كتب- علي رزق وإيمان رشدي

والمصطلح “مظلة النقابة المثقوبة”، للكاتب الصحفي دكتور محمد سعيد محفوظ الذي اشتبك مع جدل فتح باب القيد لصحفيي المواقع الإلكترونية، كمنتسبين قائلا: “أدافع عن شمول جميع الصحفيين تحت المظلة النقابية، باعتبارها مسألة مبدأـ لكنها مظلة مليئة بالثقوب، ولا تصلح للاحتماء من بصيص ضوء”.

يتجاهل الجدل الدائر حول قرار فتح جدول الانتساب بنقابة الصحفيين، للصحفيين العاملين بالمواقع الإلكترونية، الكثير من حقائق القانون، وصيرورة عملية القيد وملابساتها على أرض الواقع؛ ليقفز إلى ثنائية “يستحقون/ لا يستحقون”، مع المناوشات المعتادة، حول كفاءة الراغبين في الاحتماء بالمظلة النقابية، مقابل من حصلوا عليها، دون وجه حق، على الأقل في نظر الطرف الآخر.

كما سياقات أخرى، لا توجد إحصائية دقيقة بعدد من يعملون في المواقع الإلكترونيةــ كبيرها وصغيرهاــ وإن راوحت التقديرات العشرة آلاف، دون أن نغفل هنا، أن هناك أرقاما معتبرة منهم، كانوا يجربون حظهم، أو يبحثون عن مسار أو وظيفة، واتجهوا لمسارات أخرى، دون أن يتخلوا عن “الكارنيه القديم” للموقع، مقابل آخرين استطاعوا حصد جوائز عالمية، ورسخوا مسارات “الصحافة الحديثة” في المشهد الإعلامي، مقدمين نماذج مميزة لصحافة الاستقصاء، والبيانات، وحتى صحافة الألعاب.

بينما يقدر عدد المواقع العاملة بحوالي 1200 موقع، تتنوع أوضاعها القانونية، والاقتصادية، والمهنية.

 بداية، كان القرار الذي فتح باب الجدل أو للدقة أعاد فتحه للمرة المليون ــ لم يكن بضم الصحفيين الإلكترونيين ــ حسب التعبير الشائع ــ بل كان بتفعيل المادة 12 من قانون النقابة، وفتح باب التقديم لجدول المنتسبين، وخلا القرار الذي نشرته صفحة النقابة الرسمية على الفيسبوك من أي إشارة لصحفيي المواقع الإلكترونية، ورغم ذلك، فهم الجميع أنه بمثابة شرارة البدء؛ لتنفيذ وعد سابق للنقيب بهذا الخصوص.

وقبل أن يجف حبر الـ “بوست”، انطلقت التراشقات على الجانبين، فاعتبره البعض “قرارا عظيما” و”قرار محترم”، بينما أبدت زميلة دهشتها البالغة، كون النقيب نفسه تقدم بمذكرة؛ لإلغاء حكم قضائي بأحقيتها في القيد، رغم كونها خريجة إعلام القاهرة.

الزميلة كانت تشير لرفض النقابة تنفيذ أحكام قضائية نهائية بالقيد، صدرت لعدد من الزملاء، في حين علق آخر “هي خربت من شوية.. والنبي أنا عايز انتسب لنادي القضاة”. وشدد المرحبون على ضرورة وضع شروط وضوابط عادلة، ليست تعجيزية، ولا تضع الصحفيين “تحت ضرس أصحاب المواقع”.

جدول المنتسبين.. تعديل مايو الدولاري

كانت النقابة قد أقرت في مايو الماضي تعديلا على شروط القيد بجدول المنتسبين، قنن أوضاع الصحفيين العاملين بالخارج، ممن يمارسون المهنة في صحف مرخصة، أو الأعضاء في نقابات وجمعيات الصحافة بالبلاد العربية، بالإضافة لأساتذة الصحافة والإعلام الذين يسهمون في أعمال الصحافة.

واشترط التعديل، أن يكون المتقدم للقيد في جدول المنتسبين من المصريين العاملين في الدول العربية؛ ممارسًا لمهنة الصحافة في جريدة عربية، تصدر هناك، أو في مكاتب صحفها بالقاهرة، بعقد عمل محرر، يثبت ممارسته الفعلية، أو عضوا في نقابات وجمعيات الصحافة في الدولة التي يمارس عمله بها. على أن يلتزم طالب القيد بسداد رسوم اشتراك ألف دولار، تخصص مواردها لصالح العلاج، والمعاشات، والتدريب، أو صندوق الطوارئ بالنقابة. ويعاد النظر في رسم الاشتراك بشكل دوري، ويتم تجديد العضوية سنويًا، بموجب أرشيف حديث، يثبت مواصلة العمل، ورسوم 300 دولار.

الخائفون على البدل في مواجهة “بتوع البث المباشر”

سريعاً، خرج النقاش الذي كان أغلبه راقياً، حول ضوابط القيد للمنتسبين إلى ملاسنات ورشقات لفظية، وكان الاتهام المعلق فوق رؤوس النقابيين المتحفظين على قيد صحفيي المواقع، هو “الخوف على البدل”، والمقصود هنا، مبلغ ضئيل -يزداد ضآلة مع التضخم- تدفعه وزارة المالية شهرياً عبر النقابة أو المؤسسات القومية للصحفيين المقيدين بالنقابة، تحت مسمى “بدل تدريب وتكنولوجيا”، والمفترض أنه يغطي الاحتياجات المتزايدة للصحفي المحترف في هاتين النقطتين، لكنه تحول إلى مصدر دخل، أو جزء معتبر من دخل الصحفي، حسب زملاء شاركوا في الحوار، أو غابوا عنه، حتى أن “جروبات عديدة” تأسست لمتابعة أخبار البدل، ومواعيد نزوله شهريا في ماكينات الصراف الآلي.

على الجانب الآخر، طالت قذائف الرافضين، “بتوع البث المباشر”، وصحفيو تغطية جنازات المشاهير، وصولا إلى التحذير من قيد مروان مشاكل، وأم سجدة، مشاهير التك توك، ربما في إشارة واضحة إلى التخوف من اختلاط مفهوم الصحفي، بمنتج المحتوى على السوشيال ميديا، وإعلان للاستياء من ممارسات بعض المواقع الإخبارية اللاهثة وراء الترندات والمشاهدات.

قانون النقابة ووصم “الاتحاد الاشتراكي”

ولأن الأمر أعمق ــ وربما أعقدــ من مجرد ملاسنات، قد يكون وراؤها خوفا حقيقيا على المهنة، أو إحساسا مشروعا بالمرارة من الحرمان من حق مشروع، فمن المهم الالتفات إلى الخلل التشريعي الذي أدى لظهور الأزمة وتفاقمها عبر العقدين الماضيين.

فقانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، الصادر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، نص في مادته السادسة، على أنه يعتبر صحفيًا مشتغلًا ” من باشر بصفة أساسية ومنتظمة مهنة الصحافة في صحيفة يومية أو دورية تطبع في الجمهورية العربية المتحدة”.

وشملت نفس المادة أيضا المحرر المترجم والمحرر المراجع والمحرر الرسام والمحرر المصور والمحرر الخطاط وكذلك المراسل، وبالطبع لم يأت من قريب أو بعيد على ذكر الصحفيين الإلكترونيين، لأنه ببساطة، صدر في وقت، لم تكن الصحافة الإلكترونية قد ظهرت فيه.

ويتضمن القانون الذي لا زال ساريا مادة هي المفضلة لمنتقديه الراغبين في التدليل على وجوب مراجعته، وهي تلك المتعلقة بإرسال كشوف المتقدمين للعضوية إلى “الاتحاد الاشتراكي”.

وفي عام 2012، طرحت مسودة قانون جديد لنقابة الصحفيين الجديد بعد أكثر من أربعين عاما على صدور القانون السابق.

أعدت المسودة لجنة التشريعات بنقابة الصحفيين، وتبرأ مجلس النقابة منها في بيان له، وبالتالي لم تدخل حيز النفاذ.

التعديلات وقتها شملت المادة الرابعة، بإنشاء جدول عام يشمل أسماء الصحفيين، ويلحق به الجداول الفرعية، وهي “المشتغلون وغير المشتغلين والمنتسبين وتحت التمرين”.

كما تم استحداث المادة الخامسة، والتي نصت على شروط القيد بجداول تحت التمرين.

واستثنت المادة العاشرة من شروط القيد الصحفيين العرب والأجانب المقيمين بمصر، متى توافرت فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة الخامسة، إضافة لأعضاء هيئة التدريس بأقسام الصحافة بالجامعات المصرية، الذين يسهمون في أعمال الصحافة، على أن يقيدوا بجدول المنتسبين.

ورغم أي اتفاق أو اختلاف حول القانون، وتعديلاته التي لم تلق القبول، فإن ثمة عقبة دستورية تستدعي التوقف عندها، ومناقشتها بتعمق أكثر.

 الدستور والتعددية النقابية.. تجارب من الشرق والغرب

الدساتير المتعاقبة بداية من دستور 1956، وحتى دستور 2019، تكفل الحق في تكوين النقابات بوصفها أحد أهم مكونات منظمات المجتمع المدني.

وتنص المادة 77 من الدستور المصري لعام 2019، على أن “ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديموقراطي…. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة”، في رفض قاطع للتعددية النقابية.

على أثر ذلك جاء قرار لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، الرافض لمبدأ التعددية النقابية في مشروع قانون المنظمات النقابية العمالية الذي تتولى اللجنة مناقشته؛ معللة ذلك أن التعددية تؤثر سلباً على العملية الإنتاجية.

وعلى النقيض، أقرت العديد من الدساتير التعددية النقابية، كما في بريطانيا وأمريكا ومعظم دول العالم، بينما فضلت النظم الشيوعية خيار النقابة الواحدة المحتكرة.

وكذا دعت للتعددية النقابية اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم87 لسنة 1948، والتي جعلتها معيارا للحرية النقابية.

في الجزائرــ وهي دولة عربية إفريقية عالمثالثية مثلناــ اعترفت النصوص القانونية الدستورية والتشريعية بالتعددية النقابية؛ تجسيدا للمعايير الدولية المتعلقة بالحرية النقابية، حيث سمح القانون النقابي التعددي رقم 41/09 للعمال والموظفين بتأسيس عدة نقابات لتتنافس في تمثيل عمال المهنة الواحدة.

في مصر يفرض الواقع، كما تفرض متغيراته، اتخاذ موقف مرن تجاه تحدي التعددية النقابية، الأمر الذي قد يطرح فكرة إنشاء نقابة مستقلة، أو جمعية، أو رابطة، أو اتحاد، أو أي كيان قانوني ملائم، يحتوي صحفيي المواقع الإلكترونية، والمشاركين في إنتاج محتواها، باختلاف أشكاله وتقنياته.

اللائحة واللجنة والضوابط المنشودة

يتفق طرفا الجدل الدائر على أهمية وضع ضوابط حاكمة، تتيح لممارسي مهنة الصحافة ومحترفيها في المواقع الإلكترونية الاحتماء بمظلة نقابية قانونية، تحميهم من شبح الملاحقة بتهمة انتحال الصفة، وربما تمنحهم بعض المنافع الخدمية التي تقدمها النقابات لأعضائها مثل العلاج، وتقسيط السلع، وشقق الإسكان الاجتماعي.

كما يتفقان على التحذير من تسلل من لا يستحق، وهو ما لا ينكر الطرف النقابي حدوثه بشكل جزئي في جداول النقابة الحالية، الأمر الذي يتطلب تعديلا للائحة القيد، ولآلية القبول والرفض والتأجيل، خاصة بعد أن تعرضت قرارات اللجنة في آخر انعقاد لها، والذي نظرت خلاله في طلبات 300 متقدم للقيد، إلى 70 طعناً، رصدت مخالفات فادحة.

رافضون للقرار على الجانبين.. الانتساب ليس هو الحل

المفارقة، أنه حتى على جبهة صحفيي المواقع الإلكترونية وداعميهم، هناك من يرفضون قرار النقابة بفتح جدول الانتساب، ويرون أن من حقهم عضوية كاملة.

وتحت وسمي “#نقابة_لكل_الصحفيين و#الصحافة _حق _للصحفيين _الإلكترونيين” كتب صحفيون نقابيون وغير نقابيين تأكيدات، على أن من حق الصحفي الذي يمارس المهنة، أن يحصل على مظلة نقابية مستحقة، وليس “ذنبنا أن النقابة متأخرة سنين ضوئية”.

يقول الكاتب الصحفي يحيى قلاش- نقيب الصحفيين السابق- تكمن مخاوف البعض، ممن اعترض على هذا القرار من إغلاق العضوية، أو مشاركة آخرين له في الامتيازات، إلا أنه أكد أن سوق العمل الصحفي في تطور وتغيير مستمر، وأن المهنة تطرأ عليها متغيرات بشكل دائم، ولا بد لقطاع الصحفيين الاستجابة لها، وفي حالة عدم حدوث ذلك؛ ستطُبع النقابة بالطابع القديم التاريخي، وهذا أمر غير طبيعي.
وأوضح أن نقابة الصحفيين، هي النقابة الأقل نموًا تاريخيًا، فالنقابة تأسست منذ 85 سنة، والمُقيدون بها لم يزد عددهم عن 10 آلاف صحفي، على عكس النقابات الأخرى التي صارت نقابات مليونية- نقابات التطبيقيين، المهندسين، المحامين- نموذجا، فالنقابات تستمد قوتها من أعضائها.

مكسب جزئي

طبعاً هناك من يعتبرها خطوة جيدة، أو “مكسب متاح “، يقلل ولو جزئياً من معاناة الصحفيين العاملين بالمواقع الإلكترونية، والتي تتنوع أشكالها، كما يقول الصحفي ماجد عاطف، ضاربا المثل بـ “عدم دعوة الصحفيين الإلكترونيين، للمؤتمرات الرسمية”، معتبراً أن الانتساب “حل وسط في ظل صعوبة التغيير التشريعي”.

وفيما يتعلق بالمخاوف من دخول أشخاص لا علاقة لهم بالصحافة في جدول المنتسبين قال:”بالفعل يوجد أشخاص لا علاقة لهم بالصحافة، وعلى لجنة القيد أن تضع شروطاً واضحة ومنضبطة، تضمن عدم دخول غير الصحفيين”.