مقدمة: في 21 أكتوبر 2024، تحطمت طائرة إليوشن إيل 76، وهي طائرة شحن عسكرية روسية الصنع، في منطقة المالحة بشمال دارفور، مما أسفر عن مقتل خمسة أفراد، كانوا على متنها. وقع الحادث في وقت حساس للغاية في الصراع القائم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مما يثير تساؤلات حول الاستخدام العسكري للطائرات في نقل الإمدادات وتعزيز العمليات القتالية. وقد أثارت الحادثة موجة من التكهنات والادعاءات المتناقضة حول أسباب سقوط الطائرة، في ظل تداخل تحركات سياسية وعسكرية مع الأدلة الميدانية.
تحليل الحادث وظروفه الفنية:
تم العثور على حطام الطائرة في منطقة نائية، حيث أظهرت الصور آثار احتراق واضحة على أجزاء من الطائرة، مما يشير إلى حدوث ضرر جسيم.
كما أظهرت صور أخرى، أن الأجزاء الرئيسية للطائرة كانت مدمرة بالكامل.
في هذا السياق، قال (د.ع)، أحد مواطني منطقة المالحة، إن هناك عدة طائرات مشابهة، كانت تحلق في المنطقة من فترة إلى أخرى، دون أن تقوم بأي عمليات قصف أو هجوم عسكري، مما يشير إلى احتمال حدوث عطل فني، أدى إلى فقدان السيطرة على الطائرة. في المقابل، أظهرت تقارير الطيران، أن الطائرة قد خرجت من الخدمة لفترة قصيرة بعد عملية صيانة سابقة، ما يثير شكوكًا حول كفاءة الصيانة والتشغيل.
رواية قوات الدعم السريع والفرضيات البديلة:
في الأيام التي تلت الحادث، قدمت قوات الدعم السريع رواية مفادها، أن الطائرة كانت في مهمة هجومية ضد مواقع عسكرية تابعة لهم، وأضافوا أنها كانت تستهدف المدنيين. وفقًا لهذه الرواية، تم استهداف الطائرة من قبل قوات الدعم السريع أثناء محاولتها الهجوم عليهم، مما أدى إلى إسقاطها. وتم تداول هذا الادعاء في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، مدعية أن الطائرة كانت تنفذ مهمات قصف جوي ضد مواقع تابعة لهم.
ومع ذلك، نشأت فرضية بديلة، تشير إلى أن الطائرة كانت تُستخدم في إمداد قوات الدعم السريع بالإمدادات العسكرية واللوجستية، مثل الأسلحة والمعدات، مما يعني أن الطائرة قد تكون كانت في مهمة دعم خلفية بدلاً من أن تكون جزءًا من عملية هجومية مباشرة. هذا التفسير يواجه مقاومة من قبل قوات الدعم السريع، التي سعت إلى ترويج، أن الطائرة كانت متورطة في الهجوم عليهم. إضافة إلى ذلك، هناك تقارير من بعض الشهود المحليين الذين أكدوا، أنهم رأوا الطائرة تحلق على ارتفاع منخفض قبل سقوطها، مما قد يشير، إلى أنها كانت في مهمة استكشاف أو نقل، وليس هجومًا.
على الرغم من هذه الادعاءات، لا يوجد دليل حاسم حتى الآن، يثبت أيًا من الفرضيتين بشكل قاطع. وفي هذا السياق، أضاف (د.ع) أنه لأول مرة يتم تصوير حطام طائرة بهذا التركيز من قبل قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى استعراض صورة لبطاقة الطيار وجوازه دون آثار حريق، في حين أن الصور تظهر أن الطائرة دُمرت بالكامل. هذا يساهم في دعم فرضية، أن لقوات الدعم السريع علاقة سابقة بالطائرة وطاقمها، في محاولة منهم لإبعاد التهم الموجهة إليهم بشأن الحصول على إمدادات عسكرية خارجية، واستخدام هذا الحادث لتوجيه التهم إلى الجيش السوداني؛ بغية تضليل الرأي العام. بالإضافة إلى ذلك ظهور أبرز قادة قوات الدعم السريع الذين يقاتلون في الفاشر في مقاطع الفيديو، فمن غير المبرر ظهور هذا العدد من القادة في موقع محدد إلا بفرضية تلقي الإمداد العسكري .
تفاصيل إضافية حول الطائرة والوثائق المرتبطة بها:
أظهرت الوثائق التي تم العثور عليها في موقع الحادث بعض التفاصيل الجديدة التي تعزز فرضية، أن الطائرة كانت تعمل في السودان. تُظهر بطاقة هوية أحد الطيارين المسجلين اسم “فيكتور جرانوف”، ويبدو أنه مرتبط بشركة تُعرف باسم “شركة النقل الجوي”، وهي كيان مسجل في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. تحتوي بطاقة الهوية أيضًا على شعار مطار ماناس الدولي في قيرغيزستان. ووفقًا لوكالة الأنباء القيرغيزية، أوضح مطار ماناس الدولي في بيان صحفي، أن بطاقة الهوية التي يُزعم العثور عليها في موقع الحادث، لا تخص أيًا من موظفيه.
بالإضافة إلى ذلك، ظهر في أحد مقاطع الفيديو، مقاتل من قوات الدعم السريع، وهو يعاين الحطام، ويحمل زجاجة ماء، تحمل علامة “مياه أوسكا” التجارية، وهي علامة تجارية سعودية، تُباع عادةً في الإمارات. كما أظهر فيديو آخر أوراق نقدية سودانية ممزقة من فئة 500 جنيه سوداني. وبينما زعمت قوات الدعم السريع وحلفاؤها، أن التدخل الأجنبي ربما لعب دورًا في الحادث، تشير هذه الوثائق إلى احتمال، أن الطائرة كانت تعمل في السودان في مهمة ذات علاقة بالصراع.
حطام طائرة إيل أخرى في غرب كردفان:
اضاف (د.ع) قبل حوالي أسبوعين من حادث تحطم الطائرة في المالحة، وتحديدًا في 8 أكتوبر 2024، تم العثور على حطام طائرة أخرى مشابهة من طراز إليوشن إيل 76 في ولاية غرب كردفان. هذا الحادث، الذي وقع في مناطق قريبة من موقع الحادث في المالحة، يضيف مزيدًا من الغموض حول استخدام هذا النوع من الطائرات في العمليات العسكرية في السودان. الحوادث المتعددة لطيارات من نفس الطراز في فترة زمنية قصيرة، قد تشير إلى وجود رابط ما بين الحوادث أو أساليب عسكرية موحدة في استخدام هذه الطائرات.
التداعيات القانونية والاجتماعية:
إن الحادثة تثير تساؤلات قانونية هامة حول استخدام الطائرات في الصراع المسلح في السودان، بما في ذلك الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي الإنساني. إذا كانت الطائرة تُستخدم في نقل الإمدادات العسكرية أو المساعدات التي قد تُستغل في دعم العمليات الحربية، فإن ذلك يُعد انتهاكًا لاتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف الطائرات المدنية أو استخدام الطائرات في مناطق العمليات العسكرية، دون موافقة واضحة من الأطراف المتنازعة.
من الناحية الاقتصادية، يُحتمل أن تؤدي هذه الحادثة إلى تعطيل خطط الإمداد المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، خاصة في مناطق النزاع مثل شمال دارفور. كما يمكن أن تتسبب في تزايد صعوبة الوصول إلى المناطق المتأثرة بالنزاع، مما يزيد من معاناة المدنيين. وتأثر حركة الطائرات واللوجستيات الدولية، قد يؤثر بشكل مباشر على الأسواق المحلية التي تعتمد على تدفق السلع.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن الحادث يزيد من معاناة السكان المحليين الذين يعانون من النزاع المستمر، حيث تُسهم هذه الحوادث في تصعيد التوتر الاجتماعي في المجتمعات المتأثرة. قد يؤدي هذا إلى انعدام الثقة بين الأطراف المختلفة في النزاع، وكذلك بين المدنيين والجهات العسكرية المتنازعة.
تُعتبر حادثة تحطم طائرة إليوشن إيل 76 في المالحة من الحوادث التي تتداخل فيها الأبعاد العسكرية والسياسية، ما يعقد مهمة التحقيق فيها. إن ضمان محاسبة جميع الأطراف المتورطة يتطلب الشفافية وتعاون جميع الجهات المعنية، سواء كانت محلية أو دولية، من أجل تقديم العدالة للضحايا وحماية حقوق الإنسان في السودان.