فجأة أصبحت “الحلفايا”، تلك المنطقة المظللة بنهر النيل الأبيض، شمال العاصمة الخرطوم، في قلب صراع عنيف أودى بحياة العديد من أبنائها.

منذ أن بدأت الحرب في 15 إبريل 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شهدت الحلفايا تحولًا دراماتيكيًا من مجتمع نابض بالحياة إلى منطقة تغلفها سحابة من الموت والدمار، البيوت المهدمة، والسيارات المتهالكة، والشوارع المليئة بالحطام، تُظهر معاناة السكان اليومية، وتروي قصة الألم الممتد.

خلال الأشهر القليلة الماضية، عانت الحلفايا من تداعيات سلسلة من المعارك الدامية، تركت آثارا عميقة.

في بدايات النزاع، دارت اشتباكات عنيفة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، حيث استخدمت الأسلحة الثقيلة، ما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.

 في يونيو 2023، تعرضت الحلفايا لاقتحام عسكري شرس، أدى إلى دمار واسع النطاق في البنية التحتية الأساسية.

وفي أغسطس من نفس العام، زادت الأمور تعقيدًا، عندما تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على أجزاء كبيرة من الحي، ما أدخل المنطقة في أتون صراع أوسع، وأدى إلى تفاقم الوضع الإنساني.

اليوم، ورغم سيطرة الجيش السوداني على الحلفايا منذ 27 سبتمبر الماضي، لا تزال الأوضاع متوترة بشكل كبير، حيث تتعرض المنطقة لقصف مدفعي مستمر من حي شمبات، وهي محاطة بقوات الدعم السريع من ثلاثة اتجاهات.

 يعيش سكان الحلفايا في ذعر، إذ انقطعت مواردهم الأساسية من الماء والكهرباء، مما أدى إلى انتشار الأمراض ونقص المناعة.

 الفقر والمجاعة أصبحا واقعًا مريرًا، وأصبح الحي أشبه بسجن كبير، حيث يواجه السكان صعوبة في الخروج أو الدخول. يقول أحد السكان: “بل السجن أفضل؛ لأنه يقدم لك الطعام والماء”.

وتتزايد التقارير عن حالات مأساوية، حيث يتم العثور على جثث متحللة داخل المنازل، بينما تُسجل الوفيات ارتفاعا كبيرا؛ بسبب الجوع والأمراض، وبعض السكان أُجبروا على الهروب، لكن كثيرين اختاروا البقاء في منازلهم، رغم المخاطر القاتلة التي تحاصرهم.

انتهاكات بالجملة

تعاني الحلفايا من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، من قبل الطرفين المتحاربين.

يروي عبد الرحمن فاروق، أحد السكان، تجربته القاسية: “في 27 أغسطس 2023، اعتقلتني قوات الدعم السريع من منزلي، حيث تعرضت لتعذيب شديد. ولا أحد يعرف ما يحدث لي”، كما تم نهب متجره، مما أجبره على البحث عن العلاج عند أقاربه.

آثار التعذيب على المواطن عبد الرحمن فاروق

وانتشرت حالات اختطاف المدنيين كوسيلة للضغط على عائلاتهم، حيث يتم استخدامهم كرهائن للمطالبة بالأموال أو المساعدات في النزاع.

 إضافة إلى ذلك، شهدت الحلفايا وجود عناصر من قوات الدعم السريع في الشوارع، تقوم بالتفتيش القسري للمنازل، مما أدى إلى تفشي الخوف والفوضى.

 فيديو لأحد معتقلات الدعم السريع

وفي حادثة مؤلمة، كشفت س .ع، وهي عضوة بلجنة المقاومة والتغيير، عن حالة اغتصاب لإحدى الفتيات من الحلفايا على يد عناصر من الجيش، أثناء بحثهم عن الهاربين من قوات الدعم السريع.

كما أشار أحد السكان، إلى أن “العناصر غير المدربة تحت تأثير الخمرة تدخل بيوت المواطنين، مما يضاعف من حدة الخوف والقلق”.

وتشير التقارير، إلى أن الاعتقالات التعسفية والتعذيب لم يقتصرا على الرجال فحسب، بل شمل النساء والأطفال، مما يعكس عمق الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون.

 فيديو

 فضلاً عن ذلك، أفاد شهود عيان عن وجود عمليات نهب منظمة لممتلكات السكان، حيث تُقتحم المنازل بشكل دوري، مما يزيد تفاقم الأزمة الإنسانية.

الأثر القانوني والإنساني

تعد هذه الانتهاكات انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية، بما في ذلك استهداف المدنيين، وهو ما يندرج تحت جريمة الحرب. إن الوضع الإنساني المتدهور يتطلب استجابة فورية من المجتمع الدولي، حيث يجب محاسبة المتورطين في هذه الأفعال، وتقديم المساعدة الفورية للمدنيين المتضررين.

إن ما يحدث في الحلفايا ليس مجرد حدث محلي، بل هو جزء من مأساة أوسع، تكتنف السودان بأسره. ينبغي على المجتمع الدولي تكثيف جهوده؛ لحماية السكان المدنيين. ومن الضروري، أن يتحد السكان، وينظموا أنفسهم للتصدي للاعتداءات والحفاظ على النظام.