لا تزال أزمات شركة الحديد والصلب المصرية، التي تأسست عام 1954، مُستمرة رغم وضعها تحت التصفية؛ بسبب إعادة تقييم أصول الشركة، دون حساب أصولها من الأراضي التي تبلغ مساحتها 8.4 ملايين متر مربع.

وقال مساهمون بالشركة، إن ملف الأراضي وراء عدم تصفية الشركة في المدة المقررة لها والتي كان يفترض أن تكون سنتين، وتم مدها أكثر من مرة؛ لتصل للسنة الخامسة، ما يضر بالمال العام، ويضيع حقوق المساهمين بها وفرص جذب المستثمرين الأجانب.

كانت الجمعية العامة لشركة الحديد والصلب قررت في 11 يناير 2021 تصفية الشركة، و فصل نشاط التعدين عن الشركة الأم في كيان جديد، على أن يكون المركز المالي للشركة في 31 ديسمبر 2020 أساسًا للتصفية، وهو ما لم يتم فتقرر مد التصفية أكثر من مرة.

خطأ محاسبي “جسيم”

وقال رأفت جابر، محاسب مالي وضريبي، أن إدراج الأصول بقيمتها السوقية نقطة فاصلة بالنسبة لقيمة الشركة، فرئيس الجمعية العمومية الأخيرة للشركة، علل عدم إدراج أراضي الشركة بقيمتها السوقية، بأنها غير معروضة للبيع في الوقت الحالي، ورفض تحمل مصاريف وأتعاب المقيِّمين.

وأعتبر رأفت أن القرار ” خطأ محاسبي جسيم”، وطالب المساهمين بإرسال شكوى للجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة المالية، خاصة أن تقييم الأصول مُلزم لكافة الشركات ومنها الشركات المستمرة في نشاطها، سواء كان في خططها بيع أصولها أم لا، مضيفا أن هذا المعيار الملزم هدفه معروف، وفى صالح كافة الأطراف سواء الشركة أو المساهمين والحكومة، وليست هناك رفاهية اختيار تطبيق المعيار من عدمه.

وكشف حساب تصفية شركة الحديد والصلب المصرية، عن النصف الأول من 2024، عن تسجيل إجمالي مبيعات التصفية في النصف الأول 1.1 مليار جنيه، بينما تجاوز فائض التصفية بعد المصروفات مليار جنيه.

وبلغ صافي الأصول غير المتداولة في 30 يونيو الماضي 457 مليون جنيه، بانخفاض 374 مليون عن تاريخ بدء التصفية في 31 مايو 2021، بينما بلغت مديونية كبار الموردين في 30 يونيو 2024، 5.9 مليارات جنيه، و إجمالي الأرصدة المدينة للعملاء في 30 يونيو 2024 قيمة 398 مليون جنيه، بخلاف مستحقات القابضة للصناعات المعدنية والبالغة 1.5 مليار جنيه.

محفظة الأراضي.. جدل التقييم

يوجد نوعان لتقييم الأراضي، أولهما بالقيمة الدفترية، والثاني بالقيمة السوقية، والذي يعكس بشكل أفضل القيمة الحقيقية للشركة، بينما تستخدم القيمة الدفترية التكلفة التاريخية، ولا تعكس التغيرات في قيمة الأصول “الأراضي” بمرور الوقت.

وكشفت مذكرة بحثية لشركة تايكون للأوراق المالية في 23 أكتوبر الماضي، الفارق الكبير بين القيمة الدفترية والسوقية بالنسبة لشركة الحديد والصلب المصرية، حيث القيمة الدفترية لأراضي الحديد والصلب المصرية 87.9 مليون جنيه، بينما القيمة السوقية للأراضي، تقدر بحوالي 116.9 مليار جنيه، لأنها واقعة في مناطق جيدة بالقاهرة، وقالت المذكرة، إن شركة الحديد والصلب المصرية هي الأوفر حظا؛ في حال تقييم الأراضي بالقيمة السوقية.

أزمة تصل لـ”النواب”: إهدار للمال العام

وتعقد اللجنة الاقتصادية، قريبًا جلسة استماع لمتابعة أوضاع التصفية، وقالت الدكتورة غادة علي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، إن هناك تراخ في إعادة تقييم أصول شركة الحديد والصلب المصرية، بالقيمة السوقية العادلة، رغم أنها قيد التصفية منذ أربعة سنوات من قبل الشركة القابضة للصناعات المعدنية، والتي تعد “المساهم الرئيسي” بها، و رغم سياسة الدولة وتوجيهات القيادة السياسية في الوقت الحالي بتعظيم أصول الدولة وتطبيق معيار إعادة تقييم الأصول وفقاً للقيمة السوقية.

تمتلك الشركة القابضة النسبة الأكبر من أسهم الحديد والصلب المصرية بنسبة 82.6% موزعة بين شركة الصناعات المعدنية التي تملك 805.7 ملايين سهم بنسبة 82.4%، بينما تملك شركة النصر للتعدين 1.2 مليون سهم بنسبة 0.12% من الأسهم، في حين يبلغ إجمالي الأسهم حرة التداول في أيدي المساهمين 169.6 مليون سهم بنسبة 17.2%، وتوجد أسهم مرهونة بنحو 7250 سهما، وأسهم مُجمدة 20.7 ألف سهم.

وكانت النائبة غادة على قدمت اقتراحا برغبة لمجلس النواب لإعادة تقييم أصول الشركات بالقيمة السوقية العادلة ووافق المجلس عليه، وأصدر توصية في فبراير 2023، واعتبرت التوصية، أن التقييم السوقي له أثر إيجابي على أسعار أسهم الشركات بالبورصة، خاصة مع إقدام الدولة على طرح الأصول تنفيذا لوثيقة ملكية الدولة، كما وافق مجلس الوزراء على ذلك، ونشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 مايو 2023.

طالبت النائبة بالتحقيق في أسباب فشل الشركة القابضة إنهاء ملف تصفية الشركة في المدة المقررة بسنتين، ومد التصفية أكثر من مرة، لتصل للسنة الخامسة، معتبرة إن ذلك يندرج تحت بند إهدار للمال العام، وتكبيد الشركة تكاليف، قد تفوق الخسائر التي كانت تحققها، وهي قيد التشغيل، كما يضر حقوق الأقلية من حاملي السهم، ويسيء لسمعة سوق المال “البورصة المصرية”، وبالتالي يضيع على الدولة فرص جذب المستثمرين الأجانب.

جدل التقييم في الجمعية العمومية

مع رفض رئيس الجمعية العمومية تقييم الأصول، ما دام لا توجد نية لبيعها، ورفضه تحمل تكلفة الاستعانة بمكتب للتقنيين، أبدى المساهمون رغبتهم في تحمل التكلفة؛ حفاظًا على المال العام وحماية لاستثماراتهم التي تصل طبقًا لسعر السهم على شاشة التداول بالبورصة لأكثر من ٦ مليارات جنيه.

طالب الجهاز المركزي للمحاسبات الشركة في تقاريره بجرد جميع ممتلكات الشركة قيد التصفية، والذي لم يتم على مدى 4 سنوات، إضافة إلى طلب حصر للأراضي المملوكة للشركة وتضارب الإفصاحات بشأن الأراضي.

أضافت النائبة غادة علي، أن المُصفيّ هشام نظمي، قام أثناء توليه فترة التصفية بحصر ما مساحته 14.5 مليون متر مربع من أراضي الشركة، إلا أن الشركة في آخر إفصاح لها للبورصة، لم ترسل إلا أراض مُقَيمة بالقيمة الدفترية، وهي قيمة زهيدة مقارنة بقيمتها السوقية الآن.