كتب- سمير عثمان
مع إعلان الدولة المصرية سعيها لتطوير التعليم، لتحقيق أحد أهم أهداف التنمية المستدامة في الحصول على تعليم جيد، تتباين الآراء حول مدى نجاح القائمين على تطوير التعليم في مصر في الوصول إلى رؤية استراتيجية واضحة، يمكن من خلالها تحقيق نتائج ملموسة وتطوير فعلي، وليس تطوير اسمي فقط لقطاع التعليم، خاصة في ظل التغير المستمر للنظام التعليمي رغم أهميته في التنمية.
الدكتور حسن البيلاوي، أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة حلوان، الباحث الأول لتقرير المعرفة العربي العام الثاني لعام 2010، وتقرير المعرفة العربي الثالث لعام 2014، الصادرين عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومؤسّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، أكد أن النظام التعليمي في مصر لا يتماشى مع الأنظمة العالمية للتعليم.
إصلاح التعليم ليس إلغاء كتاب
وشدد البيلاوي، في حديثه لـ «مصر 360»، على ضرورة وجود إصلاح في النظام التعليمي الحالي، وأن ما يحدث من إلغاء كتب أو إضافتها، ليس من التطوير في شيء، مشيرًا إلى أن التعليم ليس هو الكتاب أو المنهج الدراسي أو الامتحانات، ولكن يجب أن يدرك القائمون على التعليم والإصلاح التربوي معنى المدرسة، إذ أن المدرسة تنظيم اجتماعي عبارة عن كينونة اجتماعية، فهي ذات بنى اجتماعية وفكرية وثقافية وإدارية ومالية، وعبارة عن مجتمع مصغر، والطالب يتفاعل داخلها مع مختلف البنى الموجودة بها تفاعلا كبيرا، وهذا التفاعل ومن خلاله العملية التعليمية هو الذي يشكل في النهاية نمط البنية العقلية والشخصية للطالب.
وعن ربط النظام الحديث للتعليم والمناهج بالواقع والتكنولوجيا وبالمشكلات التي تواجه الدولة، أكد البيلاوي، أن المدرسة من حيث هي كينونة اجتماعية، لا تختلف ولا تنفصل عن المجتمع، فإذا كان المجتمع يعاني من تطرف فكري وتخلف ثقافي، فالمدرسة ستصبح مثل المجتمع، وتنشر ذلك التطرف، ولن يجدي تغيير المنهج شيئًا، أما إذا كان المجتمع تنويري ومثقف ومتقدم؛ سيصبح هناك فارق ملحوظ في التغيير والتطوير.
وتساءل الدكتور البيلاوي، الذي عمل منسقًا ومديرًا لعدة مشروعات كبرى لإصلاح التعليم في مصر والشرق الأوسط، مثل المعايير القومية للتعليم في مصر 2003، كما قاد الفريق الذي أعد الخطة الاستراتيجية لإصلاح التعليم قبل الجامعي 1987 /2011، عن رؤية الدولة للتطوير؟ ما إذا كانت جزءا من تحريك الثقافة الموجودة عند المصريين وبناء ثقافة تقدم؟ أم جزءا من تيار مستنير أو حركة ليبرالية؟ مشددًا على ضرورة الإجابة عن هذه التساؤلات، لأن كل هذا غير موجود في أهداف عملية إصلاح التعليم، واصفًا ما يحدث من إصلاحات، بأنها اجتهادات فردية.
الدكتور حسن البيلاوي، الذي عمل وكيل أول لوزارة التربية والتعليم في مصر ورئيسًا لقطاع التعليم في الفترة (2001 – 2005)، ومستشار أول وزير التربية والتعليم (2006- 2010)، أشار إلى أن جهود إصلاح التعليم التي بدأت عام 2018، حظيت بدعم سياسي ومالي، لم تحصل عليه أي وزارة للتربية والتعليم في تاريخها، وعلى الرغم من ذلك فإن المحصلة التي حصلنا عليها هي تغيير في عدد الكتب الخاصة بالصفوف من الأول إلى الرابع الابتدائي، منوهًا أنه بخلاف التكلفة المادية فقد ضاعت علينا سنوات التطوير بدون ناتج حقيقي، ولفت إلى أن القائمين على التعليم اختصروا كلمة المنهج في الكتاب المدرسي، ولكن المنهج هو طريقة تعلم وحياة، ومرتبط ارتباطاً عضوياً بالبنى الاجتماعية والثقافية في حجرة الدراسة والمدرسة، ونحن نصر على تجاهل ذلك، ونقدم للطالب كتبا فقط، وذلك على الرغم من أن الطالب بعد شهر أو أكثر من أداء الامتحان، لا يتذكر كثيراً، مما حفظه من الكتاب الذي تم تطويره، ولكن يتبقى له نمط الشخصية التي اكتسبها والقدرة على التفكير، وتلك هي المقومات التي تؤدي بنا إلى التنمية البشرية للفرد، والتي تنعكس بدورها على تنمية المجتمع ككل.
معضلة التعليم الرئيسية
كما يرى الدكتور حسن البيلاوي، أن المعضلة الرئيسية في التعليم هي التخلف الثقافي في المدرسة والمجتمع، مشددا على ضرورة تدشين حركة ثقافية اجتماعية مستنيرة، تشمل المجتمع والمدرسة على السواء، وذلك يتم عن طريق التعبئة الثقافية والاجتماعية، ومنوهًا أن الثقافة في مصر الآن تحركها الأيديولوجيا “منظومة الأفكار” والمعتقدات، وتلك المعتقدات تحركها قوى اجتماعية قوية، تسعى للسيطرة، وتقوم بتصدير معتقداتها للشعوب، وهذا هو ما يحدث في مصر ووسائل التواصل الاجتماعي خير دليل، ومن ثم يحدث تموضع لهذه المعتقدات في الثقافة، وتصبح هي السائدة والمنتشرة في المجتمع والمدرسة، وتعوق مسيرة التقدم في المجتمع.
في دراسة بعنوان «دور النظم السياسية في صياغة السياسة التعليمية في مصر– دراسة تحليلية»، الدكتورة عفاف محمد، الأستاذ بكلية تربية جامعة سوهاج، أكدت على حديث الدكتور البيلاوي، حول تأثير الأيديولوجيا على قضايا التعليم، بما حدث بعد ثورة يوليو 1952، وما تلاها من انفتاح على التعليم المجاني، عندما أصبحت الضرورة الأمنية تفرض التوسع في التعليم، ثم تغير الوضع بعد تولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ومع الانفتاح الاقتصادي، أصبح دور القطاع الخاص بارزًا في التعليم، وهو ما أدى إلى تغير في نمط التعليم وسياساته وأهدافه ومحتواه، وكذلك التغير الذي شهده قطاع التعليم في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، والذي شهد فترات متقلبة؛ نتيجة عوامل مختلفة ما بين ازدهار وأزمات اقتصادية، فضلًا عن التغير الذي طرأ بعد تطبيق خصخصة التعليم ووجود أكثر من نظام تعليمي خاص وحكومي ولغات.
الأمر نفسه، شهدته فترة حكم جماعة الإخوان، بعد تولي الحكم بعد ثورة يناير، وأشارت الدراسة إلى أن جماعة الإخوان حاولت العبث بعقول الطلاب وتجنيدهم من خلال تعديل المناهج الدراسية على أيدي خبراء تابعين لها.
الدراسة أكدت، على أن مشروعات تطوير وإصلاح التعليم ستظل حبرًا على ورق، إذا لم تمر ببوتقة المشاركة الاجتماعية، موضحًة أن إصلاح التعليم وتطوير المنظومة لا يستقيم بالانفصال عن المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة أن مخرجات التعليم تدخل في عملية التغيير المجتمعي الشامل، وبدون هذه المتلطبات، فإن أي عملية أو محاولة لإصلاح وتطوير التعليم، لن تحقق أي مردود ذو قيمة مجتمعية حضارية.
رؤية التطوير والبيروقراطية
الدكتور حسام بدراوي، مستشار الحوار الوطني، وأحد المشاركين في وضع رؤية تطوير التعليم في مصر ضمن رؤية مصر 2030، أكد أن التحديات التي يواجهها التعليم في مصر، ترجع لعدم إشراك المجتمع وأصحاب المصلحة فى شراكة فعالة، وفهم إيجابى لتطوير التعليم، ومقاومة أصحاب المصالح المستقرة، وعدم ملائمة التمويل المتاح، رغم تعاظم حجمه، والإنفاق غير الملتزم بالأهداف، بالإضافة إلى أن التعليم برغم أهميته، إلا أنه لا يعتبر ضمن أولويات الحكومة في تطبيقات الموازنة.
وأكد بدراوي، أن تلك الأسباب تؤدي إلى تحديات كثيرة تعوق العملية التعليمية، منها ضعف ثقة المجتمع في مؤسسات التعليم الحكومية الرسمية، وضعف الثقة في الركن الأساسي للعملية التعليمية وهو المعلم، وانخفاض قدره الاجتماعي وتقليص صلاحياته في تقييم و تقويم التلميذ.
وتابع، أن التحديات تشمل، انخفاض حجم الأنشطة الطلابية أو انعدامها، ما يحمل معاني سلبية في بناء الشخصية، ووجود فجوة كبيرة في مناهج التعليم وعدم ملاحقتها للتقدم، وضرورة الربط بينها وبين احتياجات المجتمع وسوق العمل، والتطور التكنولوجي، وعلى الرغم من الانتشار الجغرافي غير المسبوق للمدارس في كل أنحاء مصر، بما فيه من إيجابية الإتاحة، إلا أنه يشكل تحديًا كبيرًا في إداراتها مركزيًا.
الدكتور حسام بدراوي، أشار إلى أن رؤية تطوير التعليم هي رؤية شاملة، ولكنها تحتاج لمشاريع لتحقق أهدافها، موضحًا أنها مكونة من 5 محاور، ولكنها لا تُطبق بشكل متكامل، حتى الآن، المحور الأول منها هو، الإتاحة والجودة وعدم التمييز، والثاني، حوكمة إدارة التعليم “القواعد التي تستخدم لتحقيق الأهداف بشكل رشيد” والانتقال إلى اللامركزية، واعتبار المدرسة هي محور التطوير، والمحور الثالث هو، الرقمية وتعني أسلوب ومنهجية للطالب والمعلم في نقل المعلومة والتواصل، والمحور الرابع هو، بناء الإنسان، وأخيرًا القدرة التنافسية؛ من أجل المنافسة إقليميًا وعالميًا، وكل محور من هذه المحاور به أهداف رئيسية وفرعية ومدة زمنية ووسائل قياس ومسئولية تنفيذية وتمويل.
وعن عدم تطبيق الرؤية، أكد بدراوي أن البيروقراطية هي السبب، ورغم أن الرؤية جيدة بما يكفي لتطوير المنظومة التعليمية، ولكن عندما ننظر كمثال إلى الموازنة التي تذهب لبناء المدارس وفي آخر العام ربع هذه الموازنة يعود إلى الوزارة مرة أخرى، والسبب هو أنه من أجل تنفيذ وبناء هذه المدارس نحتاج إلى موافقات أكثر من جهة ووزارة، وحتى تحصل على هذه الموافقات تنتهي السنة بدون تنفيذ الكثير منها، وبالتالي تعود مرة أخرى للوزارة، فالأمر به بيروقراطية وتداخل في المهام بين المؤسسات، لا تسمح بتطبيق الاستراتيجية أو الوصول إلى النتائج المرجوة.
التطوير وأصحاب الفكر المتطرف
وتابع البيلاوى، أن ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من أصحاب الفكر المتطرف الذي كان يسعى للسيطرة على مفاصل الدولة، مشددًا على أن الفكر المتطرف والداعين له، لم ينته قائلًا “إنهم قابعون في كل الدروب”، وموضحًا أن أًصحاب هذا الفكر يحاولون، أن يشكلوا العقلية السائدة في المجتمع، وهى بالضرورة ضد الدولة والمجتمع.
وشدد أستاذ علم الاجتماع، على أنه ما لم يكن هناك إصلاح كجزء من حركة اجتماعية شاملة لإصلاح المجتمع، وإصلاح ثقافته، والتأكيد على حركة تنويرية لثقافة التقدم، لا يمكن لمجتمع، أن يحقق أي إصلاح تربوي، مضيفًا: “الثورات التي لا تسعى إلى تغيير بنية اجتماعية وثقافية في المجتمع سوف تغتالها الثورات المضادة من داخلها أو خارجها”، والحركات المضادة موجودة على السوشيال ميديا كمثال، وفي الأحداث التي نراها في المنطقة من حولنا الآن.
وأضاف أن الإشكاليات التي تواجه التعليم في مصر متعددة، منها كما ذكرنا المنهج، والبنى الثقافية والاجتماعية والإدارية في المدرسة، ونظام التمويل، والمركزية، لافتًا إلى أنه إذا فُهم إصلاح التعليم، على أنه مجرد منهج أو كتب دراسية، ستصبح الدروس الخصوصية هي الوحش الذي لا يستطيع أحد، أن يوقفه، لأننا حولنا المدرسة إلى كتاب فقط، وذلك له خطورة كبيرة على المجتمع.
وطالب البيلاوي، بأن نراجع تاريخنا، لأن هناك تجارب تم تطبيقها لتطوير قطاع التعليم في مصر ونجحت، ولكن ينقصنا التراكم الإيجابي في المؤسسات، وهو أن من يأتي يكمل من حيث انتهى الآخرون، ولا يجب أن يبدأ من أول السطر، واصفًا هذا الفعل بالـ “غشومية”، مشيرًا إلى أن الخطة الاستراتيجية للتعليم في مصر منذ عام 1987، حتى عام 2011، التي قاد فريق إعدادها المكون من 250 أستاذا وباحثا، كانت ناجحة في كثير من جوانبها، وتم اتخاذها نموذجاً في معهد التخطيط العالمي في باريس، كما قامت منظمة اليونسكو بإصدار كتاب، تشرح فيه لمنطقة الشرق الأوسط الخطة التي وضعتها مصر من أجل تطبيقها وتعميمها على الدول.
هذه الخطة أعدها الدكتور البيلاوي وفريقه، استهدفت تحقيق ثلاثية الإتاحة والجودة والعدالة الاجتماعية، ولكن توقفت بعد ثلاث سنوات وتعاقبت الوزارات، وكل وزارة تبدأ من الصفر، وتفقد مصر بذلك التراكم الإيجابي الذي هو شرط كفاءة المؤسسات وتحقيق التغيير الثقافي والاجتماعي المنشود، وشدد البيلاوي، على أن افتقادنا التراكم الإيجابي وكفاءة المؤسسات بالمعايير العالمية المعروفة، ناتج عن غياب رؤية مستقبلية شاملة، تتطلع إلى وضع يسود فيه العقل، والعلم، والإنسانية والعلمانية والعدالة الاجتماعية: إنها مثُل التنوير وثقافة التقدم.