في خطوة تهدف حسب الإعلان عنها إلى معالجة آثار الحرب الدائرة في السودان وضمان استقرار العملة الوطنية، أعلن بنك السودان المركزي هذا الشهر، عن طرح عملة نقدية جديدة من فئة الألف جنيه، مع سحب فئات الألف والخمسمائة جنيه القديمة تدريجيًا.

يأتي القرار في إطار مسؤوليات البنك لحماية العملة الوطنية، وتحقيق استقرار سعر صرفها، وتحفيز الاقتصاد السوداني الذي يعاني من تداعيات الحرب، بما في ذلك عمليات النهب الواسعة التي تعرضت لها مقار البنك المركزي ومطابع العملة.

هذا التغيير النقدي، الذي يترافق مع تدابير لتحسين السيولة وتسهيل وصول المواطنين إلى الخدمات المصرفية، يهدف إلى تقليل الآثار السلبية الناتجة عن انتشار العملة غير الموثوقة، ويعكس محاولة البنك السيطرة على التضخم والحفاظ على استقرار الأسعار، في وقت يشهد فيه السودان حالة انقسام عسكري وسياسي حاد.

بعد قرار البنك المركزي، توقفت أسواق السودان الحدودية مع دولة جنوب السودان وتشاد عن قبول العملة السودانية الجديدة، ورفض تجار هذه المناطق التعامل بالعملة الجديدة؛ بسبب عدم وضوح مصير العملة القديمة، مما يشير إلى أن هذا القرار قد يعزز احتمالات التشرذم الاقتصادي بين المناطق التي تسيطر عليها قوات مختلفة.

 وقال (ك. م)، وهو تاجر، إن الأوضاع الأمنية تجعل من الصعب نقل العملة الجديدة إلى مناطقنا، وأضاف: البنوك هنا تفتح أبوابها بشكل متقطع، ونواجه صعوبة في الحصول على النقود.

 هذه الإفادة تعكس التحديات الكبيرة التي تواجه المواطن السوداني في المناطق المتأثرة بالنزاع، حيث لا تقتصر المشكلة على فشل النظام المصرفي في توفير العملة، بل تمتد إلى صعوبة وصول المواطنين إلى خدمات مالية أساسية، كما أن هناك احتمالين لتداعيات هذا القرار على أرض الواقع.

الأول: هو أن تقوم قوات الدعم السريع بطباعة نفس العملة وبنفس المواصفات؛ لتجنب شح السيولة في مناطق سيطرتها، وهو ما قد يؤدي لتضارب في السياسات النقدية واختلال التوازن النقدي، مما يفاقم حالة التضخم الجامح، ويودي بالعملة السودانية نحو مزيد من الضعف.

الثاني: أن تقوم بإصدار عملة جديدة مغايرة لتلك التي أصدرتها الحكومة، مما يؤدي إلى ظهور عملتين مختلفتين، تعبران عن اقتصادين منفصلين.

وهذا يهدد بتقسيم البلاد؛ لأن العملة الوطنية تعد أحد مرتكزات السيادة الوطنية، ولا يمكن أن تكون هناك عملتان وطنيتان في دولة واحدة.

التداعيات على حقوق المواطن.. مفاقمة المعاناة

“تغيير العملة لن يؤدي إلى حصار قوات الدعم السريع اقتصاديًا، كما يعتقد البعض، بل سيحاصر المواطنين العاديين الذين فقدوا مدخراتهم منذ بداية الحرب”، على حد قول حسن عبد الباقي، التاجر من ولاية نهر النيل.

ويضيف: “العملة الجديدة وصلت إلى الأسواق، ولكن المعاملات الاقتصادية لا تزال تواجه صعوبة؛ بسبب قلة التوافر”.

وتكشف شهادات مواطنين عن تزايد في الطلب على الدولار كبديل للعملة السودانية. مما يعكس واقعًا اقتصاديًا صعبًا، حيث لا تقتصر الصعوبات على وصول العملة الجديدة، بل تشمل أيضًا عجزا في توافرها في الأسواق.

توقيت قرار تغيير العملة في ظل الحرب الراهنة، يعكس تباينًا كبيرًا في الاستراتيجيات الاقتصادية بين الأطراف المختلفة.

 الصحفي أبو بكر الصندلي، علّق قائلاً: “توقيت تغيير العملة في ظل الحرب بحجة حماية العملة الوطنية غير عقلاني، هذا القرار لم يأخذ بعين الاعتبار الوضع الأمني والسياسي الراهن، وكان من الأفضل تغيير العملة بشكل يعكس قيمة أكبر، ويشمل تخفيض الأصفار لمكافحة التضخم”.

 قرار تغيير العملة في هذا الوقت الحساس الذي يعاني فيه السودان من أزمات اقتصادية واجتماعية وصراعات عسكرية متصاعدة، ورغم أن الهدف منه حماية العملة الوطنية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، إلا أن تداعياته السلبية على حقوق المواطن السوداني ووحدة البلاد باتت واضحة.

ويظل الحل في اتخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الوضع السياسي والأمني في البلاد، لضمان ألا يتحول القرار إلى عامل تحفيز لمزيد من التشرذم والانقسام والمعاناة.