مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية القادمة في مصر، وكنتيجة طبيعية للعزلة التي تعاني منها النخب السياسية المدنية والديموقراطية؛ بسبب الحصار الذي تضربه السلطة الحاكمة حول تلك النخب، سواء بالقانون أو بالبطش الأمني الذي يحول بينهم وبين إمكانيات التواصل المباشر مع المواطنين المصريين؛ لطرح رؤاهم وبرامجهم التي تتضمن سياسات بديلة لتلك التي تطبقها السلطة القائمة، ومع غياب السبيل الوحيد للتغيير والإصلاح السياسي والمؤسسي بالطرق السلمية والديموقراطية الذي يفترض أن يكون عبر صناديق الاقتراع. 

تعاود قوى المعارضة السياسية المدنية طرح سؤال جدوى المشاركة في الانتخابات، طالما أن فرص وإمكانيات تغيير واقع الاستبداد والتسلط السلطوي ضعيفة جداً، بل تكاد تكون منعدمة في ظل المناخ والبيئة السياسية الغير مواتية، والتي تحول دون إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة، بل ومعلومة النتائج بشكل مسبق، حيث يرى قسم كبير من تلك النخب (المعزولة)، أن المشاركة في هذه الحالة تضفي نوعا من الشرعية المزيفة على الانتخابات، وتكسبها قدر من المصداقية غير المستحقة في أعين الجماهير.

على الجانب الآخر، يسود الاعتقاد لدى الكثيرين من المهمومين بالشأن العام، بأن قوى المعارضة المدنية تكرر نفس الخطأ، عندما تعيد طرح سؤال جدوى المشاركة في الانتخابات، وتتناوله كل مرة بنفس الطريقة، حيث تستهلك جزءا ليس بالقليل من طاقتها المحدودة أصلاً، ووقتها في مناقشة السؤال الخطأ. فالمشاركة كمفهوم ومبدأ أساسي من مبادئ العمل الديموقراطي، هي أمر غير قابل للنقاش والمراجعة طول الوقت، حيث لا معنى لوجود قوى سياسية، لا تشارك في كافة التفاصيل المتعلقة بالشأن العام، فالقوى السياسية التي لا تتوجه إلى الجماهير، ولا تتفاعل مع الناس، ولا تقوم بعمليات التوعية والحشد والتعبئة من أجل كسب الأنصار والمؤيدين لها ولرؤيتها ولبرامجها، ولا تضع السعي للمشاركة في الحكم كهدف، هي قوى سياسية غير فاعلة وغير مؤثرة في الواقع، ولا يمكنها إثراء الحياة السياسية، ناهيك عن المشاركة الجادة في تغيير حياة الناس للأفضل، وعليه فان السؤال الصحيح في هذه الحالة يجب ألا يتطرق إلى المشاركة من حيث المبدأ، وإنما يكون الأصوب هو تعديل صياغة السؤال؛ ليصبح كيف نشارك؟ وأي الأساليب والطرق أفضل للمشاركة؟ وما هي المبادئ الحاكمة للمشاركة الجادة والفعالة؟

فالمشاركة لها أشكال عديدة وأساليب متنوعة، ولكنها دائما وفي جميع الأحوال، تفترض التواصل الدائم مع الناس وإشراكهم في اتخاذ القرار المتعلق بطرق وأساليب المشاركة في العمليات الانتخابية المختلفة؛ لكي تصبح مشاركة فاعلة وقادرة على التأثير وتغيير المسارات، وصناعة أخرى بديلة أكثر نجاعة، وقدرة على تحقيق مصالح المواطنين. 

وبهذا المعنى، فإن مفهوم المشاركة هو مفهوم أصيل لا غنى عنه لأي قوى سياسية مدنية، مهما كانت توجهاتها أو رؤاها الفكرية والأيديولوجية، طالما هي قوى ديموقراطية تسعى إلى الإصلاح والتغيير، وتؤمن بالتبادل السلمي للسلطة، الأمر الذي يتطلب العمل مع الناس وبالناس، أي يتطلب عمل أوسع توعية للجمهور برؤية الحزب أو التجمع السياسي المعين، وحشد أوسع قطاعات من الشعب لتبني تلك الرؤى لعمل التغيير المطلوب في السياسات والتوجهات القائمة، والتي يراد تغييرها وإحلال سياسات بديلة عنها، يُعتقد أنها الأفضل والأصلح للبلد.

في هذا السياق، وباعتبار أن الانتخابات هي الآلية الأساسية المعتمدة ديموقراطياً؛ لأداء وظيفة التغيير في النظم الديموقراطية، فاذا ما غابت، أو لم يتاح استخدامها بالصورة التي تضمن حدوث عملية تبادل السلطة بالشكل الذي يضمن إمكانية تحقيق فكرة، أن الشعب هو مصدر السلطات، في هذه الحالة تفقد تلك الآلية معناها، ويفتح الباب لاحتمالية استخدام آليات أخرى للتغيير بعضها ديموقراطي، والبعض الآخر ليس كذلك، بل ربما يذهب إلى إمكانية حدوث الفوضى والاضطرابات، ويسمح باستخدام العنف. 

والجدير بالذكر هنا، أن البديل عن المشاركة الشعبية الواسعة لعمل التغيير وتبادل السلطة بالطرق الديموقراطية السلمية الآمنة، هو قيام جماعات صغيرة ومحدودة، ولكنها متنفذة ولديها بعض من عناصر القوة، بالانقلاب على السلطة، وأعتقد أننا بعيدون عن ذلك المفهوم، ولا نرغب فيه ولا نسعى إليه.

وعليه، فبدون المشاركة الشعبية الواسعة، وبدون حشد وتعبئة وتنظيم الناس سلمياً، لا يمكن الحديث عن التغيير الآمن، ولا عن تبادل سلمي للسلطة وإحلال رؤى وقوى سياسية محل تلك التي تحكم وتدير البلاد لفترة محددة.

بهذا المعنى، فإن المشاركة في الانتخابات هي حق دستوري ومبدأ أصيل من مبادئ وأسس العمل الديموقراطي، ترشحاً وانتخاباً، وهي بهذا المعنى أيضاً، واجب وطني للتأكيد على قيمة ومبدأ، أن الشعب هو صاحب الحق الوحيد في اختيار ممثليه في الهيئات والمؤسسات المختلفة المعنية بإدارة شؤون البلاد تشريعاً وتنفيذاً وإقامة للعدل وتنظيما لشؤون الناس، وهو ما يجب أن يعيه الجميع، حكاماً قبل المحكومين.

وإذا كان هناك من سؤال بهذا الصدد فالأكيد، أنه لن يكون حول مبدأ المشاركة ذاتها، وإنما سيكون حول الضوابط والشروط الواجب توافرها للانتخابات؛ لكي تحقق الغرض من إجرائها، وحول المبادئ والأسس الحاكمة للمشاركة، وبالتالي حول أشكال وأنواع المشاركة، وهو ما سوف نناقشه بالتفصيل في المقال القادم.