أثار استخدام الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء مصطلح “اقتصاد الحرب” حالة من القلق المتزايد في الشارع المصري، إذ قد تنذر بأوضاع اقتصادية متراجعة، وهو قلق مشروع خاصة في ظل ما يعانيه المصريون الآن من أوضاع اقتصادية صعبة، حتى قبل هذا “الإنذار الوزاري” الذي يبشر بما هو أصعب.
د. مدبولي، قال في مؤتمر صحفي، إنه “لو حدثت تطورات حرب إقليمية، سندخل فيما يسمى اقتصاد حرب”، مضيفًا أنه خلال أسبوع فقط “أي الأسبوع الماضي”، زاد سعر برميل النفط 10%، ما وضع مزيدًا من الأعباء على الدولة المصرية. يذكر أن السعر هذا الأسبوع قد شهد تراجعا طفيفا.
“اقتصاد الحرب”: هو نمط اقتصادي، يتم فيه تعبئة الموارد وتخصيصها لدعم المجهود الحربي، وما دامت مصر ليست في حالة حرب، فإن المقصود هنا إجراءات استثنائية؛ لترشيد الإنفاق، وتكوين مخزون من الاحتياجات الأساسية.
ظهر مصطلح اقتصاد الحرب لأول مرة خلال الحرب الأهلية الأمريكية، ما بين عامي 1861 و1865، وترسخ مع الحرب العالمية الثانية، عندما أشار الرئيس الأمريكي حينها فرانكلين روزفلت، في أحد خطاباته إلى ضرورة التحول لاقتصاد حرب حال انتصار دول المحور.
نماذج عالمية لاقتصاد الحرب
تعد الولايات المتحدة أكثر الدول التي طبقت مفهوم اقتصاد الحرب خلال الحربين العالميتين الأولى والثانيةـ إذ أصدرت سندات حرب للمساعدة في تمويل المجهود الحربي، وتم تشكيل مجلس الإنتاج العسكري لتخصيص الموارد للمجهود الحربي، بما في ذلك النحاس والمطاط والنفط، وتحفيز الإنتاج العسكري بين أصحاب الأعمال المدنيين.
في بعض الدول التي طبقت اقتصاد الحرب، اتخذت الحكومات قرارات استثنائية لجمع عائدات إضافية من خلال إصدار أدوات مالية، مثل السندات أو من خلال زيادة الضرائب بشكل مباشر.
كما وجهت تلك الدول حوافز للشركات على تحويل إنتاجها نحو المعدات العسكرية، وغيرها من الأصول الدفاعية التي تساعد بشكل أكبر في المجهود الحربي، مقارنة بالمنتجات والسلع الأخرى التي قد يُنظر إليها على أنها ترف في زمن السلم.
عاشت جميع الدول المتحاربة خلال الحرب العالمية الثانية “اقتصاد حرب”، وكانت ألمانيا قد بدأت بالفعل في التحول إلى ذلك النمط عقب إعلان الحرب رسميًا، بالتوسع السريع في إعادة التسلح بعد وصول أدولف هتلر للحكم كمستشار عام 1933 بتحول الإنتاج إلى الأسلحة، ومعدات القتال للجنود على حساب السلع الفاخرة.
التطبيق المصري لاقتصاد الحرب
لجأت مصر لاقتصاد الحرب خلال الفترة من 1967 إلى 1973، ووفرت موازنة الدولة خلالها دعمًا إضافيًا للقوات المسلحة بحوالي 5 مليارات جنيه.
واتخذت مجموعة من التدابير، بغرض الحفاظ على رصيد النقد الأجنبي، وتوفير الموارد للمجهود الحربي وتسليح الجيش.
في تلك الفترة، ارتفع الإنفاق الدفاعي لـ 21.7% من الناتج المحلى الإجمالي المصري عام 1971، ثم قفز لنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1973، مقابل 5.5% خلال الفترة من 1960 حتى 1962.
وأعادت الدولة النظر في خطة الاستيراد والتصدير؛ بسبب تفاقم عجز الميزان التجاري، وقررت الاعتماد على المنتج المحلي، وتأجيل تنفيذ المشروعات الطويلة الأجل، وتخفيض الإنفاق الحكومي، وتقليص عدد الوزارات.
سنوات صعبة على الاقتصاد
خلال سنوات حرب الاستنزاف، لم تـحدث زيـادات تذكر في دخول الأفراد، رغم ارتفاع معدلات التضخم، كما اختل ميـزان المدفـوعات (أي أن الدولة تستورد سلعاً، وخدمات ورأسمال أكثر مما تصدر)، واسـتتبع ذلك زيـادة الديون، خاصة الديون القصـيرة الأجل مع قصور موارد الدولة من العملات الأجنبية؛ بسبب إغلاق قناة السـويس، وتوقـف الموارد السياحية، واستيلاء الاحتلال الإسرائيل على حقول البترول بسيناء حينها.
اضطرت الدولة إلى التخلي عن الخطة الخمسية الثانـية 1964 /1965- 1969 /1970 التي كانـت تسـتهدف بـناء الصـناعات الثقيلة، واستكمال ما تم خلال الخطة الخمسية الأولى، وأحلت محلها خطة ثلاثـية، ثم خططًا سنوية لتسريع وتيرة الإنجاز.
خلال تلك الفترة، مر الاقتصاد القومي بركود، وتراجع معدل نمو الناتج المحلى لـ 2٫9% مقابل 6% عام 1965.
كما هبطت نسبة الادخار من 14٪ إلى 8٪، وهبط معدل الاستثمار الذي سجل 17.8%، كما تضررت الصناعة التي وصلت لـ 25% من الصادرات قبل الحرب.
اعتمد الاقتصاد المصري في تلك الفترة على المعونات بشكل أكبر، وكانت الدول العربية المصدر الأساسي للمعونات المقدمة إلى مصر.
وترافق ذلك مع ارتفاع المستوى السنوي لعجز ميزان العمليات الجارية بنسبة 86% (من 202 مليون دولار عام 1959 إلى 1966 إلى 375 مليونا عام 1967 إلى 1972)، وزادت مدفوعات أقساط الديون الطويلة والمتوسطة الأجل من 56 مليون دولار إلى 250 مليونًا سنويًا.
كما زادت قيمة أدوات الدين قصيرة الأجل “أذون الخزانة” من 164 مليون جنيه في العام المالي 1959 /1960 إلى نحو 375 مليون جنيه عام 1969/1970، ثم إلى 459 مليون جنيه في عام 1972م.
أصعب فترات اقتصاد الحرب
كانت الفترة من فبراير، وحتى أكتوبر 1973، أصعب فترات اقتصاد الحرب بمصر؛ فحينها أعلن الدكتور عزيز صدقي ميزانية شديدة التقشف، تتضمن تأجيل أية مشروعات، لا تخدم الحرب، وتعظيم استغلال الموارد المتاحة لإدارة اقتصاد الحشد الدفاعي.
تضمنت أيضًا خفض الاعتمادات المخصصة للمياه والإنارة والانتقالات، سواء بالسكك الحديدية أو بوسائل النقل الأخرى بنسبة 10%، وخفض اعتمادات الدعاية والإعلان والحفلات بنسبة 25%، وتخفيض الاعتمادات المخصصة للأعياد والمواسم بنسبة 75%.
كما شملت الخطة ترشيد الإنفاق ومراجعة اعتمادات الصيانة للمرافق التابعة لوزارات الري والإسكان والبترول وهيئة البريد، وإلزام تلك الجهات بتحقيق خفض إضافي في المصروفات الخاصة بمستلزمات الشراء 2%، و5% لمستلزمات التشغيل.
في كتابه «قصة الاقتصاد المصري» قال الدكتور جلال أمين، إن تلك الفترة شهدت انخفاضًا كبيرًا في إيرادات السياحة التي كانت تدر نحو 100 مليون دولار، فضلاً عن التكلفة الضخمة لعملية تهجير نحو مليون شخص من قناة السويس.
غيرت فترة اقتصاد الحرب نمط توزيع الدخل؛ فتوقفت حركة تصحيح توزيع الدخل لصالح فئات الدخل الدنيا توقفًا شبه تام؛ بسبب تراخي معدلات التصنيع والتشغيل من ناحية، وعودة نصيب الأجور الزراعية في إجمالي الدخل الزراعي للانخفاض من 32% لـ 25% في الفترة ما بين 1965 و1972.
كذلك انخفض نصيب الأجور الصناعية من 33% لـ 31% بعد زيادة ملموسة في الستينيات، مع ارتفاع عجز العمليات الجارية بنسبة 86% من 202 مليون لـ 375 مليون وزيادة مدفوعات أقساط الديون طويلة ومتوسطة الدخل من 56 مليونا لـ 240 مليونا سنويًا.