كتبت- إيمان رشدي
انتقل “أحمد حمدي” المصري القادم من محافظة الإسكندرية، من مخبأ تابع لإحدى عصابات التهريب، ليتسلمه آخرون، كان من المفترض أن يساعدوه في التنقل داخل ليبيا، والاختباء حتى يحين موعد المركب الذي سيقله لإيطاليا.
لكنه فوجئ بالمجموعة الجديدة، تحتجزه هو ومرافقو رحلته، وتعذبهم ــ حتى أن ثلاثة منهم ماتوا تحت وطأة التعذيب مطالبة كل منهم بدفع مبلغ ثلاثين ألف دينار ليبي كفدية.
عانى أحمد طويلا، قبل أن تتمكن السلطات الليبية من تحريره، ورغم ذلك يمكن اعتباره أكثر حظاً، ليس فقط من زملاء الرحلة الذين قضوا تحت التعذيب، ولكنه أيضاً محظوظ أكثر من 12 مصرياً آخر، غرقوا قبالة سواحل طبرق، كانوا على متن قارب متجه إلى إيطاليا، بشكل غير شرعي.
كانوا في رحلة يعلمون، أنها قد تكون مميتة، لكنه أمل أو حلم، البحث عن الرزق، باعتباره الدافع الأول، وربما الوحيد، الذي قد يدفع إنسانا لترك عائلته، وقريته، ووطنه، وركوب الموج حتى لو كان الموت احتمالا قائماً.
سبق هؤلاء الـ 12، مئات المهاجرين غير الشرعيين، ضبطتهم السلطات الليبية، ورحلتهم إلى مصر، كان من بينهم 25 طفلا مصريا، تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاما.
هؤلاء الأطفال سددت أسرهم مبالغ، تتراوح بين 100 إلى 130 ألف جنيه، لعناصر ليبية ومصرية مقابل تسفيرهم للعمل في إيطاليا.
ويقتضي الاتفاق، أن يصل هؤلاء إلى ليبيا قبل أيام من موعد السفر المقرر، لكن هذه الأيام قد تمتد حتى 3 أشهر، قبل أن يستقلوا القارب التابع لعصابات الهجرة غير الشرعية.
تحتل مصر ترتيبا متقدماً في عمليات الهجرة غير الشرعية، والتي تزايدت، بعد أن أصبحت الحدود الغربية خطا جديدا للهجرة غير الشرعية عبر سواحل ليبيا.
المئات يغرقون كل عام، وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا في قوارب صغيرة غير آمنة وغير مهيأة للسفر في البحر مسافات طويلة، تنقلب غالبًا بهم، إضافة لإساءة المعاملة من قبل سماسرة الهجرة.
كل هذه المخاطر، لم تكن كافية لردع من يحاول الهجرة غير الشرعية، فــي ظــل تفاقم تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية، وعــدم قــدرة الاقتصــاد علــى خلــق طلــب كاف؛ لاستيعاب قــوة العمــل، ما عزز حلم الفرصة البديلة خارج الوطن، وإن كان محفوفا بالمخاطر.
أشار المسح الذي أجرته شبكة “البارومتر العربي” في تقريرها حول نوايا ودوافع الهجرة في البلدان العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى أن الصعوبات الاقتصادية مثلت الدافع الأكبر للهجرة في مصر بنسبة 97%.
بينما جاءت إحصاءات منظمة الهجرة الدولية ووكالة الحدود الأوروبية، أن الجنسية المصرية في السنوات الثلاث الأخيرة أصبحت أحد أكثر الجنسيات التي تصل الاتحاد الأوروبي بطريقة غير نظامية، عبر أخطر مسار للهجرة وهو ليبيا.
وحسب إحصاءات المنظمة الدولية للهجرة، لقي 962 مهاجرا حتفهم، واختفى 1563 مهاجرا، قبالة سواحل ليبيا، خلال العام الماضي.
أرقام تتضاعف.. اقتصاد متدن وتعليم غير جيد
في عام 2021، بلغ عدد المهاجرين المصريين غير الشرعيين، ما يقرب من 9000 مهاجر، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد وارتفاع التضخم، تضاعف العدد لأكثر من الضعف، فوصل في 2022 إلى ما يقرب من 22000، وفقًا لبيانات من مصفوفة تتبع النزوح تابعة للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
وأشار تقرير وزارة الداخلية إلى أعداد المهاجرين- قصر وكبار، ممن وصلوا إلى السواحل الإيطالية، خلال ٢٠٢٤، بلغ 16090 مهاجرا غير شرعي.
تحتل مصر المرتبة الثانية، مــن حيث أعداد المهاجرين غير النظاميين من خلال الطريـق البحري عبر البحر المتوسـط والبري إلى أوروبا، ولا سيما إلـى اليونان ومالطا وإيطاليا، وذلك ما كشفته دراسة حديثة، نشرها المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية – دراية-.
آلاف يبحثون عـن فرصـة عمـل، فــي ظــل اقتصاد متدن مــن ناحيــة، وانخفــاض المهــارات وجــودة التعليـم مـن ناحيـة أخـرى، كل ذلك دفع العديـد مـن الشـباب إلـى مسـارات الهجـرة غيـر النظاميـة؛ بحثـاً عـن فـرص عمـل لائقـة، أو حتى لا تليق بمستوى كفاءتهم.
جريمة مربحة
الهجرة غير الشرعية جريمة، تشكل تجارة مربحة، تقوم بها مجموعات من المهربين وفي الوقت نفسه، هي فرصة للهاربين لتحقيق آمالهم.
منظمة الهجرة الدولية صنفت المهاجر غير الشرعي، باعتباره “المهاجر الذي لا تتوافر لديه الوثائق اللازمة والمنصوص عليها، بموجب لوائح الهجرة من أجل الدخول، والإقامة، والعمل في دولة ما”.
الضحايا المُجرَمون
من وجهة نظر الدولة المستقبلة، تمثل الهجرة غير الشرعية الدخول أو الإقامة أو العمل بصورة غير قانونية في البلاد، بينما من وجهة نظر الدولة المرسِلة تنطوي على مخالفة اللوائح والقوانين بعبور المهاجر الحدود الدولية، دون جواز سفر صالح أو وثائق سفر أو غير مستوفي الشروط الإدارية لمغادرة البلاد، بما يشكل جريمة ضد الدولة.
في حين أن تهريب المهاجرين، والذي تقوم به مجموعة من السماسرة لأغراض كسب المال، يشكل جريمة ضد الدولة المرسلة والمستقبلة، وفي حالات نادرة، قد تتحول قضية تهريب المهاجرين إلى قضية إتجار بالبشر.
ويحدث هذا، عندما يتم احتجاز المهاجريين في ظروف لا إنسانية، تشبه الاستعباد إلى جانب الاختطاف وطلب الفدية من العائلة في أية مرحلة من مراحل العملية، كما في حالة أحمد حمدي السابق ذكرها.
بما أن المهاجرين غير النظاميين وافقوا من البداية على مشروع التهريب، ويرجع هذا في الغالب إلى الافتقار إلى طرق الهجرة النظامية، فهل يعتبرون ضحايا بشكل مطلق؟
غالبًا ما يضع المهربون، المهاجرين في مواقف خطيرة كعبور البحر المحفوف بالمخاطر، والركوب على متن قوارب هشة، لا تصلح للعبور، وقد يصبحون بالتالي ضحايا لجرائم أخرى أثناء عملية التهريب، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة.
تعديلات قانونية
الهجرة غير الشرعية كظاهرة لا يمكن القضاء عليها بشكل نهائي، أو مطلق، ولكن يمكن الحد منها بشكل كبير من خلال مجموعة من الخطوات الاستباقية المنظمة.
جاء القانون رقم 22 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية لردع ومعاقبة سماسرة وتجار الهجرة غير الشرعية من خلال إجراءات وعقوبات مشددة.
نصت المادة 6 من القانون، على أن يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة، لا تقل عن مائتي ألف جنيه، ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه، أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع- أيهما أكبر- كل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها أو توسط في ذلك.
كما نص القانون، على أن تكــون العقوبة هي السجن المشـــدد، مــدة لا تقــل عن خمس سـنــوات، وغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، أو غرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع- أيهما أكبر- في حالات تأسيس الجماعات المهربة للمهاجرين، أو اتصفت الجريمة بالطابع الوطني، وأيضا في حالات المهاجر المهرب امرأة أو طفلاً أو من عديمي الأهلية، أو من ذوي الإعاقة..”
التعديلات وحدها لا تكفي
تعديلات القانون السابقة هل تكفي بمفردها للقضاء على الهجرة غير النظامية؟
يقول نور خليل- المدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر– إن عمليات صياغة التشريع وتعديلاته جاءت معتمدة بشكل كبير على الحلول الأمنية، دون توفير حماية حقيقية للمهاجرين غير النظاميين.
ويضيف: “كما أن القانون لا يفرض التزامًا واضحًا بتنفيذ عمليات بحث وإنقاذ، رغم العديد من البلاغات حول اختفاء أشخاص مصريين وغير مصريين على الحدود البرية والبحرية”.
ياسر فراج المحامي والباحث في شؤون اللاجئين قال، إن معالجة الهجرة غير الشرعية هي عملية مركبة ما بين النصوص القانونية والتوعية المجتمعية، من خلال إجراء حوار مجتمعي في القري والأماكن التي يتم منها هجرة الشباب، وبالأخص محافظتي- أسيوط والمنيا- هم الأعلى في السنوات الأخيرة في معدلات الهجرة غير شرعية.
وأشار أن مهما كانت العقوبة مغلظة؛ فلن تكون كافية لردع تلك الحالات، فقد شاهد بنفسه العديد من الحالات التي رهنت مصوغات ذهبية، وباعت أرضها الزراعية لتوفير أموال سماسرة السفر.
كما أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالهجرة غير الشرعية تصف المهاجر غير الشرعي، بأنه “ضحية”.
آليات الاتحاد الأوروبي لمواجهة الازمة
أبرم الاتحاد الأوروبي عدة اتفاقيات، تتعلق بإعادة أي شخص دخل إلى أراضي أي دولة أمن دول الاتحاد “تشمل إيطاليا بالطبع”، بطريقة غير قانونية، وتبنت دول الاتحاد الأوروبي سياسة التعاون المشترك مع دول شمال إفريقيا، عبر إبرام اتفاقيات ثنائية وأخرى جماعية، من بينها اتفاقية شراكة استراتيجية مع مصر، وقعت منذ عدة أشهر، تتضمن التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، وعليها تم تخصيص 200 مليون يورو لإدارة ملف الهجرة.
وبحسب المفوضية الأوروبية تمت الموافقةـ حتى الآن، على ميزانية قدرها 171 مليون يورو لإدارة ملف الهجرة، ودعم مصر في إدارة الحدود ومكافحة الإتجار بالبشر والتهريب، وتشجيع العودة الطوعية للمهاجرين، إضافة لتولي الاتحاد الأوروبي زيادة توفير الاحتياجات المصرية اللازمة في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية.
الهجرة الآمنة
لا يكمن الحل في سد منافذ الهجرة مطلقا أو وضع تدابير أمنية وقانونية، تكرس المزيد من العقوبات، ولكن يمكن زيادة منافذ الهجرة النظامية، والتنسيق بين الجهات الحكومية المعنية للترويج لفرص العمل المتاحة للشباب في الدول التي يرغبون في الهجرة إليها.
وكذا العمل على عقد المزيد من الاتفاقيات بين الدول المصدٍرة للعمالة، وتلك التي تحتاج لعمالة موسمية، بما يحقق أقصى استفادة من ظاهرة الهجرة لكل من الطرفين.
وفي السادس من سبتمبر 2023، التقى سفير مصر في أثينا بوزير الهجرة اليوناني؛ لبحث تنفيذ اتفاق بين البلدين، لإرسال 5 آلاف عامل زراعي مصري للعمل في المزارع اليونانية، وأكد الطرفان على أهمية الاتفاق.
نماذج لمهاجرين غير شرعيين فقدوا حياتهم أثناء الهجرة
السنة | الواقعة |
إبريل 2020 | انتشال 7 جثث لمصريين بشاطئ مدينة السلوم، تعرضوا للغرق خلال عملية هجرة غير شرعية |
ديسمبر 2020 | وفاة 6 مصريين من قرية منية الحيط بالفيوم غرقا قرب سواحل السلوم خلال الهجرة غير الشرعية |
أغسطس 2021 | غرق مركب أمام سواحل ليبيا يقل نحو 70 مصريا، توفي منهم 20، من بينهم 11 من إحدى قرى المنصورة |
يوليو 2021 | فقدان 43 شخصا، بينهم مصريون بعد غرق مركب، كان يقل 127 مهاجر انطلق من السواحل الليبية |
مارس 2022 | غرق مركب هجرة غير شرعية على متنه 20 مصريا و3 سوريين قبالة شاطئ رأس بياض بالقرب من مدينة طبرق شرقي ليبيا |
يناير 2022 | وفاة سبعة مهاجرين قبالة سواحل جزيرة لامبيدوزا بإيطاليا؛ نتيجة انخفاض درجة حرارة أجسامهم خلال رحلة بحرية تنقل 280 مهاجرا غير شرعي معظمهم من مصر وبنجلاديش |
يونيو 2023 | غرق مركب هجرة غير شرعية قبالة السواحل اليونانية، على متنه المئات من المهاجرين غير الشرعيين من جنسيات مختلفة، بينهم مصريون |
أكتوبر 2024 | انقلب قارب يحمل 13 مهاجرًا غير شرعيا مصريًا في طريقهم إلى أوروبا قبالة سواحل ليبيا، ما أدى إلى مصرع جميع من كانوا على متنه باستثناء شخصا واحدا |