يهدف المخطط الصهيو- أمريكي الذي يتم تنفيذ خطواته بمنتهى الدقة والتتابع المتسلسل في الوقت الراهن إلى إحكام سيطرتهم الكاملة على إقليم الشرق الأوسط الكبير، وذلك عن طريق إضعاف المقاومة الفلسطينية، وتوجيه ضربات قاسية لها، إذا لم تقض على قضية فلسطين (شعباً وأرضاً)، يكون الحد الأدنى إسكات الفلسطينيين لسنوات طوال، وكذلك بالقيام بتقليم أظافر إيران والقضاء على أذرعها ومحاصرتها داخل أراضيها، ومنع تمددها وتغلغلها بالمنطقة العربية، حيث يرون أن ذلك التغلغل يعد العائق الأكبر أمام تنفيذ مخططهم بالسلاسة المطلوبة، وأنه بات من المستحيل السكوت عليها أكثر من ذلك. 

إن الأداء الصهيوني- الأمريكي- الغربي في أعقاب عملية السابع من أكتوبر، عندما توغلت حماس بالداخل الاسرائيلي، والعودة بعدد كبير من الأسري الاسرائيليين في عملية هي الأولى، من حيث الحجم والنوعية، لا يمكن وصفه بردة الفعل العشوائية أو العصبية، إنما يمكن إدراجه في عداد الرد المدروس والمعد بشكل مسبق، أي سيناريو مرسوم ومتفق عليه بين أطراف محدودة، ولكنه يأتي مستوعباً ومحققاً  لأغراض باقي الأطراف، تم إخراجه من الأدراج للتنفيذ بالشكل والصورة التي نراها وفي إطار تقسيم محكم للأدوار لجميع الأطراف، بما في ذلك الأطراف العربية.

من أهم أهداف المشروع الصهيوني- الأمريكي وحلفائهم الأوروبيين، بالإضافة إلى ضمان الهيمنة على الاحتياطي الضخم من مخزون ومصادر الطاقة الذي يحتويه باطن الأرض وأعماق البحار في إقليم الشرق الأوسط الكبير، يأتي الهدف الاستراتيجي المتعلق بجعل المنطقة بالكامل، نظراً لموقعها الجيوبولتيكي الهام، طوقاً ومصدا لمحاصرة التمدد الشرقي، سواء من قبل روسيا أو الصين أو من قبل الإيرانيين أصحاب المشروع الشيعي التوسعي الرامي إلى تقاسم النفوذ مع الوجود الصهيوني- الغربي في المنطقة العربية، وخاصة بعدما أصبح قاب قوسين أو أدنى من امتلاك سلاح ردع نووي، يؤهلهم للجلوس على مائدة التفاوض وفرض شروطهم. 

وعلى الجانب الآخر، فإن أهم ملامح المخطط الغربي الأمريكي الصهيوني الذين عملوا عليه جميعاً على مدى العقود الثلاثة الأخيرة بكثافة هو الآتي: 

 أولاً: إضعاف المنطقة على جميع المستويات العسكرية والاقتصادية والبشرية، وجعل الهوة بين التفوق الغربي- الصهيوني وبين دول وشعوب المنطقة العربية بالكامل، في اتساع ينمو بمتوالية هندسية، وعلى الأخص في مجالات التطور التكنولوجي والمعرفي والتقني، وخلق حالة من الاعتمادية الكاملة على الغرب وتحويل دول وشعوب المنطقة إلى مجرد مستخدم، لما ينتجوه ويطوروه ليس أكثر،  إلى أن أصبحنا نعاني من الآتي: 

هوة واسعة علمياً وتكنولوجياً بيننا وبين العدو الصهيوني- الأمريكي- الغربي. 

تراجع اقتصادي وديون خارجية غير مسبوقة، مصحوباً بانتشار الفساد لجميع الدول الكبيرة بالمنطقة. 

هشاشة جميع نظم الحكم سياسياً وتراجع ديموقراطي وضعف مؤسسي وتمكين للاستبداد. 

  • مستويات من الفقر والتفاوت الاجتماعي الضخم بين قلة تستحوذ على كل شيء، وأغلبية ساحقة تعاني من غياب حتى عناصر الحياة الأساسية.   

ثانياً: تأجيج الصراعات الدينية والمذهبية والعرقية بالمنطقة: الإسلامية- المسيحية من ناحية، والسنية- الشيعية من ناحية أخرى وغيرها، وتعمُد إعطاء صبغة دينية بحتة للصراع العربي الإسرائيلي، ونزع صفة وطبيعة، أنها قضية تحرر وطني، وأنه صراع ضد محتل عنصري صهيوني استعماري غاصب بالتدريج. 

ثالثاً: أحد الأهداف الرئيسية لدول أوروبا الغربية الداعمة لدولة الكيان العنصري الصهيوني هو منع انهيار تلك الدولة المصنوعة بالمنطقة العربية والحيلولة دون عودة الرعاع الذين تم التخلص منهم بزرعهم في دولة مصطنعة بعيداً عنهم. 

لقد ضمنوا لدولة الكيان المصطنع التفوق الكبير على جميع دول المنطقة وشعوبها، وذلك على جميع المستويات، ولم يكتفوا بضمان التفوق وفقط، وإنما يقفون الآن علانية بجانب تلك الدولة الكيان، وهي تمارس غطرسة القوة وتعربد في المنطقة؛ لتنفيذ مخططها ومخططاتهم، ويمدونها بالأسلحة المتقدمة والدعم السياسي والمادي الكامل غير المشروط الذي يسمح بتنفيذ تلك المخططات للاستحواذ والهيمنة على أحد أهم المناطق بالعالم، ذلك أنها ما زالت تمتلك مخزونا واحتياطيا ضخما لمصادر الطاقة التي وهبتها الطبيعة إياها، كما أنها تتمتع بموقعها الجغرافي الفارق استراتيجيا. 

انهم لا يسعون فقط للقضاء على الشعب الفلسطيني وتشريده في كل بقاع الارض لمحو قضيته، وإنما يعيدون رسم خريطة المنطقة بالكامل؛ لاستعادة مكانتهم الاستعمارية والإبقاء على التوازن العالمي القائم، حتى الآن، والذي ما زال يمكنهم من الاحتفاظ بنصيب الأسد من ثروات ومقدرات الأمم والشعوب، وبسط نفوذهم على دول، باتت خاضعة لهم بالكامل.

نهج للمقاومة وآخر للتسليم: 

نهج المقاومة لا خلاف عليه، ولكن ما المقصود بالمقاومة الجادة الحقيقية التي تؤدي إلى الانتصار وتحقيق العدالة والقصاص لكل ضحايانا؟ 

إن نهج المقاومة يبدأ فعلياً بالعمل الجاد على استعادة زمام المبادرة، وذلك بالتعامل مع نقاط ضعفنا ومعالجتها، فلن نستطيع أن نقاوم ونخوض معاركنا، من دون تجاوز حالة الضعف والهشاشة التي أصبحنا عليها، فلم تعد للظواهر الصوتية مكان في عالم اليوم، ولن نستطيع إلحاق الهزيمة بالعدو الذي تفوق علينا في جميع المجالات بالعروق النافرة، وتصدير صدور شباب أعزل تقريباً، إلا من الإيمان بعدالة قضيته، لأسلحة العدو الأكثر تقدماً، فذلك ليس من الإنصاف في شيء، بل هو الدفع بمصير الأمة نحو مجهول تلو الآخر.

وعليه فإن المقاومة تبدأ من الوعي بالآتي: 

  • الإقرار بتفوق أعدائنا في اللحظة الراهنة. 
  • معرفة من هم أعداؤنا الحقيقيون، ومن هم خلفاؤنا المحتملون. 
  • إعادة ترتيب أولوياتنا، ترتيباً يتفق مع أهدافنا الاستراتيجية أولاً والمرحلية ثانياً. 
  • بناء قدراتنا وقدرات شعوبنا على أساس من التمسك بالعلم والمعرفة وملاحقة التطور والتقدم التكنولوجي والتقني في جميع المجالات. 
  • السعي إلى تهيئة المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يمكننا من بلوغ التكافؤ مع قوة أعدائنا والتفوق عليهم. 

إنه نهج طويل وصعب، ولكنه الممكن الوحيد، وما عداه هو مجرد تفريغ لشحنات الغضب الجاسم على صدورنا، وإطلاق لصرخات ناتجة عن الشعور بالألم والمرارة والمذلة والمهانة.