كتبت- إيمان رشدي

هل تحول الدعم لوسيلة عقابية؟.. يتردد هذا التساؤل بقوة في الشارع حاليًا بعد اتخاذ وزارة التموين قرارًا بإلغاء الدعم التمويني عن سارقيّ التيار الكهربائي بخلاف الإجراءات القانونية المتبعة للتعامل مع سرقات التيار والمعروفة بمحاضر “الممارسة”.

يثير ربط الدعم بسرقة التيار الجدل حول مدى اتساقه مع حق الطبقات الفقيرة في تلقي دعم الدولة، خاصة أن سرقة التيار، موجودة في أحياء تتسم بكثافة سكانية عالية وارتفاع بنسبة الفقر.

وضعت وزارة التموين 14 سببًا مختلفًا لحذف المستفيدين من البطاقات، أهمها امتلاك سيارة حديثة موديل ما بعد 2017، أو دفع مصاريف مدارس تصل لـ 20 ألف جنيه فأكثر، واستهلاك فواتير كهرباء مرتفعة أكثر من 650 ك/ وات، بقيمة تتخطى 800 جنيه شهريًا أو أكثر، وعدم صرف الخبز أو السلع التموينية لمدة 6 أشهر متتالية، وترك البطاقة التموينية لدى البقال أو المخبز وتكرار ضبطها من الحملات التموينية.

الدعم شكل من أشكال الضمان الاجتماعي

يقول الناشط الحقوقي، القانوني أحمد أبو المجد، إن الدعم شكل من أشكال الضمان الاجتماعي، سواء أكان ماديا أو عينيا، وجزء من التزامات الدولة التي أكد عليها الدستور، ويجب توجيهه للمستحقين والفئات الأولى بالرعاية، وككل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فان الضمان الاجتماعي لا بد من توفيره وفقا لإمكانيات وموارد وقدرات الدولة وإدارة هذه الموارد مسئولية الدولة.

ووضعت وزارتا الكهرباء والتموين قائمة لسارقي التيار في المرحلة الأولى تتضمن 500 ألف مواطن، على أن يتم وضع كشوف أخرى، تتضمن المزيد، في ظل تكثيف مباحث الكهرباء حملاتها على أحياء سكنية كاملة، إذ تمكنت الأربعاء الماضي من ضبط 12174 قضية سرقة تيار خلال 24 ساعة فقط.

بحسب أبو المجد، فإن الضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية من حقوق الإنسان التي تضمن الكرامة الإنسانية لجميع الأشخاص، عندما يتعرضون لظروف تحرمهم من قدرتهم على إعمال حقوقهم الإنسانية إعمالاً تامًا، ورد في العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية بشكل واضح وصريح.

يضيف أبو المجد، أن حق الضمان الاجتماعي يكفل الحماية من أمور تشمل غياب الدخل المرتبط بالعمل بسبب المرض، أو العجز، أو الأمومة، أو إصابة تحدث في إطار العمل، أو البطالة، أو الشيخوخة، أو وفاة أحد أفراد الأسرة، وارتفاع تكلفة الوصول إلى الرعاية الصحية، وعدم كفاية الدعم الأسري، خصوصاً للأطفال والبالغين المُعالين.

تقول الوزارة، إنها تتبع إجراءات دقيقة قبل اتخاذ أي قرار بحذف بطاقة تموين أي شخص، فالحذف مبدئي عند الاتهام ونهائي بعد إصدار الجهات القضائية حكمها النهائي، لكن الكثير ممن تم حذفهم، وتظلموا واجهوا مشكلات في صرف مستحقاتهم مجددًا، وظلت المشكلة لشهور قبل صرفهم مجددًا مستحقاتهم.

يقول أبو المجد، إن برامج الدعم تسعى إلى تحقيق مزايا للأشخاص الذين وقعوا بالفعل في براثن الفقر، لكن الموارد المتاحة للضمان الاجتماعي محدودة، ولذلك فاستخدامها على الوجه الأمثل، يكون بتحديد الشرائح الأكثر احتياجا، ثم توجيه الموارد نحوها.

من ضمن الحالات التي يتم فيها إلغاء الدعم حالة وفاة أحد أفراد الأسرة، وعدم تقديم طلب للتموين بحذفه، أو وصول الفاتورة لأكثر من 800 جنيه شهريا، وهو أمر يجب مراجعته بعد ارتفاع شرائح الكهرباء بنسب تصل إلى 40%، فضلاً عن مصاريف المدارس، خاصة بعض رفع مصاريف المدارس القومية الحكومية؛ لتبلغ 13 ألفا على الأقل للطالب في المرحلة الابتدائية.

يقول أبو المجد: “غالبًا ما تكون بعض منهجيات الاستهداف الأكثر شيوعا، مثل “الاختبار غير المباشر لتقصي الموارد معيبة”، ويحاول هذا النوع من الاختبارات تقدير ثروة الأسر من خلال نهج إحصائي وآلي معقّد، يعتمد على تحليل المسوح الأسريّة، لتحديد الخصائص الرئيسيّة لفقر الأسر، ثم تقييم هذه الخصائص، وترتيبها لتحديد مدى استحقاقها للدعم.

غالبية سارقي التيار من الفقراء

سبق أن استخدمت وزارة التموين التعدي على الأراضي الزراعية أو البناء عليها كأحد مبررات الحذف من التموين، لكن ذلك الأمر لم يثر الجدل الحالي لارتباط قضايا سرقة التيار بقطاع عريض من المتعاملين مع مرفق الكهرباء.

يوفر قانون الكهرباء لعام 2015، الردع فيما يتعلق بالسرقة إذ ينص على معاقبة من استولى بغير حق على التيار الكهربائي، بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وحال تكرار السرقة، تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفى جميع الأحوال، تقضي المحكمة بإلزام المحكوم عليه برد مثلي قيمة استهلاك التيار الكهربائي المستولى عليه، وتنقضي الدعوى الجنائية، إذا تم التصالح قبل إحالة الدعوى الجنائية للمحاكمة.

فئات تستحق الدعم

يقول الدكتور سمير صبري، مقرر لجنة الاستثمار في الحوار الوطني، إنه تم حذف ملايين البطاقات التموينية، إذ تراجع عدد البطاقات من 70 مليونًا لـ 60 مليونًا، لكن الرقم الأخير لا يزال يتضمن عددا يحصلون على الدعم بدون وجه حق.

بحسب بيانات وزارة التموين، فإن عدد المستفيدين من الدعم يصل إلى 63 مليون مواطن، توفر لهم الدولة كافة الاحتياجات المطلوبة من السلع الأساسية، والتموينية لصرفها على البطاقات التموينية، خصوصًا الزيت والسكر والمكرونة وكافة السلع الأخرى.

 أضاف صبري، أن الفئات التي ستخرج من بطاقة التموين يتم إرسال رسالة لها تفيد بالخروج من المنظومة، ويتم منحهم فرصة 60 يومًا؛ لتقديم تظلم من القرار، وهناك معايير سيتم تطبيقها لتحديد الفئات المستحقة للدعم ومنها المرتب.

يأتي المرتب والدخل عموما في مقدمة لفئات التي يتم حذفها من التموين، إذ يتم تنقية البطاقات ممن يتقاضي راتب أعلى من 9600 جنيه شهريًا، أو يستهلك فاتورة محمول مرتفعة، تصل إلى 800 جنيه شهريًا أو أكثر، أو يدفع ضرائب تصل إلى 100 ألف جنيه أو أكثر.

رفض النائب محمد بدراوي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، اتخاذ الحكومة المصرية إجراءات برفع الدعم عن المخالفين في سرقة الكهرباء فغالبية وقائعها، تأتي من المناطق الشعبية، ومعظم سكانها مستحقون للدعم، والأولى تطبيق عقوبات حاسمة، تتعلق برفع قيمة الغرامات على المخالفين.

بحسب وزير الكهرباء محمود عصمت، فإن سرقة الكهرباء تكبّد الدولة خسائر مالية كبيرة، بالإضافة إلى الإضرار باستقرار الشبكة، نتيجة دخول أحمال مفاجئة غير مخطط لها، تتسبّب في انقطاع التيار الكهربائي.

لكن بدراوي يرى أن إلغاء البطاقات على المستوى الاقتصادي لن يحقق فائدة، خصوصًا أن تكلفة سرقة الكهرباء قد تفوق قيمة الدعم الذي يحصل عليه المخالفون، مشددًا على أهمية الإجراءات المشددة؛ لمواجهة الهدر في الكهرباء، وتسهيل إجراءات حصول المواطنين على التراخيص اللازمة للبناء والحصول على خدمة توصيل التيار الكهربائي.