مصر وإيران هما –مع العراق والشام- الدولتان صاحبتا أقدم حضارة إنسانية في المعمورة، الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية)، والحضارة الفارسية العتيقة. إيران دولة إسلامية كبرى، تختلف البلدان العربية معها في الكثير من الأمور، لكنها عضد، وساعد مهم، لا يجب التفريط فيه في القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.

رغم كونها كانت مخلب قط للغرب في المنطقة، إبان عهد الشاه محمد رضا بهلوي (41-1979)، ورغم الكثير والكثير من الخلافات السياسية بين نظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر وشاه إيران، بسبب سياسة المحاور والأحلاف التي كانت إيران تتزعم عضويتها في المنطقة، بالتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ويقصد هنا حلف بغداد المناوئ للمد الشيوعي ولحركات التحرر ضد الاستعمار، إلا أن تلاقي المصالح بين إيران ومصر السادات في مطلع السبعينات، كان له أكبر الأثر، في أن تحمل مصر جميلا لإيران الشاة. بالتأكيد لن ينسى أحد مساعدة إيران لمصر في حرب أكتوبر 1973، من خلال مد مصر بالنفط، عندما كانت أحوج له خلال الحرب. بعدئذ تدفقت الاستثمارات الإيرانية على مصر عقب تلك الحرب، وتدعمت العلاقات بشكل كبير مع قطع العرب علاقتهم بمصر؛ بسبب زيارة السادات للقدس 1977، وتوقيع اتفاقيتي كامب ديفيد 1978 ومعاهدة السلام مع إسرائيل 1979.

ولأن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، قامت الثورة الإيرانية 1979، وعادت إيران غالبية الدول العربية؛ بسبب الحرب مع العراق، ومن قبل ذلك كله، وبعده كانت هناك الصراعات بالوكالة (سياسيا وربما عسكريا) بين التنظيمات السياسية المعارضة (وبعضها تم تسليحه) في العراق والبحرين وإيران. لكن رغم كل ذلك، ولأن إيران عقب الثورة قد تحول نظامها الثوري لحالة عداء مع الولايات المتحدة وإسرائيل، رغم وجود صلات وصفقات سلاح، اضطرت إليها طهران؛ بسبب الحرب مع عراق صدام حسين، رغم كل ذلك وجدت عدة أنظمة عربية إيران رصيدا وداعما للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.

كان لتفاقم حالة العداء بين إسرائيل وإيران، بسبب سعى الأخيرة لإنتاج سلاح نووي، أثره في تعاطف الكثير من بلدان العالم الثالث وبعض البلدان العربية مع إيران، باعتبارها دولة تريد حماية كيانها، كما يفعل الكيان الصهيوني الذي أراد احتكار هذه الأداة لنفسه فقط بالمنطقة. صحيح أن الخلافات مع إيران؛ بسبب محاولاتها في البداية تصدير ثورتها لجيرانها، وعدائها للعراق، واحتلالها للجزر الإماراتية في مضيق هرمز، أدى إلى نبت بذور الخلاف بين العرب وإيران، إلا أن بعض الساسة والمفكرين، أدركوا أنه من الممكن احتواء إيران، وترويض نظامها، حتى تصبح رديفا، وليس عدوا للقضايا العربية. الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل، ووزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى، هما من أبرز الذين أكدوا على أهمية إيران كعمق إستراتيجي للبلدان العربية، وسعوا لنصح صناع القرار في مصر، وربما في بعض البلدان العربية لعدم قطع أواصر التعاون مع إيران.

لكن، ولأن كثيرا من البلدان العربية سار خلف الدعاية الأمريكية والصهيونية، بأن إيران هي العدو الأوحد لهم، وأنها محور الشر، كونها في الواقع اليوم تتزعم محور المقاومة للوجود الصهيوني، وأن مشروع السلاح النووي لهذا البلد موجه بالأساس إلى العرب، خاصة في بلدان الخليج، قامت عديد من بلدان الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، باستيراد أسلحة بمئات المليارات من الدولارات من الولايات المتحدة، بل أن بعضها –الإمارات العربية والبحرين على سبيل الحصر- انغمس في مصالحة، ثم تطبيع حقيقي مع الكيان الصهيوني، رغم كون البلدين لا توجد أية مشكلات حدودية معها، ما اعتبر بمثابة شيكات مجانية، دفعت للكيان الصهيوني لاسترضاء الولايات المتحدة، دون أي تنازلات صهيونية إزاء الحقوق العربية المغتصبة.

بالطبع، لم ينس الكيان الصهيوني خلال تلك الفترة التي أعقبت الثورة الإيرانية وحتى اليوم، أن يضخم من الخلافات المذهبية بين السنة (ومعظمهم في البلدان العربية)، والشيعة (وغالبيتهم في إيران). وهذا الخلاف هدف لدعم المزيد من الفرقة ليس فقط بين الأنظمة في الاتجاهين، بل بين الشعبين العربي والإيراني. وقد كانت الخلافات الكبيرة بين الطرفين، قد تم تغذيتها في البلدان العربية التي توجد بها جماعات– كثرت أو قلت- من الطائفة الشيعية، كما في البحرين والعراق والكويت ولبنان والمنطقة الشرقية في السعودية، علاوة على وجود مذاهب أخرى أقرب للشيعة عن السنة، كما هو الحال في اليمن من خلال جماعة أنصار الله الحوثية.

كثيرا من علماء السنة من الأزهر وغيرهم في البلدان العربية، وكذلك من علماء الشيعة بمن فيهم آيات الله في إيران والعراق، التفتوا إلى تلك الفرقة الشعبية، وسعوا لردم وجسر الهوة بين المذهبين، فأكد الأول على إسلام الثاني، ورفض تكفير أي شخص، يشهد بالوحدانية وبنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، بينما أشار الثاني، بمن فيهم آية الله الخوميني وخلفه المرشد الإيراني على خامنئي وآية الله على السيستاني بالعراق، وغيرهم لإجلال صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام.

غاية القول، أن بعض بلدان الخليج قد أنفقت الكثير لمواجهة أطماع حقيقية أو مزعومة من قبل إيران، والواقع أن تلك البلدان لو أنفقت عشر، ما أنفقته على التسليح على احتواء إيران سياسيا، وتعاونت معها اقتصاديا، لانتهى الخلاف بين الطرفين منذ زمن بعيد. لو أدرك الطرفان، أنه لا مكان للغرباء في المنطقة، وأن ما يدعيه الصهيوني، بأنه نصير، وهو أصلا، يحتاج لمن يساعده، ويناصره، لأن وجوده في المنطقة غريب وزائل، قصر الزمن أو طال، كما حدث في الدولة الصليبية التي دامت بالمنطقة زهاء 190 عاما واندحرت. لو عقلت الأنظمة في البلدان العربية وإيران تلك الحقيقة، لما تناحرا وتنابذا على أمور، تبدو تافهة مقارنة بالمخاطر الجسام التي يشكلها وجود الكيان الصهيوني في هذه البقعة المهمة من العالم.

بعد ساعات، وربما أيام قليلة ستقوم إسرائيل بضرب إيران، لأن الأولى، هالها أن تقوم الأخيرة بضربها، رغم أن العدوان وقع في الأصل من إسرائيل على السيادة الإيرانية باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بطهران، وقبلها بضرب السفارة الإيرانية في دمشق، المفترض ون تكون معصومة باتفاقية فيينا للحصانات الدبلوماسية والقنصلية لعام 1961. لا أحد يقول هنا بطلب التورط في تلك المواجهة القادمة، لكن على الأقل مطلوب مساندة إيران في المحافل الدولية، ووقف أي تورط لمساعدة الصهيوني على تحقيق أهدافه، أو مساعدة الولايات المتحدة لإسقاط الصواريخ الإيرانية، كما فعلت الأردن مؤخرا فوق أراضيها.

لقد حصلت إيران على شعبية عربية جارفة في عديد من الأقطار العربية، التي هالها أن يقف حكامها مكتوفي الأيدي؛ خوفا ورعبا من الصهيوني المدعوم من الأمريكي المتغطرس والمتبجح، ويجدوا– بالمقابل- إيران تقوم بدعم المقاومة في غزة واليمن ولبنان والعراق، فتمد غالبيتهم بالسلاح، بل وتشارك في قصف الكيان الصهيوني، بسبب تلك الغطرسة وذاك التسلط الذي بلغ مداه– حتى اليوم- في قتل ما يقترب من 45 ألفا، من المدنيين في غزة ولبنان والضفة الغربية، ناهيك عن قصف المستشفيات والمدارس وتجويع شعب غزة، ومن قبل ذلك كله –وطيلة عقود- تهجير السكان أصحاب الأرض، وسلب الثروات وتدنيس المقدسات.

غدا ستضرب إيران على الأرجح بعنف، وربما تندلع؛ بسبب ذلك مواجهة إقليمية شرسة، بالتأكيد سيخسر الحكام العرب، إذا ما قاموا بدعم الصهيوني في مواجهة إيران، وستتزلزل عروش كثيرة، وسيبين الغث من السمين.