ظلت الزيادة السكانية المبرر الأول، للحكومات المصرية المتعاقبة، الذي تلجأ إليه لتفسير الأزمات الاقتصادية منذ عقود.

الزيادة السكانية هي التي تأكل ثمار التنمية، قبل أن تنضج، وهي التي تزيد العبء على البنية التحتية؛ فتؤدي لتهالكها، وهي السبب الرئيسي في أزمة العملة مع الحاجة للاستيراد من الخارج، لسد ملايين الأفواه التي تحتاج للطعام.

فهل تتغير الصورة، مع إعلان الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة والسكان، انخفاض معدل الزيادة السكانية عام 2023 بنسبة 8% عن عام 2022، وتراجع أعداد المواليد خلال آخر 5 سنوات من 3.5 إلى 2.85 لكل سيدة، ما يعكس الجهود المبذولة في هذا الاتجاه.

بحسب بيانات وزارة الصحة والسكان، بلغ عدد المواطنين بالداخل في أول يناير 2024 نحو 105 ملايين و858 ألف نسمة.

 بينما بلغ عدد المواليد خلال عام 2023، نحو مليوني و44 ألف مولود، بمعدل انخفاض بلغ 149 ألف مولود، مقارنة بعام 2022، والذي بلغ عدد المواليد خلاله مليوني و193 ألف مولود، وذلك وفقًا للبيانات الأولية المسجلة بقاعدة بيانات المواليد والوفيات بوزارة الصحة والسكان.

لماذا تراجع معدل النمو السكاني؟

تعزو الحكومة تراجع النمو السكاني إلى برامجها مثل “اتنين كفاية” الذي أطلقته وزارة التضامن الاجتماعي في 28 مايو 2018، ضمن استراتيجية الوزارة، للحد من الفقر متعدد الأبعاد للحد من الزيادة السكانية، واستهدف المشروع مليون و148 ألف أسرة مستفيدة من برنامج تكافُل لديها ثلاثة أطـفال أو أقـل.

من جهة أخرى، سجلت حالات الطلاق بمصر 151.9 ألف حالة عام 2011، قبل أن ترتفع لـ 155.3 ألف حالة عام 2012، و162.6 ألف حالة في 2013، ثم 180.3 ألف حالة في 2014، و199.9 ألف حالة في 2015، و192.1 ألف حالة عام 2016، و198.3 ألف حالة طلاق عام 2017.

كسر مؤشر الطلاق حاجز الـ 200 ألف حالة سنويًا بعد 2017؛ ليبلغ 211.6 ألف في 2018، ثم وصل لـ 225.9 ألف في 2019، و222 ألف حالة طلاق في 2020، وتجاوز في 2024، مستوى الربع مليون للمرة الأولى، حينما بلغ 254.8 ألف حالة، لتحتل مصر المرتبة العشرين بمعدلات الطلاق حول العالم 2022.

لكن خبراء يربطون تراجع الزيادة السكانية بزيادة الضغوط الاقتصادية التي قلصت معدلات الزواج، ورفعت معدلات الطلاق، ما يحد من النمو السكاني، فالأعباء المالية وعدم قدرة الزوج على سد احتياجات الأسرة، وتراكم الديون والعجز عن السداد أحد أسباب زيادة نسب الطلاق في مصر.

الاقتصاد حاضر في الطلاق والزواج

تعتبر قلة الدخل وزيادة الأعباء المالية وعدم الالتزام بالإنفاق؛ سببًا رئيسيًا للخلافات الأسرية التي تنتهي بالطلاق، فالنظم الاجتماعية والاقتصادية، تمثل حلقات تبادلية، يؤثر كل منها في الآخر، فزيادة الأسعار وارتفاع نسب البطالة؛ تؤثر بدروها في قدرة الأسر على الوفاء باحتياجاتها الضرورية.

يؤدى استمرار الزيادة في معدلات الطلاق إلى شيوع مشاعر الاكتئاب والإحباط وتزايد الأعباء المالية على الزوجين المنفصلين، وبالتالي تؤثر هذه المشاعر على قدرتهم على العمل، وزيادة الإنتاج، أي أن الاقتصاد هو سبب الانفصال، وأعبائه تفاقم المشكلات الاقتصادية.

كانت الأعباء الاقتصادية وتراجع مستويات المعيشة مع ارتفاع التضخم وراء تراجع عدد عقود الزواج في السنوات 2018 و2020 و2021 إلى 887 و876 و880 ألف حالة زواج، على التوالي، عما كان عليه الحال في عام 2017، والتي كانت عند 913 ألف حالة زواج.

التضخم “البطل” في تراجع معدلات الزواج

 يقول أحمد أنور، الخبير الاقتصادي، إن الغلاء الذي ضرب الاقتصاد المصري يؤدي إلى عدم قدرة الشباب على الزواج، وأغلبهم حاليًا، أصبحت فكرة الزواج لديه حلم بعيد المنال، كما أن معدل الطلاق ارتفع بمستوى قياسي في آخر ٥ سنوات.

يضيف أن هجرة الشباب للخارج بطرق مشروعة أو غير مشروعة ستساهم أيضًا في انخفاض الزيادة السكانية، مشيرًا إلى أن أغلب حالات الطلاق في السنوات الخمس الأخيرة كان السبب وراءها خلافات مادية؛ بسبب ضيق حال الأسر.

بحسب تقديرات حديثة، فإن عدد الأسر الفقيرة في مصر بلغ 8.5 ملايين أسرة، وتضم قرابة 31 مليون فرد، وفي تقديرات للبنك الدولي عام 2019، أن نسبة 60% من المجتمع المصري، إما فقراء أو معرضون للفقر، ووفقاً لتعريف البنك الدولي، فإن دخل الفرد لا يجب أن يقل عن 1.9 دولار أمريكي يوميًا. معروف أن الدولار الواحد في مصر أصبح يساوي حوالي 50 جنيها.

تغيرت أفكار المواطنين في التعامل مع السكان، فحتى السنوات العشر الماضية، كان الفقر حافزا للزيادة السكانية بسعي الأسر الفقيرة لتحسين دخلها عبر إنجاب أبناء، يساعدوهم في مستوى المعيشة، لكن الصورة تغيرت، فالإنفاق على الأسرة أصبح أمرا مرهقا في كل الفئات مع ارتفاع أسعار أبسط السلع الغذائية كالطماطم والبطاطس وغيرها.

الدكتور مدحت خفاجي، نائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بحزب الوفد سابقا، يقول إن تراجع معدل النمو السكاني في مصر سببه تأخر الزواج، فيوجد ١١ مليون فتاه مصرية بدون زواج بعد عمر ٣٥ سنة و٢.٥ مليون مصري بعد عمر ٣٥ سنة لم يتزوجوا، ما يفسر انخفاض المواليد الى ٢.٥-٢.٦ لكل سيدة.

طالب خفاجي، بأبحاث تمول من قبل الدولة لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذا الخلل الاجتماعي لمعالجته، ومعرفة ما إذا كان السبب في تراجع عدد الزيجات انهيار دخل الفرد السنوي في مصر وعدم استطاعته الإنفاق على الأسرة؟ وذلك على خلفية انهيار الدخل القومي ووقوع مصر بمصيدة القروض وعدم كفاية إيرادات الحكومة لتغطية تكلفة الديون.