تبدأ بعثة صندوق النقد الدولي المراجعة الرابعة لبرنامج تمويل التسهيل الممدد لمصر خلال الفترة من 15 سبتمبر، وحتى نهاية العام، من أجل صرف 1.3 مليار دولار من إجمالي قيمة برنامج مصر مع الصندوق، وهي الشريحة الرابعة والأكبر من بين مختلف الشرائح.
يأتي ذلك، وسط حالة من الجدل بعد الكشف عن وثائق المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي التي جاءت في 147 صفحة، وتضمنت ــ وفق الصندوق ــ تعهدًا مصريًا بتسريع برنامج التخارج من الشركات المملوكة للدولة، ورفع أسعار الوقود إلى “مستويات استرداد التكلفة” بحلول نهاية عام 2025.
بحسب الوثائق، فإن الحكومة ستواصل استراتيجية التخارج من بعض الأصول المملوكة للدولة بملف أكثر ثقلاً، وبحصيلة متوقعة 3.6 مليار دولار خلال العام المالي الجاري 2024- 2025 بهدف توفير التمويل اللازم لتوفير النقد الأجنبي.
فيما يتعلق بالطاقة، يقول الصندوق، إن الحكومة ربما تتخلى عن زيادات أسعار الوقود الفصلية (اجتماعات لجنة تسعير المنتجات كل ثلاثة أشهر)، وذلك مقابل التزام حازم برفع الأسعار إلى “مستويات استرداد التكلفة” بحلول نهاية عام 2025.
عبد النبي عبد المطب، وكيل وزارة الصناعة الأسبق، يرى أن تأجيل الصندوق بعض الاشتراطات أخبار إيجابية، لكنها لا تثير التفاؤل، فيما يتعلق بالسماح للقاهرة بمزيد من الوقت؛ لتنفيذ الإصلاحات التي تعهدت بها، والتخلي عن زيادات أسعار الوقود الفصلية مقابل التزام حازم برفع الأسعار إلى “مستويات استرداد التكلفة” بحلول نهاية عام 2025.
أسعار المواد البترولية تثير الجدل
كان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، قد أكد في يوليو الماضي، أن تكلفة لتر السولار على الدولة 20 جنيهًا، بينما أكدت مصادر حكومية، أن متوسط تكلفة أنواع البنزين تتراوح ما بين 16 و18 جنيهًا للتر وفقًا لكل نوع، وذلك نتيجة انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل والشحن الخاصة بالمواد البترولية.
أشار عبد المطلب، إلى أن الصندوق أجل أيضًا نشر عمليات التدقيق السنوية على الحسابات المالية التي يصدرها الجهاز المركزي للمحاسبات، حتى نهاية نوفمبر، بدلاً من الموعد الأصلي في نهاية مارس، مع انتظار تعديل القانون الذي يحكم عمل الجهاز. وتتعلق عمليات التدقيق السنوي بفحص التقارير والبيانات المالية للهيئات والمؤسسات باتباع قواعد ولوائح تنظيمية معينة.
تلزم المادة 68 من قانون “تأمين المالية الموحد” رقم 6 لسنه 2022، الجهاز المركزي للمحاسبات تقديم تقرير سنوي لمجلس النواب عن مراجعة القوائم المـالية والحساب الختامي، وتقييم الأداء في ضوء أهداف الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والأهداف الاستراتيجية للجهات الإدارية في موعد أقصاه ستة أشهر، من تاريخ انتهاء السنة المـالية، ويرسل نسخة منها إلى مجلس النواب والوزارة المختصة بشؤون التخطيط والوزارات المختصة أو الجهات المستقلة.
لفت عبد المطلب إلى تأجيل صندوق النقد إعداد خطة إعادة رسملة البنك المركزي، والتي كان من المقرر إعدادها في نهاية إبريل، لتكون حتى نهاية أغسطس، لإعطاء السلطات مزيداً من الوقت لتقدير حجم رأس المال الجديد المطلوب ووضع استراتيجية.
ويقصد برسملة البنك المركزي تقدير حجم رأس المال الجديد المطلوب للبنك المركزي المصري، ووفق القوائم المالية للمركزي، فإنه حقق أرباحًا بأكثر من 7 مليارات جنيه من استثماراته في عدد من الشركات، ارتفاعًا من 2.99 ملياري جنيه فقط خلال العام المالي 2022 -2023، وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يحقق فيها المركزي ربحية منذ 7 سنوات.
ووفق الصندوق، فإن الجهات الحكومية ستواصل تسديد مديونياتها للبنك المركزي بواقع 100 مليار جنيه سنويًا، حتى تصل إلى صفر، وذلك بموجب خطة العمل الخاصة بمطالبات البنك على الهيئات الحكومية، وذلك بعدما سددت 150 مليار جنيه بنهاية يوليو الماضي.
مستويات أجورنا ليست عالمية
لكن الدكتورة عالية المهدي، الخبيرة الاقتصادية، تعترض على روشتة الزيادة المستمرة لأسعار الطاقة بأنواعها لتساوي الأسعار العالمية، معتبرة أنها تؤدي لانهيار مستويات معيشة الطبقات الفقيرة والمتوسطة؛ فمستويات أجورهم ليست عالمية، متسائلة: “كيف قبل المفاوض مع الصندوق هذه التوصيات الجائرة؟”.
في المقابل يرى عبد النبي عبد المطلب، أن سعر المواد البترولية يفترض، أن يظل ثابتًا حتى نهاية ديسمبر، ثم تبدأ المقارنة بالأسعار العالمية، وهناك توقعات بتراجع أسعار الوقود عالميا خلال الفترة القادمة.
وخفض “جولدمان ساكس” توقعاته لمتوسط سعر خام برنت في 2025، ونطاق تحركاته السعرية خمسة دولارات للبرميل إلى 77 دولارا للبرميل في 2025، مرجحا تأثر السوق بزيادات مخزونات النفط وزيادة الإمدادات الأمريكية بأكثر من التوقعات، إضافة إلى فتور الطلب الصيني.
وقللت منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” في تقريرها الشهري الأخير، نمو الطلب العالمي على النفط، العام المقبل، إلى 1.78 مليون برميل يوميا مقابل 1.85 مليون برميل يوميا في توقعات سابقة.
بحسب الصندوق، يظل معدل التضخم مرتفعًا لكنه يتباطأ في الأشهر الأخيرة، ما يعكس على الأرجح التأثير الإيجابي الذي أحدثه توحيد سوق سعر الصرف على استقرار سوق الصرف الأجنبي، وبالتالي ترسيخ توقعات التضخم وتطبيع سلوك التسعير في السوق، وتحسين سيولة النقد الأجنبي، فضلاً عن زيادات أسعار الفائدة السابقة في السياسة النقدية.
يشير الصندوق أيضًا، إلى ارتفاع الدين الحكومي واحتياجات التمويل الإجمالية، بسبب؛ تعديلات سعر الصرف، وارتفاع أسعار الفائدة المتتالية والكبيرة، مما يساهم في رفع تكاليف الاقتراض، والاعتماد القائم على التمويل المحلي قصير الأجل؛ لتجنب تكاليف خدمة الدين المرتفعة لفترة طويلة، فضلاً عن ضعف نشاط القطاع الخاص.
يضيف الصندوق، أن مصر بدأت في تنفيذ نهج قطاعي أكثر تنظيمًا للتخارج من الشركات الحكومية، كما تتخذ خطوات لتعزيز جاذبية شركات الدولة الموجودة في قطاعات الطيران والبنوك والتأمين والاتصالات؛ لتشجيع المستثمرين المحتملين.
يعلق الخبير الاقتصادي وليد جاب الله، أن صندوق النقد ومصر مرتبطان ببرنامج إصلاح اقتصادي والتحدث عن تخفيف شروط معينة، تعبير غير دقيق؛ لأن الاتفاق بين مصر والصندوق مرتبط بإجراءات محددة، لكن حينما يتغير الواقع عند التنفيذ، فإنه يمكن للجانب المصري وخبراء الصندوق الذين يراجعون الإجراءات المصرية تأجيل بعض الإجراءات، وبالتالي مرونة التطبيق، جزء لا يتجزأ من إجراءات إنجاح برنامج مصر والصندوق.
لجنة مستقلة لمتابعة برنامج مصر
جدد الخبير الاقتصادي مدحت نافع، دعوته لتشكيل لجنة مستقلة لمتابعة برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي؛ لتحقيق قدر من حوكمة البرنامج حتى نهاية عام ٢٠٢٦، مضيفاً أن الصندوق يدعم هذه الخطوة، ولا يمانع أبداً، لكنه لن يتصدى لتشكيلها أو اقتراح أعضائها؛ حرصاً على استقلاليتها.
شدد نافع، على أن الحكومة من مصلحتها، أن تنشأ هذه اللجنة على غرار تجربة سريلانكا الناجحة؛ لتحقيق قدر أكبر من التواصل الشعبي وقدرة تفاوضية أعلى، مطالبًا بأن يكون تشكيلها من جهة غير حكومية لتتمتع بالاستقلال، ويمكنها أن تستعين بعدد كبير من خبراء الاقتصاد، لتفادي مخاطر التركز أو التحيز أو الخضوع لتأثير أي من الأطراف.
دعا إلى تشكيل تلك اللجنة من عدد من بنوك الأفكار غير الحكومية مثل ERF، ومن على شاكلتها بحد أقصى تسعة أعضاء، كأمانة عليا لهذه اللجنة، داعيًا رئيس الوزراء وإيڤانا هولار، مديرة بعثة صندوق النقد في مصر ورئيس مجلس النواب، إلى اعتماد اللجنة ومهامها التي ستحددها لنفسها، باعتبارها صوت الخبراء الممثل للمصلحة الشعبية والأولويات الاقتصادية الوطنية طوال فترة البرنامج، دون أن يكون لها صفة تنفيذية أو رقابية بخلاف المتابعة والتسجيل والإبلاغ.