هل يمكن أن تنجح الشركات المملوكة للدولة؟.. يطرح ذلك السؤال نفسه بقوة، بعدما استطاعت 126 شركة حكومية، تصدر قائمة أكبر 500 شركة عالميًا من حيث الإيرادات محققة 12 تريليون دولار العام الماضي.
بحسب إحصائية جديدة، نشرها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، فإن الشركات المملوكة للدول تعتبر لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي، فالقيمة السوقية لها تعادل 11.7 تريليون دولار، كما كانت تلك الشركات لاعبا أساسيا في التوظيف خلال الفترة من (2020 ـ 2023) بإجمالي موظفين، يبلغ 21 مليون شخص.
بلغ إجمالي أصول الشركات الحكومية نحو 53.5 تريليون دولار، بينما تحتل الشركات التي يزيد عدد مالكي القطاع العام فيها عن 25% نحو 12% من القيمة السوقية الإجمالية عالميًا، وتعادل 2037 شركة.
أكبر الشركات المملوكة للدول عالميًا
في 2023، كان البنك الصناعي والتجاري الصيني أكبر الشركات الحكومية العالمية، من حيث إجمالي الأصول والإيرادات بـ 5.1 تريليونات دولار، يليه بنك البناء الصيني بـ 4.3 تريليونات، والبنك الزراعي الصيني بـ 4.2 تريليونات دولار.
لكن توجد في القائمة أيضًا شركات منتمية لدول تتبنى اقتصاد السوق مثل “فريدي ماك”، وهي مؤسسة فيدرالية لرهن المنازل بأمريكا بـقيمة 2.6 تريليون دولار، وشركة كهرباء فرنسا، أكبر منتج ومزود للكهرباء بالعالم، التي حققت إيرادات 360 مليون دولار في 2023 ، وكذلك شركة تأمين الودائع الفيدرالية الأمريكية “إف دي أي سي” بـ 120 مليون دولار بذات العام.
وتوجد 75 شركة مملوكة للدولة في الصين من أكبر 500 شركة بالعالم، بعد وضع قواعد لضمان نجاحها أولها كفاءة الإدارة وتوفير التمويل لتطوير تكنولوجيا الإنتاج والتحديث المستمر للآلات لضمان إنتاج جيد.
رغم تبني الصين توجهًا اقتصاديًا مرنًا، إلا أن الشركات الحكومة، رغم أنها لا تزيد عن 5% من إجمالي الشركات، لكنها تساهم بـ 20% من الناتج المحلى، وتمثل 40% من أصول القطاع الصناعي، وتحصل على 50% من القروض التي توفرها البنوك المحلية، باعتبارها تساهم في الضرائب بنسبة 30%.
ما وضع الشركات الحكومية؟
في قائمة “فوربس” لأفضل 50 شركة مصرية، لم تأت سوى 3 شركات حكومية فقط هي، شركة مصر للألومنيوم، التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، بالمركز الـ 18 بالقائمة بقيمة سوقية 818 مليون دولار.
جاءت شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير التابعة للشركة القابضة للتشييد والتعمير، بالمركز الـ 20 بقيمة سوقية 259 مليون دولار، بينما احتلت شركة الصناعات الكيماوية “كيما” المركز الـ 38 بالقائمة، بقيمة 182 مليون دولار.
استطاعت شركات القطاع العام تحقيق أرباح بحدود الـ 15.5 مليار جنيه في 2023 بمعدل زيادة 100%، مقارنة بالعام السابق 2022 بعد ضخ الدولة استثمارات فيها بقيمة 310 مليارات جنيه؛ بهدف توطين الصناعة، خاصة الصناعات الاستراتيجية في الأدوية والصناعات المعدنية والغزل والنسيج والصناعات الكيماوية.
لكن رغم تنوع الأنشطة التي يعمل بها قطاع الأعمال العام بمصر، إلا أن عددا كبيرا منها يعاني الخسائر، وغير قادر على سداد الالتزامات والديون، فضًلا عن ارتفاع الأعباء؛ بسبب مستحقات الغاز والكهرباء اللازمين لإتمام العمليات التشغيلية لمصانع القطاع.
الحكومة تفكر في الخاص لا العام
تضع الحكومة القدر الأكبر من تركيزها حاليا على كيفية دعم القطاع الخاص، بدلاً من القطاع العام حاليًا، ووضعت وثيقة لملكية الدولة عن اتجاه الحكومة للتخلص تمامًا من جميع استثماراتها وملكياتها في نحو 79 نشاطًا في القطاعات المختلفة، ومشاركة القطاع الخاص في 45 قطاعا والإبقاء على 27 قطاعا وزيادة الاستثمار به.
وتعد مشكلة تسعير الطاقة من أهم التحديات التي تواجه شركات قطاع الأعمال العام، حيث إنها تعمل على زيادة تكلفة عوامل الإنتاج، وانخفاض القدرة التنافسية لمنتجاتها، وعدم صيانة الأجهزة والمعدات، ما تسبب في انخفاض القدرة التشغيلية للمصانع والشركات.
بحسب دراسة حديثة، فإن بعض الشركات الحكومية تعاني سوء استغلال للموارد فيها، وضعف الرقابة على الإدارات، والعجز عن التسويق الجيد للمنتجات؛ ما يؤدي لتراكم المنتج تام الصنع.
يلخص توماس شينستون، خبير اقتصادي، مشكلة القطاع العام في الدول بشكل عام، ومنها مصر، في القضاء على الكفاءات في المراحل المتوسطة، بجانب مشكلة في اتخاذ القرارات بشأن الاستثمار، فالحكومة هي التي يجب أن تقرر التحركات واستراتيجيات الاستثمار الإجمالية للاقتصاد، وعادة ما تكون مفتقدة للفعالية.
واتهم النائب محمد زين الدين، عضو مجلس النواب، في طلب إحاطة، أخيرًا، الحكومات السابقة والحالية، بأنها وراء نزيف الخسائر المستمرة داخل عدد كبير من شركات قطاع الأعمال العام، مضيفا أن تلك الحكومات عجزت عن استغلال جميع أصولها؛ لتسديد ما عليها من مديونيات والاستفادة من تلك الأصول بالوقت نفسه، لا سيما بعدما تحولت أغلب المصانع إلى أراضي داخل الكتل السكنية وبأسعار فلكية.
يوجد نوع من التضارب في تقييم أصول 226 شركة قطاع أعمال بمصر وجدال حول التقييم بالقيمة الدفترية أم السوقية، مثلما حدث في الجمعية العمومية لشركة الحديد والصلب الأخير، ويذهب بعض الخبراء، إلى أن حجم أصول قطاع الأعمال بمصر تصل إلى 5 تريليونات جنيه.
أضاف النائب، أن الأراضي والأصول غير المستغلة داخل جميع الشركات التابعة لقطاع الاعمال العام تسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني، وسداد ديون الشركات الخاسرة التابعة لهذا القطاع وتحويلها لشركات رابحة.
وفقًا للنائب، فإن الحكومة ارتكبت أخطاءً فادحةً في جميع القرارات التي اتخذتها لتصفية عدد من شركات قطاع الأعمال، مشيرًا إلى أن سوء الإدارة داخل هذه الشركات هو السبب الرئيسي في الخسائر، مضيفاً: “كانت الحكومة تلجأ إلى الحل الأسهل لتصفية الشركات الخاسرة”.