قرار رفع أسماء ٧١٦ مواطنا مصريا من قوائم الإرهاب قرار إيجابي تأخر كثيرا، خاصة أن القائمة ضمت في غالبيتها الساحقة أسماء لشخصيات، لم يكن لها علاقة بالإرهاب أو بالتحريض عليه، ومع ذلك وضِعت في القائمة لسنوات طويلة.

وجاء رفع هذه الأسماء من قوائم الإرهاب بتوجيه رئاسي للنيابة العامة، حيث جاء في البيان الرسمي، أن “الرئيس أكد حرصه على أبنائه وفتح صفحة جديدة لهم للانخراط في المجتمع مواطنين صالحين، يحافظون على بلدهم، ويعيشون في أمان على أرضها”. 

وكانت غرفة المشورة بمحكمة جنايات القاهرة أصدرت قرارا برفع أسماء ٧١٦ شخصا من قوائم الكيانات الإرهابية، وذلك على ضوء الطلب المقدم من النيابة العامة، بعدما تبين توقف هؤلاء الأشخاص عن أنشطتهم غير المشروعة، وفي إطار “توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بمراجعة المواقف القانونية للمتهمين سواء المحبوسين، أو المدرجين على قوائم، تجاوبا مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان، وتحقيقا للعدالة الناجزة”.

صحيح أن هذا التوجه المفاجئ لم يسبقه أي خطاب سياسي، يوجه إلي الرأي العام حول أبعاد هذه الخطوة، خاصة أن هناك من يعتبر أن بعض الأسماء، ولو القليلة في هذه القوائم تمثل خطرا على البلاد، وحرضت على العنف، ومع ذلك ظلت غالبية الناس غير مهتمة بالقوائم وبأسماء من فيها، لأنه أصبح لديها قناعة، أن الحكم الحالي هو المسئول الأساسي عن الأزمة الاقتصادية والسياسية وعن تراجع دور مصر الخارجي، كما أنه هو الذي وضع قيودا على الأحزاب المدنية، وحتى على القوى التي شاركت في ٣٠ يونيو، ودعمت تدخل الجيش في ٣ يوليو، وجدت نفسها خارج المجال السياسي المقيد.

والحقيقة، أن الموافقة على مبدأ تصحيح كل الأخطاء التي حدثت بحق أبرياء أو معارضين أو منتمين لتنظيمات سياسية أو عقائدية، رفضت ترتيبات ٣ يوليو، ولكنهم لم يرتكبوا أي عنف أو إرهاب أمر مطلوب، لأن الإرهاب الذي طال كل ربوع مصر انكسر منذ سنوات، وباتت المخاطر والتحديات الحقيقة راجعه لسوء الأداء والتدهور الاقتصادي والفساد وغياب المشاركة السياسية، وهي كلها أخطار يجب مواجهتها بسياسات جديدة وإصلاح جراحي حقيقي، دون البحث عن شماعات الماضي أو تبريرات تلقي على آخرين في الداخل والخارج مسئولية أزمات ليس لهم علاقة بها.

ومن هنا، فإن التأكيد على أن رفع المظالم عن كل من لم يتورط في عنف أو إرهاب، توجه إيجابي مطلوب تعزيزه، كما أن طي صفحة الماضي، وإجراء مصالحة مجتمعية مع كل تائب أو مراجع لأفكاره المتطرفة أمر مطلوب، لأنه حدث في كل المجتمعات وكل التجارب التي أرادت تبني مستقبلا زاهرا لأبنائها، وتضع بلادها على طريق التنمية والتقدم.

إن هذا “الدمج المجتمعي” للجميع أمر طبيعي وحق لكل مواطن مصري، لم يرتكب جرما أو ارتكبه، وحوسب أمام القضاء، في أن يجد عملا كريما وحياة لائقة أما “الدمج السياسي” فهو أمر مختلف تماما بصرف النظر عن طبيعة المسار السياسي الحالي.

من المهم التمييز بين رفع المظالم عن كل الذين تعرضوا لحبس احتياطي أو اتهموا بإرهاب، لم يرتكبوه، مهما كان انتماؤهم السياسي والعقائدي، وبين شروط قبولهم كتيار أو تنظيم سياسي شرعي.

ويصبح السؤال، ما العمل مع جماعة الإخوان في حال شهدت مصر عملية تحول ديموقراطي؟ وهل التوافق على رفع أي مظالم وقعت على أفراد منهم يعني قبول الجماعة، التنظيم في المعادلة السياسية وإعادة تقنين وضعها مرة أخرى؟  

الحقيقة، إن جانبا من معضلة النقاش حول المصالحة مع جماعة الإخوان، أنه يخلط بين مصالحة مقبولة مع أفراد، أو رفع مظالم عن أفراد أيضا، لم يقوموا بأفعال عنيفة أو إرهابية أو يحرضون عليها، وبين الموقف من صيغة الجماعة نفسها، والتي تظل إشكاليتها مختلفة تماما عن مسألة التصالح مع الأفراد.

إن أزمة جماعة الإخوان المسلمين ليست فقط أو أساسا في ممارسات خاطئة، ارتكبتها ولا في خطايا قادتها، إنما أساس في صيغتها وبنيتها التنظيمية القائمة على وجود جماعة دينية عقائدية تدخل المجال السياسي بشروطها كجماعة دينية وليس بشروط الحزب السياسي المدني، وهي الصيغة التي تحمل في ذاتها فشل حتمي للإخوان؛ لأنها صيغة فريدة حملت جوانب قوة، ولكن هذه الجوانب كانت أيضا عوامل الأزمة والفشل.

لقد استغلت جماعة الإخوان ظروف ما بعد ثورة يناير من انفتاح سياسي وفوضى، وأسست حزبا سياسيا أسمته “الحرية والعدالة”، كان مجرد ذراع للجماعة الدينية التي ربت أعضاءها على رفض الأحزاب ومبادئ الدولة المدنية الحديثة، حتى لو قال بعض قادتها العكس، لأن من شروط بناء الدولة المدنية الحديثة هو تداول السلطة بين أحزاب وقوى مدنية، وليس مع جماعة دينية مشروعها الحقيقي هو التمكين من السلطة، وليس تداول السلطة واحترام قواعد الديموقراطية ودولة القانون.

معركة مصر الحقيقية لن تكون مع رفع ٧١٦ اسما من قوائم الإرهاب بعضهم انتمى لجماعة الإخوان المسلمين، ولا في مصالحة مع أفراد أخطأوا، أو في إعادة الاعتبار لآخرين ظُلموا، إنما في صيغة جماعة الإخوان المسلمين التنظيمية نفسها، فلا يجب تكرار ما جرى في الماضي، ويسمح لعودة جماعة دينية للمجال السياسي بشروط هذه الجماعة الدينية وفكرها وعقيدتها، إنما يجب أن يقتصر نشاط أي جماعة دينية على العمل الدعوي فقط، ويحظر تحت أي ظرف وبكل الطرق الدستورية والقانونية دخولها المجال السياسي؛ لأن ذلك سيعيدنا إلى مربع الفشل الأول الذي لم تغادره البلاد منذ تأسيس صيغة جماعة الإخوان المسلمين عام ١٩٢٨.