كتب- سمير عثمان

يمثل تمويل التعليم بشكل عام سواء قبل الجامعي أو التعليم العالي، أحد أكبر التحديات والمعوقات التي تواجه عملية تطوير التعليم في مصر، كما يمثل عائقًا أمام تحقيق الأهداف التنموية التي وضعتها الدولة للنهوض بالعملية التعليمية.

الدستور المصري وضع المادة الانتقالية رقم 238، والتي نصت على: “تضمن الدولة تنفيذ التزامها بتخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومي على التعليم، والتعليم العالي، والصحة، والبحث العلمي المقررة في هذا الدستور تدريجيًا، اعتبارًا من تاريخ العمل به، على أن تلتزم به كاملًا في موازنة الدولة للسنة المالية 2016/ 2017، وتلتزم الدولة بمد التعليم الإلزامي، حتى تمام المرحلة الثانوية بطريقة تدريجية، تكتمل في العام الدراسي 2016/ 2017”.

المادة أعطت الحكومة مهلة ثلاث سنوات، من أجل أن تتناسب معدلات الإنفاق على التعليم مع النسب المقررة في الدستور: 4% للتعليم قبل الجامعي، 2% للتعليم العالي، 1% للبحث العلمي.

الإنفاق والاستحقاق الدستوري

بحسب تقرير الإنفاق العام على قطاعات التنمية البشرية في مصر الذي يصدره البنك الدولي، يعد الإنفاق على التعليم في مصر تاريخيًا، أقل مما ورد في الاستحقاق الدستوري، كما انخفض الإنفاق على التعليم قبل الجامعي كنسبة من الناتج القومي الإجمالي من 2.8% في عام 2016 إلى 1.8% عام 2020، وهي نسبة أقل من نصف النسبة المنصوص عليها دستوريًا والبالغة 4%.

التقرير أشار، إلى أن هناك انخفاضا حقيقيا في نسبة الإنفاق عند حسابه باستخدام الأسعار الثابتة لعام 2010، في حين زاد الإنفاق الاسمي بمتوسط سنوي بين عامي 2016 و2020 بنسبة 11%، بينما انخفض الإنفاق الحقيقي بمتوسط سنوي بنسبة 3% خلال الفترة نفسها، موضحًا أن الوفاء بالاستحقاقات الدستورية وزيادة الإنفاق على التعليم يمكن أن تحدث تأثيرًا طويل الأمد نحو معالجة نقص موارد التعليم.

كما شدد البنك الدولي، على أن مصر متأخرة عن نظرائها الدوليين في الإنفاق على التعليم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وأشار إلى أنه لو حافظت مصر على مستوى عام 2016 في الإنفاق، كان يمكن أن تتماشى بصفة عامة مع مجموعات المتوسط الدولي.

كيف يتم إعداد موازنة التعليم؟

وفقًا للبنك الدولي، فإن إعداد موازنة التربية والتعليم عملية مركزية، وتعتمد على الإنفاق السابق، وهو ما يمثل عقبة أمام ربط أولويات الدولة للتعليم بالمستوى المناسب للموارد، فضلًا عن ضعف ارتباط النهج القائم على الإنفاق السابق بنواتج التعلم، وأهداف تحقيق العدالة، كما يحد من المستويات الحكومية الأدنى من تلبية الاحتياجات المدرسية؛ نظرًا لمركزية القرار.

تمر عملية إعداد الموازنة بعدة مراحل، حيث تقوم وزارة المالية بإعداد منشور عام بشكل سنوي لإعداد الموازنة العامة، ووفقًا لهذا المنشور، تتولى وزارة التربية والتعليم والهيئات الخدمية التابعة لها، إعداد مشروع موازناتها في ضوء الأهداف المخططة، المطلوب تحقيقها وفقًا للسياسة العامة للدولة، على أن يتم موافاة وزارة المالية بمشروعات الموازنات قبل بدء السنة المالية بستة أشهر على الأقل، حيث يتسنّى للوزارة إعداد الموازنة في صورتها النهائية وتقديمها للبرلمان قبل ثلاثة أشهر على الأقل من بدء السنة المالية، حيث لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض أو الحصول على تمويل أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة، وما يترتب عليه من إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة (إلا بموافقة مجلس النواب)، وذلك وفق النصوص الدستورية.

وحسب البنك الدولي، يتولى قسم الإحصاء بوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني عملية تشغيل نظم إدارة المعلومات، ويتم جمع بيانات إدارية تفصيلية، فيما تتولى وزارة المالية بتجميع البيانات حسب التنصيف الاقتصادي لقطاع التعليم حسب المحافظات، ولكن بدون تمييز بين مستوى التعليم أو نوع العاملين.

وتبدأ عملية إعداد الموازنة بتقديرها عند مستوى أصغر وحدة إدارية محلية، ثم يتم تجميع متطلبات الميزانية على مستوى المحافظات، يليها المستوى المركزي لوزارة التربية والتعليم، وبدورها تقوم الوزارة بتقديم الموازنة التقديرية إلى وزارة المالية، التي تصدر بدورها منشور إعداد الموازنة، ثم تبدأ مناقشتها مع مجلس الوزراء وتقدمها رسميًا له.

بعد استلام مجلس الوزراء للموازنة التقديرية، يحيلها رئيس الجمهورية لمجلس النواب، وتبدأ لجنة الخطة والموازنة مناقشتها بالمجلس وإبداء الرأي والتوصيات، ثم يتم التحقق منها من الناحية القانونية من مجلس الدولة، وتقوم وزارة المالية بتقديم مدفوعات شهرية لوزارة التربية والتعليم للإنفاق، وبعد إقفال الدفاتر، يتم إرسال تقارير الحساب الختامي إلى الجهاز المركزي للمحاسبات، ورفع التقرير لمجلس النواب، وبعد الإقرار النهائي للموازنة، يتم توقيعها من رئيس الجمهورية.

عملية إعداد الموازنة

يشير التقرير إلى وجود عمليات تنظيمية منفصلة لإعداد الموازنة، حيث تقع مسئولية إعداد الموازنة للإنفاق الرأسمالي على عاتق وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، وتتولى الهيئة العامة للأبنية تنفيذها، وهو ما يعني أن الجدول الزمني لقرارات إعداد الموازنة لا يتطابق بالضرورة مع الخطة المذكورة بالأعلى، وهو ما قد يؤدي إلى مخصصات ضعيفة الاستجابة للاحتياجات التي يفرضها النمو السكاني أو اكتظاظ المدارس.

رواتب المعلمين والإداريين بوزارة التربية والتعليم تلتهم النسبة الأكبر من الموازنة التي يتم تخصيصها، حيث تصل إلى 92% من إجمالي الموازنة، بينما تحصل الهيئة العامة للأبنية على 2% للإنفاق الرأسمالي، وتتبقى نسبة 6% منها 5.6% للسلع والخدمات، ووفقًا للبنك الدولي فإن النسبة المخصصة للرواتب تشير إلى عدم كفاءة الإنفاق، مشيرًا إلى أن البلدان عالية الأداء لا يؤدي الإنفاق على رواتب العاملين إلى مزاحمة عمليات الإنفاق الأخرى على التعليم، وذلك فضلًا عن أن مصر أعلى من عدة دول في الإنفاق على رواتب أعضاء هيئة التدريس.

زيادة اسمية

على الرغم من أن المخصصات المالية للتعليم قبل الجامعي ازدادت بشكل ملحوظ خلال السنوات العشر الماضية، إلا أن المخرجات النهائية للتعليم أدنى من المستوى المطلوب، والذي تحاول وزارة التربية والتعليم الوصول إليه من خلال تطبيق خطط الإصلاح المختلفة، حيث يواجه زيادة الإنفاق ارتفاعا كبيرا في عدد السكان، وكذلك ضعف نواتج التعلم، والعديد من التحديات التي تؤدي إلى نتائج ضعيفة وغير ملموسة.

في نهاية عام 2023، أصدرت وزارة المالية بيانًا، تنفي فيه تراجع الاستحقاقات الدستورية الخاصة بالإنفاق على الصحة والتعليم، وأكدت أن المخصصات المالية لقطاع التعليم قبل الجامعي زادت بنسبة 24.3%؛ لتصل إلى 591.9 مليار جنيه مقارنة بـ 476.1 مليار جنيه في 2022 /2023.

فيما أصدر المركز المصري للدراسات الاقتصادية، توضيحًا حول المخصصات المالية لقطاع التعليم، أكد فيه أن وزارة المالية تقوم بتوسيع مفهوم الإنفاق على التعليم، ليشمل ما تم إنفاقه على أي أنشطة تعليمية من قبل جميع الوزارات والمصالح التابعة لها والهيئات العامة، سواء كانت خدمية أو اقتصادية أو أي مراكز علمية أو بحثية حكومية، بالإضافة إلى إنفاق شركات القطاع العام وقطاع الأعمال.

وأوضح المركز، أن مخصصات التعليم شهدت بالفعل زيادة في موازنة 2023 /2024، ولكنها زيادة اسمية فقط وليست حقيقية، حيث ارتفع الإنفاق الاسمي على التعليم من 193.7 مليار جنيه إلى 229.9 مليار جنيه، ما بين 2021 /2022 و2023 /2024، بنسبة نمو قدرها 19%، بينما الإنفاق الحقيقي ارتفع من 108.6 مليار جنيه إلى 108.9 مليار جنيه في نفس الفترة بنسبة نمو 0.3% فقط، موضحًا أن الزيادة في قيم الإنفاق الحكومي على التعليم زيادة غير فعلية، وتنخفض هذه القيم المعلنة عند استبعاد العناصر ذات العلاقة غير المباشرة.

وفي دراسة بعنوان «تقييم سياسات الإنفاق على التعليم قبل الجامعي في مصر بالمقارنة مع سنغافورة وماليزيا خلال الفترة 2011- 2016»، أكد الدكتور أحمد الدقن، أستاذ بقسم الإدارة العامة بكلية السادات للعلوم الإدارية، أنه على الرغم من تزايد الإنفاق على التعليم خلال هذه الفترة، إلا أن هناك تراجعًا، في مستوى وجودة التعليم قبل الجامعي، وذلك على عكس ماليزيا وسنغافورة، وذلك مع النظر إلى أن هذين البلدين كانتا محتلتين حتى عام 1963.

الدراسة أشارت، إلى أن انخفاض الإنفاق على التعليم أدى إلى عدم تحقيق جودة العملية التعليمية، فضلًا عن عدم إتاحة فرص متكافئة للجميع في التعليم، وكذلك تراجع جودة إدارة المدارس المصرية؛ لتقترب من الضعيفة مقارنة مع ماليزيا وسنغافورة، وأرجع الباحث إلى أن استمرار حشو المناهج والاعتماد على الحفظ والتلقين، بالإضافة إلى ارتفاع الإنفاق الأسرى على التعليم والدروس الخصوصية من أبرز الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج في جودة التعليم.

وفقًا للبنك الدولي، فإن إجمالي إنفاق الرواتب لكل طالب، يزيد من المرحلة الابتدائية وصولًا إلى المرحلة الثانوية، خاصة التعليم الثانوي الفني، وأنه من غير الشائع أن تختلف وحدة الإنفاق بين مراحل التعليم.