تلقى إسلام محمد، طبيب الأنف والأذن، أكثر من 10 اتصالات هاتفية خلال أسبوع، تقدم له عروض شراء شقق سكنية، لا يقل أرخصها عن 4.5 ملايين جنيه من عدة شركات مختلفة، لم يعد يتذكر اسمها.
يتكرر الموقف يوميًا مع العديد من المهنيين بين البائعين والمشترين، ويلجأ المطورون لهذه الاتصالات المتتابعة واللحوحة، لتسويق وحداتهم العقارية، ويصل الأمر، إلى أن الوحدة الواحدة قد يسوقها أكثر من “بروكر” في الوقت ذاته.
يقول الطبيب الشاب: أبحث بالفعل عن شقة، لكن الأسعار التي أسمعها، تجعلني لا اقترب أبدا من التمليك، مهما كان الإيجار مرتفعا.. فلا أستطيع أن أظل شهريا في دوامة أقساط يصل بعضها لـ 20 ألف جنيه.
ويتسائل: ما هي الوظيفة أو المهنة التي يمكن لأصحابها سداد ذلك المبلغ، ثم يتبقى ما يتم الإنفاق به على احتياجات الحياة اليومية.
الأجانب قوة شرائية أساسية
مع اشتعال أسعار العقارات يدور تساؤل حاليا: من يشتري العقار في مصر؟.. والإجابة تكشف بعض ملامحها نتائج أعمال الشركات العقارية الكبيرة بالسوق المصرية.
حيث يتصدر قوائم المشترين الأجانب والمصريون بالخارج الذي يجمعهم مسمى واحد “تصدير العقار”.
بلغ حجم استثمارات الأجانب في العقارات المصرية خلال النصف الأول من العام الحالي 2024/ 2025 (يناير ـ يونيو)، نصف مليار دولا، بنمو بلغت نسبته 54% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي مع تراجع العملة المحلية التي عززت من جاذبية وتنافسية العقار في مصر.
سهلت قرارات الحكومة إجراءات شراء العقارات للأجانب، وتملكهم عدداً غير محدود من العقارات؛ شريطة السداد بالعملة الأجنبية.
كما يمكن منح الجنسية مقابل شراء عقار بمبلغ لا يقل عن ثلاثمائة ألف دولار، يحول من الخارج وفقًا للقواعد المعمول بها في البنك المركزي، أو أن يكون المبلغ قد دخل مصر من خلال أحد المنافذ الجمركية، وتم إثباته جمركيا.
يمثل الأجانب والمصريون بالخارج 35% من مبيعات شركة مصر إيطاليا العقارية، و50% من “بتر هاوس” للتطوير العقاري، و30% من مبيعات شركة Cred، و50% من مجمل مبيعات شركة تطوير مصر، بينما ارتفعت النسبة لتمثل 70% من مبيعات شركة أنكور للتنمية العقارية، وكانت النسبة الأكبر للسعوديين والإماراتيين، ومثل الأجانب والمصريون العاملون بالخارج نحو %18 من مبيعات شركة “الأهلي صبور للتطوير العقاري”.
هل توجد أموال غير مشروعة؟
قالت مؤسسة «ذا بورد كونسالتينج» المتخصصة في تحليل أداء السوق العقارية، إن قطاع العقارات المصري سجل خلال الربع الأول من العام الجارى حركة مبيعات غير مسبوقة مسجلا قفزة بالمبيعات بنسبة 217%، مقارنة بنفس الربع العام الماضي 2023.
تسبب ارتفاع الدولار في السوق السوداء في زيادة الطلب على الدولار، والذهب، والعقار كوسيلة لحفظ قيمة المدخرات من التآكل خلال الربع الأخير من 2023، وحتى نهاية الربع الأول من 2024، وهي الفترة التي شهدت انتعاشًا للدولار بالسوق السوداء، وارتفاع مستوى التضخم.
لكن الخبير الاقتصادي هاني توفيق، يتحدث عن وجود أنشطة غير مشروعة تجد في العقار وسيلة لغسل الأموال، قائلاً إن القطاع غير الرسمي للعقارات، والذي يبلغ 5 آلاف مليار جنيه، يتضمن تهرب ضريبي وغسيل أموال.
وتنص منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على اعتبار سماسرة العقارات من الجهات المبلغة عند تنفيذهم عمليات لصالح عملائهم بشراء أو بيع عقارات، فقطاع العقارات قد يكون محل استغلال في غسل متحصلات الجريمة، وهو ما تطلب إدراج سماسرة العقارات ضمن الجهات المطالبة بالتزامات مكافحة غسل الأموال.
يتسم قطاع العقارات عالميا، بأنه محبب لشرعنة الأموال غير المشروعة، إذ يمكن شراء وحدات عقارية بضمانها ضم إعادة لاحقا مقابل شيكات مصرفية، يمكن عبرها فتح حسابات بنكية، أو دفع قيمة العقارات نقدا، أو شراء أراض والبناء عليها والتعامل مع العائد كمال شرعي.
وقال توفيق، إن الناتج المحلي ١٠ تريليونات جنيه، ٥ تريليونات، منها قطاع غير رسمي، ما بين تهرب ضريبي، وغسيل أموال، يجب تمريرها فى أوعية شرعية، ومهما كان الثمن.. محاربة الفساد تعود بالعقار إلى قيمته الحقيقية”.
واستأثر الساحل الشمالي بالغالبية العظمى من المبيعات؛ فإجمالي مبيعات أكبر 10 شركات عقارية في الساحل، بلغت 331 مليار جنيه في النصف الأول من العام الجاري مقارنة بـ 176 مليار جنيه في النصف الأول من عام 2023، بحسب دراسة لشركة ذا بورد كونسالتينج.
ويرى توفيق، أن مستويات أسعار الوحدات السكنية حالياً لا تتناسب مع دخول الطبقة المتوسطة والشباب المقبل على الزواج، إذ لا يستطيع شاب في مقتبل العمر، أن يشتري شقة مقابل 5 أو 10 ملايين جنيه (100 إلى 200 ألف دولار)، وهذا ما يؤكد وجود حالة من الركود، وتراجع حجم الطلب الفعلي على العقار.
حذرت الدكتورة عالية المهدي، خبيرة الاقتصاد، من حدوث فقاعة بمصر، قائلة إن الساحل الشمالي حالة استثنائية؛ فهناك مؤشرات على أزمة منها الاتصالات الجنونية، وتكرارها يوميا من شركات التطوير العقاري بالمواطنين.
تشير المهدي، أيضًا إلى المبالغة في إطالة مدة تقسيط أسعار الوحدات السكنية التي وصلت أكثر من عشر سنوات في كثير من الحالات (وطول المدة يتضمن فائدة مبالغ فيها وبالتالي أسعار خرافية)، فضلاً عن جود مناطق كاملة، تم بناؤها، ولكنها غير ساكنة، رغم أنه لا ينقصها الترويج والتسويق.