعتراضات على 22 مادة من مواد القانون، أجملتها في مذكرة، وقالت إنها ستقدمها للجهات المعنية.
الضبط وإثبات الشخصية
قال الاسلامبولي، إن أي تعديل في هذا القانون لا بد، وأن يصاحبه تعديل في القوانين الأخرى الملازمة له كقانون السلطة القضائية، والعقوبات، وقانون تنظيم السجون، كأثر مترتب عليه.
وتوقف بعدها عند المادة 27 التي تنص، على أن يبرز رجال القضاء والسلطة ما يثبت شخصيتهم، ولا يترتب على مخالفة هذا الواجب بطلان الإجراء، ويمضي ليقول إنه فعليا وواقعيا لا يبرز مأمور الضبط، ما يثبت شخصيته، وبالتالي كان يجب إلغاء النص، أو ترتيب البطلان على مخالفته.
واقترح أن يتم في أي عملية ضبط، وضع كاميرا، تسجل الإجراء كاملاً، بما يتناسب مع التطور التكنولوجي الحالي.
وانتقل إلى المادة 37 التي تقول، إنه “لا يجوز حجز أو تقييد حرية أي شخص إلا في أماكن الاحتجاز ومراكز الإصلاح والتأهيل المخصصة لذلك، ولا يجوز لمدير مركز الإصلاح والتأهيل، أو القائم على أماكن الاحتجاز قبول أي شخص فيها إلا بمقتضى أمر قضائي مسبب موقع عليه من السلطة المختصة، ولا يجوز أن يبقيه فيها بعد المدة المحددة بالأمر القضائي”، وهنا اعتبر الإسلامبولي، أن كلمة السلطة المختصة “مطاطة جداً”، ويجب تحديدها بحكم من المحكمة أو أمر من النيابة العامة.
أما بالنسبة للمادة 40 التي تنص، على أنه “يجب على مأمور الضبط القضائي، أن يبلغ فوراً المتهم المضبوط بسبب؛ تقييد حريته، والتهم المنسوبة إليه، وأن يسمع أقواله، وأن يحيطه بحقوقه كتابة، وأن يمكنه من الاتصال بذويه وبمحاميه، وإذا لم يأت المتهم بما ينفي التهمة عنه، يرسله مأمور الضبط القضائي خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته إلى سلطة التحقيق المختصة”.
فقال إن مدة 24 ساعة “كبيرة جداً”؛ لوجود نيابة صباحية ومسائية، والأمر لا يستدعي كل تلك الإطالة.
وانتقالا إلى المواد المتعلقة بالنيابة العامة، وهما المادتين 59 و60، حيث تنص الأولى على “أنه إذا رأت النيابة العامة قبل البدء في التحقيق، أنه لا محل للسير في الدعوى، تأمر بحفظ الأوراق “، بينما تنص الثانية على “إذا أصدرت أمراً بالحفظ، أن تعلنه إلى المجني عليه، والمدعي بالحقوق المدنية، فإذا مات أحدهما، يُعلن الورثة جملة في محل إقامته”.
وكانت ملاحظة الإسلامبولي على المادتين، أنهما لم يشرا إلى إلزام النيابة بإبداء أسباب الحفظ، على أن يكون هناك سقف زمني للإعلان، وليكن ثلاثة أشهر مثلا.
مادة خطيرة جدا
الإسلامبولي وفي إطار استعراضه لعدد من الملاحظات، توقف عند المادة 63 ووصفه بـ “الخطيرة جدا”.
وتنص المادة على “يجوز تكليف أحد معاوني النيابة العامة لتحقيق قضية بأكملها، كما يجوز لعضو النيابة العامة من درجة مساعد نيابة عامة على الأقل، أن يندب أحد مأموري الضبط القضائي للقيام بعمل معين، أو أكثر من أعمال التحقيق، عدا استجواب المتهم، ويكون لمأمور الضبط القضائي المندوب في حدود ندبه كل السلطات المخولة لمن ندبه، وله أن يجري أي عمل آخر من أعمال التحقيق، وأن يستجوب المتهم في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت متى كان متصلا بالعمل المندوب له، ولازما في كشف الحقيقة”.
وعلق قائلا: مسالة تفويض مأمور الضبط سلطة الاستجواب، تشكل خطأ جسيما؛ لأنها ليست من اختصاصه أولا، كما أنها تجعله خصما، وحكما في آن، وتبرير الأمر بالخوف من فوات الوقت، لا داعي لها لوجود نيابة مسائية.
في غيبة الخصوم
وفيما يتعلق بالمادة 69 المتعلقة بمسألة الاطلاع علي التحقيقات، والتي تنص، على أنه “يجوز للمتهم والمجني عليه والمدعي عليه بالحقوق المدنية، والمسئول عنهم ووكلاؤهم، أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق، ويجوز لعضو النيابة العامة، أن يجري التحقيق في غيبتهم متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة، وفور الانتهاء من تلك الضرورة يمكنهم الاطلاع على التحقيق، وله في حالة الاستعجال، أن يباشر بعض إجراءات التحقيق في غيبة الخصوم، ولهؤلاء الحق في الاطلاع على الأوراق المثبتة لهذه الإجراءات، ويحق للخصوم اصطحاب وكلائهم في التحقيق”.
علق الإسلامبولي عليها، بأن مسألة الاطلاع على التحقيق لا تتحقق، كما أنها تفتح الباب على مصراعيه أمام النيابة؛ لإجراء التحقيق في غيبة الخصوم، ويوجد العديد من القضايا التي منع الاطلاع على التحقيقات، ومن بينها قضية أحمد الطنطاوي، وقبلها قضيتا محمد الباقر، وزياد العليمي وغيرهما، كما أن كلمة الضرورة غريبة، لأنها قد لا تزول.
ومنها انتقل للمادة 72 التي قيدت أخذ صور من أوراق التحقيق، إلا إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، فنصت على “يجوز للخصوم ووكلائهم، أن يقدموا إلى عضو النيابة العامة الدفوع، والطلبات التي يرون تقديمها، وفيما عدا ذلك لا يجوز لوكيل الخصم الكلام، إلا إذا أذن له وكيل النيابة العامة، فإذا لم يأذن وجب إثبات ذلك في المحضر”، معتبرا أنها “تعدٍ صارخ” على حقوق الدفاع وحريات الأفراد.
غياب “السوار الإلكتروني”
آخر ملاحظات الإسلامبولي، كانت على مادتين متعلقتين بالحبس الاحتياطي، هما المادة 113 المتعلقة ببدائل الحبس الاحتياطي، ويقول نصها:
“أجاز مشروع القانون في المادة 113 لعضو النيابة العامة في الأحوال المنصوص عليها بالمادة (112) من هذا القانون بدلاً من الحبس الاحتياطي، وكذلك في الجنح الأخرى المعاقب عليها بالحبس، أن يصدر أمراً مسبباً بأحد التدابير الآتية:إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، وأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة، وحظر ارتياد أماكن محددة.
وهنا أوضح، أن بدائل الحبس كانت موجودة بالفعل في 2006، ولم تطبق إلا نادرا جدا، بل وتم جمعها مع عقوبات أخرى، كما أن فكرة السوار الإلكتروني غير موجودة في القانون الجديد، وكانت الضرورة تحتم إضافتها.
أما المادة 118، والتي تنص “لا يجوز للقائم على إدارة مركز الإصلاح والتأهيل أو أماكن الاحتجاز، أن يسمح لأحد رجال السلطة العامة، بأن يتصل بنفسه أو بواسطة غيره بالمحبوس احتياطياً داخل ذلك المركز أو المكان، إلا بإذن كتابي من النيابة العامة، وعليه أن يدون في الدفتر المعد لذلك اسم الشخص الذي سمح له، ووقت المقابلة وتاريخ ومضمون الإذن، ويقع باطلا كل إجراء يخالف ذلك”. واكتفى الإسلامبولي بالتساؤل عن كيفية إثبات، أن الضباط لم ينفردوا بالمتهمين.
الأزمة ليست في النصوص
المحامي مالك عدلي، مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لخص المشهد في عبارة “إدینی قانون ظالم وقاض عادل أضمن لك العدالة”.
وواصل موضحا فكرته: “المشكلة لا تكمن في نصوص ذات عوار قانوني، بقدر ما هي في انعدام الثقة في السلطات القائمة على تنفيذ هذا القانون، والتي هزت الثقة بينها وبين أفراد المجتمع “
وأضاف: حجر الزاوية في أي قانون يعالج منظومة العدالة الجنائية هو القائمين على تنفيذه.
وهنا علق الحقوقي ناصر أمين، بأن الحل يكمن “في التفتيش الرقابي على النيابات”.
تربص
استكمل النقاش المحامي بالنقض طاهر أبو النصر، والذي تناول الموضوع من خلال إشكاليتين، الأولى، تكمن في أن نصوص مشروع القانون لا ترتب أثراً على مخالفتها، فلم يترتب البطلان مثلا على عدم حضور محامي مع المتهم.
الثانية، من وجهة نظره كانت اشتمال القانون في فحواه على تربص بالمحامين، والصحفيين من خلال ترسيخ، ما تقوم به نيابة أمن الدولة منذ سنوات، كالانتهاء الفعلي من التحقيق، دون حضور محامي، وكذلك غياب آلية واضحة في التعامل مع النص المخالف من خلال الوصول للمحكمة الدستورية مثلاً.
لا رقابة ولا تفتيش
المحامي والحقوقي محمد الباقر، أجمل اعتراضاته على مشروع القانون في ثلاث نقاط:
أولها: إن المستهدف من المشروع هو تقنين الممارسات والسياسات الخاطئة، وإضفاء الشرعية عليها، فيما سماه “شرعنة للسلطوية”.
وقال: تكمن الخطورة في أن المسئول عن تطبيق القانون لن يخشى في المستقبل أية جهة رقابية، أو أي نوع من التفتيش فالإجراءات سليمة وفقا للقانون.
وتابع: من أوجه العوار أيضا، أن القانون شمل 4 مواد تقنن عدم الاطلاع على المحاضر، كما أن مسألة تسجيل التحقيقات أمر غير عملي بالمرة.
وأضاف: لا توجد مواد ضابطة لانتهاء التحقيق أو استكمال. وعليه نطالب بسحب مشروع القانون، ثم إجراء حوار مجتمعي حقيقي؛ لوضع قانون إجراءات بمواد واضحة، تعالج هذا العوار.
انتهاك الدستور
باسم طارق الباحث القانوني بمؤسسة مسار مجتمع التقنية والقانون، كان المتحدث التالي، وتوقف عند “رقمنة العدالة” والمسار الرقمي للأدلة وفق القانون الجديد، حيث يمكن الاستماع إلى الشهود عن بُعد، وتقديم الأدلة الرقمية، وإجراء المحاكمات عبر الفيديو كونفرانس في حالات معينة.
وقال: هذا يعني تواجد المحتجز بمكان، ووكيل النيابة والمحامي في مكان آخر، وهو أمر لا يمكن تصوره، حيث لا يجوز في جميع الأحوال الفصل بين المتهم ومحاميه.
وهذا سيعني ــ حسب باسم ــ أن المحامين سوف يباشرون أعمالهم من مراكز الإصلاح والتأهيل “السجون سابقًا”، ومن أقسام الشرطة، وليس من أروقة المحاكم والنيابات العامة، ما يجعل دفاع المتهم تحت سلطان رجال السلطة العامة، ويعد انتهاكًا جسيمًا للدستور.
تصادم المجتمع والسلطة القضائية
الحقوقي أحمد عبد النبي من المركز الإقليمي للحقوق والحريات، قال إن النوايا الحقيقية لهذا القانون ليست واضحة، وسوف يخلق فور صدوره حالة تصادم بين المجتمع، والسلطة القضائية.
وتساءل عن كيف يمكن لقوى المجتمع الفاعلة التصدي لهذا القانون، ورفض مناقشة نصوصه من بابها.
السياق والأمنيات الطيبة
وطرح حسين بهجت، مدير مركز التنمية والدعم والإعلام، تساؤلا حول هل من الأفضل لنا جميعا المطالبة بتغييرات محدودة للمواد التي تسببت في أزمات، أم المطالبة بتغيير القانون بأكمله؟ معتبراً أن “السياق لا يسمح”، راهنا بالتغيير الذي نحلم به ونتمناه.
الاستثناء سيصبح قاعدة
اختتم المحامي الحقوقي ناصر أمين، حوارات الجلسة بالقول، إن الغرض من هذة الجلسة التشاورية هو الإيمان بقوة المجتمع المدني.
وأضاف أن النص الحاكم أحيانا هو “طوق النجاة”، والمعركة بيننا وبين السلطة هي معركة نصوص، وبالتالي فلا بد من إحكام النصوص أولاً.
وأضاف: الغرض من هذا القانون هو شرعنة الممارسات الباطلة التي باتت معتادة في العشر سنوات الأخيرة، وفرض وضع غير دستوري، وتحويل الاستثناء إلى قاعدة، إضافة لتأسيس مرحلة غير عادية من الانتهاكات.
واستطرد: ما كان يحدث استثنائيا في بعض نيابات ومحاكم أمن الدولية العليا، سيتحول إلى قاعدة عامة يطبق على المواطنين كافة، كما يؤدي إلى تغيير الموروث القضائي الذي أرسته المحاكم الدستورية والجنائية، ومأسسة العبث التشريعي عبر الكتب والمراجع العلمية القانونية.
واعتبر ناصر، أن مكمن الخطر في تأثير هذا القانون على محكمة النقض، حيث نزع المشرع منها صلاحيتها بإقرار هذا القانون، كونها محكمة قانون وليس موضوع
توصيات
اختتمت الجلسة مناقشاتها؛ لتقدم مجموعة من المخرجات والتوصيات شملت الآتي:
أولا: نناشد اللجنة التشريعية بمجلس النواب بسحب مشروع القانون، ودعوة أصحاب المصالح الحقيقية لحوار مجتمعي حقيقي، يتم من خلاله وضع قانون، يليق بالمجتمع المصري، ويحقق العدالة الجنائية وضمانات المتهمين.
ثانيا: تفعيل نصوص الحبس الاحتياطي، والعمل في أسرع وقت لتعديل مدده.
ثالثا: ندعو من هذه الجلسة إلى تشكيل لجنة لصياغة نصوص بديلة، حتى تساهم مؤسسات المجتمع المدني، وخبراء القانون والمتخصصون في وضع قانون جديد، يحقق التوازن بين حق الدولة والأفراد.