الخلفية

في 10 مايو 2023، شنت قوات الدعم السريع هجوما عنيفا على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي تعد الوحيدة المتبقية للجيش من عواصم ولايات دارفور الخمس، بعد استيلاء الدعم السريع على مدن الجنينة عاصمة غرب دارفور ونيالا عاصمة جنوب دارفور، وزالنجي عاصمة وسط دارفور، ومؤخرا الضعين عاصمة شرق دارفور.

وتأوي المدينة (500.000) نازح؛ بسبب الحرب في الخرطوم منذ 15 إبريل من العام الماضي، بالإضافة إلى نازحين من مدن دارفور الأخرى.

 وتوجد بالمدينة ثلاثة معسكرات للنازحين، تكونت منذ حرب دارفور 2003.

وباتت الفاشر مركزاً رئيسياً للمساعدات في إقليم دارفور بالكامل، فضلاً عن أن موقعها الجغرافي يجعلها ذات أهمية لخطوط الاتصال مع تشاد ومصر وليبيا، والطريق المؤدية من غرب إلى شرق السودان.

كان النزاع المسلح قد اندلع في الفاشر عقب تسلل قوات الدعم السريع، ونصب ارتكازات في معسكري (زمزم) و(أبوشوك)، وارتكابها لانتهاكات فظيعة في حق المدنيين.

 وردت قوات الجيش بالقصف الجوي العشوائي، واستمرت وتيرة الاشتباكات منذ ذلك التاريخ في التصاعد مع انتشار السلاح والتحشيد، إلى أن أحكمت قوات الدعم السريع حصارها للمدينة في مايو 2024.

ورغم التحذيرات الدولية المتكررة لأطراف الحرب بشأن إيقاف المعارك الطاحنة والنداءات الإنسانية؛ بسبب تردي الأوضاع بشكل غير مسبوق، لم يستجب الطرفان، وما زالت وتيرة القتال تتصاعد يوما بعد يوم إلى لحظة كتابة هذا التقرير.

حصد القصف العشوائي المتبادل مئات الضحايا، أغلبهم من النساء والأطفال، ودمرت البنى التحتية من المرافق العامة والصحية على وجه التحديد، ما يثبت أن طرفي الحرب لا يكترثان بحياة المدنيين، ولا بالقوانين والمواثيق الدولية التي تنظم حالات النزاع المسلح.

 وقد فر معظم المدنيين من المدينة عبر الحدود إلى دولة تشاد، فيما نزح آخرون، كانوا يقيمون بمعسكرات النزوح إلى مناطق وصحارى بعيدا عن المدينة، وهو ما يسمى بـ (النزوح الجديد).

إن احتدام المعارك وإصرار قوات الدعم السريع على الاستيلاء على المدينة، رغم مصرع أهم قادتها، يكشف عن الأهمية البالغة للفاشر وتأثيرها الاستراتيجي على مجريات الحرب الأمر الذي يطرح سيناريوهات خطيرة لمستقبل الأوضاع في السودان.

يرصد التقرير ويوثق انتهاكات حقوق الإنسان في الفاشر، وأهمية المدينة وأبعاد وتأثيرات الصراع الدائر والسيناريوهات المتوقعة.

الموقع الجغرافي

تقع الفاشِرْ مدينة تقع في غرب السودان على ارتفاع 700 متر (2296 قدم) فوق سطح البحر على مسافة 802 كيلومتر (498 ميل) غرب العاصمة الخرطوم، و195 كيلو مترا (130 ميلًا) عن مدينة نيالا باتجاه الشمال الشرقي الفاشر محافظة من محافظات ولاية شمال دارفور، وتضم ثمانية عشر محلية هي:

الفاشر الطينة كرنويدار السلاممليططويلة السريف بني حسين المالحة الكومة كتمالواحة المالحة أم كدادة الطويشة اللعيتكلمند وسرف عمرة

وتضم الفاشر حوالي تسعين حياً سكنياً من مختلف الدرجات والمستويات من حيث دخول الإسكان والتخطيط الحضري والبيئة العامة.

حي العظمة الإنقاذ تقارير الهوارة أولاد الريف الكرنك الزياديةبرنجية الكفاح دادنحي النصر الشرفةتمباسيدي الشاطئ حلة فوردبة أم شجيرة الثورة جنوب الثورة شمال ديم الرديف ديم سلكحي الوكالة حي كفوت الطريفية حي زنقوحي النصر (ا) و (ج)الربع الخامسقشلاق (الجيش) والشرطة)المطارحي القبةالتيماناتحي المصانعحي المجمعمكركاالمعهد (أ)المعهد (ب)الجبلالتجانية شوبا التضامن الأسرة الجوامعة الوحدة السلام القاضي النيل الذاكرينحي أم

كما تضم الفاشر معسكرات للنازحين بسبب النزاعات المسلحة وهي:

  • معسكر أبوشوك
  • معسكر زمزم
  • معسكر السلام

يبلغ عدد سكان الفاشر في 2006 قرابة 264,734 شخصا مقارنةً بـ 178,500 في 2001. وتضاعف عدد السكان؛ ليصبح 6 ملايين نسمة منذ النزاع الذي نشب في 15 إبريل.

وتعتبر المدينة الرئيسية للمنظمات الدولية ومؤسسات الإغاثة، ويقع بها مقر بعثة اليوناميد.

وتقع الفاشر جغرافياً في ملتقى طرق ثلاث دول مجاورة للسودان هي:

تشاد عبر معبر الطينة، وليبيا من خلال جبل عوينات، إضافة إلى مصر عبر الطريق التاريخية لدرب الأربعين.

سيطرة الأطراف:

ظلت الفاشر خارج دائرة الصراع العسكري، إلى أن أعلنت مجموعات مسلحة خروجها عن الحياد عبر مؤتمر صحفي في مدينة بورتسودان، وهي حركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة د. جبريل إبراهيم وزير المالية الحالي.

 وحركة تحرير السودان جناح مصطفى تمبور، فيما تمسكت حركات مسلحة أخرى بقيادة د. الهادي إدريس، والطاهر حجر، وهما أعضاء سابقون في مجلس السيادةـ بالحياد وخرجوا من المدينة.

كونت المجموعات المسلحة الخارجة عن الحياد قوات عرفت باسم “القوات المشتركة”، وأصبحت تقاتل منذ ذلك التاريخ إلى جانب الجيش، بالإضافة إلى مجموعات سكانية مسلحة عرفت بـ (المستنفرين)، وتسيطر المجموعات الثلاث على مقر الفرقة السادسة مشاة والجزء الغربي والشمالي أحياء (الرديف ـ الثورة- سوق المواشي- الصافية- الصحافة- أبشوك) من المدينة، بالإضافة لمقر بعثة اليوناميد الذي تحول إلى مقر لقيادة القوات المشتركة.

وعلى جانب الآخر، حشدت الدعم السريع قواتها في دارفور وقادتها في جميع محاور القتال لخوض معركة الفاشر.

وتقاتل إلى جانب الدعم السريع مليشيات أخرى قبلية، قدمت من تشاد وإفريقيا الوسطى، وتسيطر على الجزء الجنوبي والشرقي بأحياء (الشاكرين- حي الوفاق- حي الكهرباء- حي الشهداء- حي النخيل – حي المعهد- حي مثاني- حي الصفا- حي القاضي- الوحدة- السلام- البشارية- التيمانات) من المدينة.

الوضع الإنساني:

يعاني مواطنو الفاشر من المجاعة الناجمة من العمليات العسكرية، وشح المساعدات بسبب، إغلاق معظم الطرق المؤدية للمدينة، إضافة لتوقف خدمات المياه والكهرباء بسبب؛ القصف العشوائي الذي أدى إلى تدمير محطات مياه وكهرباء المدينة.

ومنذ مايو 2023 انهار النظام الصحي في الفاشر، إذ يعاني انعدام الدواء واللقاحات والمعدات والإمدادات الطبية اللازمة بسبب؛ العمليات العسكرية وصعوبة إيصال المساعدات الإنسانية.

  تعرضت المستشفيات الثلاثة الرئيسية لأضرار بالغة، وتم قصف مستشفى الجنوب مرتين، ما أسفر عن مقتل، وإصابة العديد من المرضى وأفراد الطاقم الطبي.

 وتعاني معسكرات النازحين في الفاشر من نقص المأوى، وتدهور البنية التحتية والإمدادات الطبية. وأغلقت أغلب الطرق الرئيسية للخروج من الفاشر، إما مغلقة أو تتعرض لحواجز كبيرة للحركة أو غير آمنة بسبب؛ العمليات العسكرية. وذكرت الأمم المتحدة في 23 مايو، أنه منذ بداية العام 2024 وحتى الآن، وصلت فقط 39 شاحنة إلى الفاشر عبر الخطوط الحدودية، تنقل إمدادات الصحة والتغذية لما يقدر بـ 186,000 شخص. بالإضافة إلى ذلك، هناك 1,500 طن متري من المعونات، تنتظر الموافقة على التحرك منذ ثلاثة أسابيع، ما يحرم أكثر من 94,000 شخص من المساعدة. بالإضافة إلى ذلك، توجد 13 شاحنة محملة بالمعونات الإنسانية لأكثر من 121,000 شخص، تم إرسالها من بورتسودان في 3 إبريل، لم تصل إلى الفاشر حتى الآن بسبب، التأخير في الحصول على التصاريح عند نقاط التفتيش، وانعدام الأمن.

القصف العشوائي:

استخدمت الاطراف المتنازعة في الفاشر القصف المدفعي والجوي العشوائي، ما أدى لوفاة المئات من الضحايا، وتدمير البنى التحتية من بينها كهرباء الفاشر وثلاثة مستشفيات رئيسية ومخازن الإمدادات الطبية والغذائية.

واستهدفت مدفعية قوات الدعم السريع المدنيين داخل الأحياء، ومراكز الإيواء التي خصصت للنازحين الفارين من المناطق الأخرى، من بينها الحالات المرصودة 10 قذائف مدفعية في مركز إيواء مدرسة ابن سينا بحي الرياض. والتي أدت لمقتل نساء وأطفالا، و لا توجد حصيلة للضحايا بسبب؛ احتدام المعارك وتساقط القذائف بكثافة على نطاق واسع في المدينة.

يبين الجدول أدناه حالات القصف والأطراف المسؤولة.

المكانالتاريخنوع القصفالمسؤول
كهرباء الفاشر21 مايو 2024قصف جويالجيش
مستشفى الفاشر التخصصي للأطفال22 يونيو 2024قصف مدفعيالدعم السريع
مركز صحي بابكر نهار12 مايو 2024قصف جويالجيش
مخازن الإمدادات الطبية لولاية شمال دارفور20 يوليو 2024قصف مدفعيالدعم السريع
المخازن الرئيسية لـ UNHCR4 يناير 2024قصف مدفعيالجيشـ الدعم السريع
المستشفى السعودي للولادة22 يوليو 2024قصف مدفعيالدعم السريع
سوق الفاشر27 يوليو 2024قصف مدفعيالدعم السريع
مستشفى نبض الحياة الخاص28 يوليو 2024قصف جوي (مسيرة)الدعم السريع
المستشفى التعليمي1 مايو 2024قصف مدفعيالدعم السريع
إذاعة الفاشر22 يوليو 2024قصف جويالجيش
مقر حكومة إقليم دارفور27 يوليو 2024قصف مدفعيالدعم السريع
وزارة الصحة27 يوليو 2024قصف مدفعيالدعم السريع
مدرسة الاتحاد الثانوية بنات3 سبتمبر 2024قصف مدفعيالدعم السريع
مدرسة الرباط الثانوية بنات2 سبتمبر 2024قصف مدفعيالدعم السريع
مدرسة الإسراء الاساسية بنين (مركز إيواء)16 مايو 2024قصف مدفعيالدعم السريع
مدرسة الجنوبية الثانوية بنين18 مايو 2024قصف مدفعيالدعم السريع
مدرسة زين العابدين (مركز إيواء)11 سبتمبر 2024قصف مدفعيالدعم السريع

سيناريوهات مفتوحة:

تعتبر الفاشر موقعًا استراتيجيًا عسكريًا للجهة التي تسيطر عليها، حيث تقع جغرافيًا في ملتقى طرق ثلاث دول ، كما يمكن الوصول للمدينة بسهولة من مدن شمال السودان مثل الدبة بالولاية الشمالية، نظرًا لقربها الجغرافي من تلك المناطق.

وبالتالي، فهي تعتبر المدخل الوحيد لقوافل المساعدات الإنسانية القادمة من ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، ومن ثم تُنْقَل المساعدات منها إلى بقية أرجاء الإقليم، إضافة إلى احتوائها على مطار دولي.

ولأن الدعم السريع تحتاج إلى تأمين خطوط إمداد الأسلحة عبر الحدود الغربية، مع إنشاء مركز قيادة، يُسهل شن هجمات على ولايات كردفان، وتعزيز دفاعاتهم في ولاية الجزيرة، وتهديد ولايات الشرق حتى الحدود الإثيوبية.

سيناريو التقسيم

في حالة سيطرة الدعم السريع على الفاشر من المحتمل الإعلان عن حكومة في إقليم دارفور، بالإضافة لمناطق سيطرته في ولاية الجزيرة وولاية الخرطوم، في ذات الوقت يسيطر الجيش على الأجزاء الشرقية، والشمالية من السودان، والتي يديرها منذ بداية الحرب من مدينة بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر.

ويدعم هذا السيناريو الواقع؛ فالدعم السريع قامت بتشكيل إدارات محلية عرفت بـ (الإدارة المدنية)، وهي عبارة تشكيلات سياسية وقبلية تمارس اختصاصات وسلطات الحكومة المركزية في جمع الضرائب، واستقطاع الرسوم الجمركية، إضافة لإنشاء محاكم وإعادة تشكيل قوات الشرطة.

 ويساند هذا السيناريو علاقات قوات الدعم السريع مع ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطىن وكينيا وأوغندا وجنوب السودان والإمارات وإثيوبيا، لا سيما الأنشطة الاقتصادية والموارد التي يذخر بها إقليم دارفور.

سيناريو التمدد

بقراءة الموقع الجغرافي لمدينة الفاشر الرابط بين ولايات وسط وشمال السودان عبر مدينة الدبة الحلقة الرئيسية التي تربط الصحراء الشاسعة بين إقليمي وسط وشمال السودان وكردفان ودارفور في الغرب، تتيح نقاط الاتصال للدعم السريع التمدد نحو مناطق جديدة، وهو الاتجاه إلى مناطق سيطرة الجيش في ولايتي الشمالية، ونهر النيل، وهو ما يعني السيطرة الكاملة على الدولة، وشمولية الحرب وتعقيدها والدخول الى اتجاهات مظلمة، تهدد وجودية الدولة.

 ويعتبر هذا السيناريو هو الأقرب وفقا لمجريات الأحداث فالدعم السريع أنشا متحركات عسكرية أخرى في القضارف ونهر النيل وهي ولايات متاخمة لمركز عمليات الجيش في بورتسودان.