كتبت- إيمان رشدي

ثلاث دقائق، هي مدة  الفيديو، الذي انتشر عبر السوشيال ميديا، لطبيبين يتحدثان بفخر عن وقائع تحرشهما بالفتيات والسيدات اللاتي يترددن عليهما لتوقيع الكشف الطبي.

الواقعة ليست الأولى من نوعها، فقبل أسابيع تم القبض علي طبيب بإحدى المحافظات، بعد أن أبلغت زوجته عن اكتشافها فيديوهات إباحية له مع 24 سيدة، من المترددات على عيادته الخاصة، ووجهت له النيابة اتهامات باستغلاله لمنزله وعيادته في التحرش بالسيدات وممارسة الرذيلة.

سهام سيدة أخرى، من ضحايا التحرش في عيادات الأطباء، كلفها الأمر خمس سنوات من عمرها، توقفت خلالها عن البحث عن علاج لتـأخر الحمل بسبب “تروما أي صدمة” أصابتها عقب تحرش أحد الأطباء، حاولت سهام الإفصاح، عما حدث لها، ولكن الإجابة كانت “لقد اشتبه عليك الأمر”.

ومؤخراً، عادت سهام للعلاج، ولكن مع فريق طبي من النساء فقط، بعدما فقدت الثقة في الأطباء الذكور.

ليسوا من النساء فقط

لا يتعلق التحرش الجنسي في عيادات الأطباء بالنوع، رغم أن غالبية الضحايا من النساء، فقد سبق وتعرض بعض الرجال للتحرش الجنسي، وهتك العرض، كما في حالة طبيب الأسنان الذي تم الكشف عن سلوكه قبل ثلاث سنوات، عندما أعلن عدد من المشاهير الرجال تحرش طبيب أسنان شهير بهم.

وكشفت التحقيقات لاحقا، أن الطبيب تحرش بأكثر من 6 ضحايا منهم عدد من المشاهير داخل عيادته، وحكم عليه في يوليو 2021 بالسجن 16 عاما.

الشكوى.. آليات غائبة وإفلات من العقاب

 تعد تلك السلوكيات والتصرفات المباشر منها والضمني أو الإيحائي، ذي المضمون الجنسي، صورا مستحدثة من جرائم التعرض للغير بالتحرش الجنسي في مكان العمل.

وتكمن العقبة الأولى في آلية عقاب مرتكبيها في أن آلية الشكوى غائبة، فحتى الآن لا يوجد لدى نقابة الأطباء لجنة أو خط لتلقي الشكاوى المتعلقة بالتحرش، بما يضمن سرية المعلومات، والخط الساخن الوحيد يتعلق بشكاوى الأخطاء الطبية.

فضلا عن صعوبة إثبات حدوث واقعة التحرش التي تتم عادة، دون دليل، وفي غياب الشهود، وهو ما يساهم في الإفلات من العقاب.

النقابة.. جزاءات محدودة وثقافة غائبة

توجه النقابة لمرتكب الجرائم الجنسية من الأطباء تهمة مخالفة الآداب العامة ولائحة آداب المهنة، وتتبع الإجراءات القانونية ضده ابتداءً من إجراء تحقيق منفصل عن تحقيق النيابة العامة في بلاغات التحرش والاغتصاب، أمام لجنة آداب المهنة طبقا للمخالفات الواردة.

وتبدأ النقابة عقب تقديم الشكوى في سماع أقوال الشهود، وعند ثبوت الواقعة تتعدد الجزاءات بداية من لفت النظر، حتى الفصل عن العمل وعدم ممارسة المهنة “الشطب”.

لا تكمن الأزمة في محدودية الجزاءات التي توقعها النقابة على الأطباء مرتكبي التحرش أثناء العمل، بقدر ما تتعلق بغياب أوجه الحماية المكفولة للمرضى من النساء والفتيات والأطفال من التعرض للتحرش بأشكاله المختلفة أثناء إجراء الفحص الطبي.

كما أن جرائم آداب المهنة المنصوص عليها باللائحة تتعلق بطبيب، لم يتعامل مع المرضى بشكل لائق، أو قام بالتشخيص بشكل خاطئ، وليس بالشكل الذي يتضمن التحرش بصورة المختلفة.

ولا تشهد النقابة شكاوى من مرضى ضد الأطباء عن حالات تحرش؛ فالغالب شكاوى من طبيبات، ضد زملائهم الأطباء، وربما يرجع ذلك لعدم معرفة قطاع كبير من المرضى لتلك الآلية.

النقابات المهنية تواجه الجرائم السابقة– التحرش بأشكاله- بعقوبات تأديبية، لفت نظر، إنذار، أو شطب من النقابة، والعقوبة قد تصل إلى الشطب النهائي من النقابة والحرمان من ممارسة المهنة.

ويتم الاكتفاء في حالات متعددة بالجزاء التأديبي، ولا يجري تحويل الواقعة للنيابة العامة، رغم أن الطبيب المتحرش أمام النيابة والقضاء يعامل بنفس معاملة أي متهم آخر بالتحرش، وفي حالات أخرى، تخطر النقابة النيابة العامة بالواقعة لإجراء التحقيقات الجنائية، دون الحاجة لتقديم بلاغ من المعتدي عليه، وعند ثبوت الواقعة يحاكم الطبيب طبقا لقانون العقوبات.

حلول وآليات مقترحة

نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي، قال إنه وفقًا للائحة آداب المهنة وقانون المسئولية الطبية المزمع مناقشته في البرلمان يُمنع الكشف على فتاة أو امرأة إلا في وجود مرافق أو ممرضة من فريق العمل، وكذلك الرجل المريض لو كانت طبيبة.

اشتراط وجود مرافق يبدو من الصعب تطبيقه، فالعديد من الحالات المرضية، لن تنتظر اصطحاب مرافق معها لإجراء الكشف.

أما اقتراح وضع كاميرا بغرف الفحص الطبي، والذي طالبت به نقابة أطباء الأسنان، وزارتي الصحة والعدل، حيث اقترحت السماح للأطباء بتركيب كاميرات مراقبة بشكل قانوني ورسمي داخل غرف الكشف، فقوبل بالرفض بشدة من قبل الأجهزة التنفيذية، حفاظًا على سرية المريض.

النقابة لا تتأخر.. ولكن   

الدكتور “جمال عميرة” رئيس لجنة التحقيقات وآداب المهنة بنقابة الأطباء قال إن النقابة لا تتأخر في التحقيق حول أي شكوى تردها، فتستدعي الطبيب، وتسمع أقوال الشهود، ولكنها لا تمتلك أدوات البحث الجنائي، كما أنها توقع الجزاءات الإدارية، بينما النيابة العامة هي جهة التحقيق التي تستطيع إثبات ما لا يمكن للنقابة إثباته بمعاونة رجال المباحث.

يضيف أن الأطباء لديهم تعليمات مشددة بضرورة تواجد المرافق مع المريض، وفي حالة عدم وجود مرافق، لا بد من وجود واحدة من طقم التمريض، أثناء إجراء الكشف، أما مسألة الكاميرا، فهي مرفوضة؛ حفاظا على خصوصية المرضى.

وقال “عميرة”، إن معظم الحالات التي تقدم للنقابة تنتهي بالتصالح لعدم ثبوت الواقعة، كما أن هناك حالات تكون الشكوى لخلافات شخصية مع الطبيب، وحالات أخرى تكون الدلائل عليها ضعيفة، وحالات قليلة هي التي تحول للنيابة العامة.

وعلق على فيديو الطبيبين قائلاً إن المسألة تتولاها النيابة العامة، حتى تثبت الأجهزة الفنية المتخصصة صحة الفيديو والتسجيلات من عدمه، كما ستتولى نقابتا الأطباء والأسنان إجراء التحقيق الإداري.

تعديلات.. في انتظار “القانون الموحد

جاءت  التعديلات على النصين المتعلقين بجرائم التحرش الجنسي في قانون العقوبات لتحولها من جنحة الي جناية نظرا لانتشارها خصوصا بأماكن العمل فجاءت المادة 306 مكرر أ لتنص على “كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة، أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز أربع سنوات، وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

وشددت التعديلات عقوبة من يرتكب تلك الجريمة في أماكن العمل، فتكون الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تتجاوز خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه، ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

جاءت هذا التعديلات بقانون العقوبات كمحاولة للحد من جرائم التحرش الجنسي الملاحقة للمرأة، بل وللرجل أحيانا.

لكن الصعوبة تكمن حين يكون المتحرش طبيبا داخل عيادته، حيث يصعب إثبات الواقعة، وعلى سبيل المثال حالات التعليقـات الجنسـية والتلميحـات، والتي يصعب الإفصاح والتبليغ عنها وبالتالي إثباتها.

ويبدو أن حلا في الأفق، يكمن في “القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة” والذي يستهدف: التوعية بوجود مأوى للسيدات المعنفة جسديا وجنسيا، وإخطار السيدات بحقوقهن، وكيفية الحصول عليها بالقانون مع ضمان توافر آليات للشكاوى، تحافظ على سرية البيانات، حيث تتعرض حاليا  ثمانية ملايين امرأة للعنف بأشكاله المختلفة في مصر.

القانون ما زال على طاولة المناقشة منذ ما يقارب الخمس سنوات، تفاقمت خلالها أشكال العنف الجنسي وتعدد مرتكبوه، والإشكاليات التي تواجه المتعرضات للتحرش للإبلاغ عن جرائم العنف الجنسي، بالأخص الواقع من الأطباء لصعوبة الإثبات والخوف من “الفضيحة”.

غياب وتأخر هذا القانون ومن قبله قانون المسئولية الطبية، وجعل العقاب مقتصرا على النصين السابقين بقانون العقوبات، شكل غيابا للردع المهني والقانوني المناسب، وصولاً إلى الواقعة الأخيرة التي تفاخر خلالها طبيبان بتحرشهما بالمريضات.

الواقع في احتياج لصدور “القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة”، والذي يأمل كثيرون أن تندرج فيه الجرائم الجنسية الواقعة من الأطباء “وغيرهم” بشكل مستقل.