المقدمة

منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان في إبريل 2023، تتبنى قوات الدعم السريع استراتيجية النهب كوسيلة أساسية لتمويل عملياتها العسكرية فالنهب هو دافع أساسي للقوات وليس نتيجة كما يروج البعض وبناء عليه يتم تجنيد المقاتلين مستخدمين دوافع عرقية وقبلية وسياسية وتعتمد تبريراتهم على أن جميع الممتلكات المنهوبة هي تابعة للنظام السابق (دواعي التطهير) وهو يعرف محليا بنظام (الكيزان) وأنها استحقاقاتهم التاريخية ونتيجة للظلم التاريخي الواقع عليهم كمجتمعات في غرب السودان.

ولكن في الحقيقة منذ اندلاع الحرب في الخرطوم جردت قوات الدعم السريع جميع المنازل والأسواق والمقتنيات الخاصة بالمدنيين. هذه الجريمة الواسعة شملت جميع المناطق التي اجتاحتها هذه القوات، وعلى الرغم من النفي المتكرر لحميدتي قائد قوات الدعم السريع علاقة قواته بما يسمى (الشفشافة)، وهو لفظ محلي يستخدم للإشارة إلى الناهبين والسارقين، إلا أن حديث عدد من ضباطه حول استحقاقهم واستحلالهم أموال السودانيين، بدا عاديا بالنسبة لهم فبالرجوع إلى تاريخ حميدتي نفسه، ومعظم جنوده والمليشيات التي انضمت إليه، فان الشغل الرئيسي لهم هو نهب القوافل واجتياح القرى، وسرقتها وبالتالي فان دافع هذه المليشيات يبدو أقوى من دافع أفراد الجيش النظامي؛ نظرا لواقع الحال والظروف.

من خلال ما سبق، يعتبر النهب رابط أساسي لجميع الانتهاكات الواسعة التي وقعت في حرب السودان، ما بين الدوافع والنتائج وامتدادات تأثيرها على الوضع الإقليمي والدولي والمسار المعقد جدا الذي ستسلكه أي عمليات سياسية أو اجتماعية أو قضائية في المستقبل. هذا التقرير يسعى إلى تقديم تحليل شامل لآليات النهب واستخدام المرتزقة من قبل هذه القوات، إضافة إلى تداعيات هذه الممارسات على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في السودان، مع التركيز على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تطال المدنيين في مناطق النزاع.

النهب كأداة تمويلية في النزاع

في سياق النزاع الحالي، أصبح النهب سمة رئيسية في سلوك قوات الدعم السريع. فبالإضافة إلى الاعتماد على القنوات التقليدية للتمويل، لجأت هذه القوات إلى استهداف الموارد المحلية، بما في ذلك الأسواق والمرافق المالية والمرافق الحكومية. تشكل هذه العمليات جزءًا من استراتيجية أوسع لتمويل الحرب، حيث يتم توجيه الأموال الناتجة عن النهب نحو شراء الأسلحة وتمويل عمليات أخرى مثل التموين الحربي، ودفع أموال المقاتلين وشراء المواقف والتحييد، وهو توظيف هذه الأموال المنهوبة في استقطاب القبائل و المجتمعات المحلية للدفع بأبنائها للقتال إلى جانب الدعم السريعـ، مما يمكن هذه القوات من الحفاظ على استمرارية نشاطاتها العسكرية.

هذه الممارسات لم تقتصر على المدن الكبرى، بل شملت أيضًا القرى النائية التي تعاني من هشاشة اقتصادية، ما جعل السكان في هذه المناطق أكثر عرضة للاستغلال. من أبرز الأمثلة على هذه الانتهاكات، هو الهجوم الواسع على مقار البنك السودان المركزي فرع مدينة ود مدني وجميع أفرع البنوك في العاصمة، حيث تم نهب كميات ضخمة من الأموال والموارد.

يروي (عوض الله) وهو بائع رصيد “أي كروت تعبئة المحمول بالرصيد ” في سوق ليبيا أحد أكبر الأسواق في العاصمة، أنه في الأسبوع الأول للحرب هاجمت قوة من الدعم السريع 6 أفرع لبنوك تجارية واقعة داخل سوق ليبيا، وهي البنك الفرنسي، والمزارع التجاري، والبنك الاسلامي، وبنك تنمية الصادرات، وبنك البلد، وبنك التضامن الإسلامي، وهي فروع تحتوي على كتلة نقدية ضخمة، استخدمت القوة الرصاص والمدافع الثنائية لفتح خزائن البنوك، وأضاف أنه جرى قتل 3 أفراد من القوة؛ نتيجة ارتداد الرصاص من خزن البنوك، وعند انتهاء العملية ونقل الأموال عبر عرباتهم العسكرية، فيما قام قادة القوة بتفريغ كم هائل من النقود على المواطنين الذين تجمعوا بالقرب من مكان الحادثة، واستمرت هذه الفوضى ليومين داخل السوق؛ لتأتي قوات الدعم السريع في اليوم الثالث، الكلام ما زال لعوض الله، لتلبس ثوب العفاف، وتدعي حمايتها السوق، وتنصب ارتكازات داخله.

هذه قصة واحدة فقط من ملايين القصص في السودان، توضح أسلوب الدعم السريع المتبع في ارتكاب الجرائم، وإنكاره وادعاء حماية حقوق الشعب السوداني، هذا النمط أدى إلى انهيار النظام المالي في البلاد. وفي إطار هذا الانهيار، أعلن بنك السودان المركزي في 9 نوفمبر 2024 عن إصدار عملة نقدية جديدة من فئة الألف جنيه، بهدف سحب الفئات القديمة وتخفيض تأثير تدهور العملة على الاقتصاد المحلي.

تجنيد المرتزقة واستخدامهم في النزاع

لمواجهة تحديات النقص في القوى البشرية، لجأت قوات الدعم السريع إلى تجنيد المرتزقة من دول مجاورة. يتم جذب هؤلاء المرتزقة بعروض مالية مغرية، كما يتم تحفيزهم على الانخراط في عمليات النهب كوسيلة لاستمرارهم في القتال. هذه الظاهرة تعكس أبعادًا أعمق للغزو المستمر للموارد البشرية والمادية في الحرب، حيث يصبح المرتزق جزءًا من دائرة استنزاف، لا تنتهي من الموارد والنفوذ.

التجنيد القسري من قبل قوات الدعم السريع لعدد من المدنيين، بما في ذلك الأطفال والشباب، يعد أيضًا عنصرًا آخر، يعمق تعقيد الأزمة الإنسانية في السودان. حيث يتعرض هؤلاء المدنيون إلى ضغوط متزايدة، الأمر الذي يهدد مستقبلهم الاجتماعي والاقتصادي، بينما يعمق من تفشي العنف في المناطق المتأثرة. ويروي (عبد العظيم رحمة) أحد مواطني مدينة بحري، أنه منذ اندلاع الحرب لم يستطع الفرار، أو مفارقة منزله لعدم وجود أقارب يذهب إليهم، ولا يحتمل تكلفة الانتقال للعيش في مكان آخر سوى المنزل الذي ورثه، وأضاف أنه في ديسمبر الماضي عرض أحد أفراد الدعم السريع الذي يجاوره في السكن بعد استيلاء عليه عقب فرار مالك المنزل، عرض عليه العمل في الدعم السريع مقابل راتب شهري، يقدر بـ 400 آلاف جنيه، ما يتجاوز راتب ضابط برتبة وسطى داخل الجيش، وقال: اضطررت للقبول والانخراط مع الدعم السريع لحماية نفسي وأسرتي وتوفير لقمة عيش من الجوع، وأضاف انتقلت إلى معسكر تدريب في منطقة شمبات المعروف بالمظلات، وقضيت 45 يوما في التدريب بجانب عدد من أبناء المنطقة، وآخرين من مناطق مختلفة وبمجرد انقضاء مدة التدريب، تم توزيعنا في ارتكازات داخل الأحياء. وبسؤال عبد العظيم عن مدى رضائه عما حدث، أجاب أنه لا يمكنه التخلي عن العمل، وإلا تعرض للموت، خاصة بعد انشقاق اللواء كيكل “قائد بقوات الدعم السريع انشق عنها”، هذا الحدث آثار موجه عنف، وشكوك كثيرة حول المنضمين حديثا إلى الدعم السريع، خاصة غير المنتمين لقبائل الرزيقات، والبقارة والِمسيرية، والحَمر، وهذا نموذج واحد من بين مئات الحالات التي تواجه التجنيد القسري.

استغلال الموارد العامة للدولة

تستمر قوات الدعم السريع في فرض سيطرتها على العديد من الموارد الطبيعية التي تعتبر مصدرًا حيويًا لتمويل الحرب. على سبيل المثال، في مصفاة الجيلي، تم الكشف عن قيام قوات الدعم السريع بالتحكم في توزيع الجازولين مقال سابق، وهو مورد حيوي في السودان. وقد أفاد أحد العمال في المصفاة، بأن قوات الدعم السريع تقوم بتوجيه الجازولين إلى مناطق تحت سيطرتها، حيث يتم بيعه بأسعار مرتفعة لدعم الأنشطة الزراعية التي تمولها القوات، مما يساهم في استمرار تمويل العمليات العسكرية.

في تطور آخر، أبرمت حكومة جنوب السودان اتفاقًا مع قوات الدعم السريع؛ لحماية جزء من خط أنابيب النفط الممتد من جنوب السودان إلى ميناء بورتسودان. هذا الاتفاق يضمن تدفق النفط الخام بسلاسة، ما يعزز قدرة قوات الدعم السريع على تمويل حربها في الوقت الذي يواصل فيه الاقتصاد السوداني الانحدار.

التداعيات السياسية والاقتصادية

إن استمرار قوات الدعم السريع في استخدام النهب كأداة تمويلية يعزز قدرتها على التوسع العسكري، والاحتفاظ بالسيطرة على المزيد من الأراضي السودانية. وهذا يسهم في تعزيز مكانتها السياسية والعسكرية، ويُصعب إيجاد حلول سلمية للنزاع، إذ تصبح هذه القوات قوة مؤثرة في موازين القوى الداخلية والخارجية.

من الناحية الاقتصادية، فإن النهب المستمر والاعتماد على الموارد المحلية يسهم في تعميق أزمة العملة والاقتصاد السوداني الذي يعاني من الركود والتدهور. إن إصدار العملة الجديدة لم يكن كافيًا لتحسين الوضع الاقتصادي، حيث استمرت الأزمة في التأثير على الأسواق السودانية، مما يزيد من معاناة المدنيين. كما أن الاستيلاء على الموارد مثل النفط والذهب يسمح لقوات الدعم السريع بتمويل حربها لفترة أطول، ما يجعل إيجاد حلول اقتصادية ومالية مستدامة أمرًا بالغ الصعوبة.

من الناحية القانونية، يشكل النهب واستخدام المرتزقة انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. فهذه الأنشطة التي يتم خلالها استغلال المدنيين وتدمير الاقتصاد الوطني، تسهم في زيادة تعقيد أي محاولات للعدالة، إذ يصبح من الصعب محاسبة المسئولين على جرائمهم.

لعل ماسبق عرضه، يجيب على سؤال، لماذا يفر المدنيون من المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش؟

وتعد ظاهرة نزوح المدنيين من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع إلى تلك التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية واحدة من الظواهر الملفتة في النزاع الحالي. ولمزيد من الإيضاح والشرح يمكن التيقن من أن هذا النزوح يعود إلى عدة عوامل رئيسية:

أولها، التهديدات الأمنية؛ فالمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، تشهد تهديدات مستمرة من قبل الميليشيات، بما في ذلك الهجمات المسلحة، والنهب، واستهداف المدنيين. وبالتالي يسعى السكان إلى الهروب من هذه المخاطر إلى مناطق أكثر أمانًا تحت سيطرة الجيش.

ثانيها، النهب والإفقار اذ يعاني المدنيون في مناطق الدعم السريع من تفشي النهب المستمر للممتلكات، حيث يتم الاستيلاء على الموارد الأساسية مثل الغذاء والمال، مما يخلق ظروفًا اقتصادية قاسية. بينما في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، يعتقد السكان، أن الظروف الاقتصادية ستكون أقل صعوبة، حتى وإن استمرت الحرب.

ثالثها، الاستهداف المباشر للمدنيين في مناطق الدعم السريع من قبل القوات نفسها، حيث يتم تجنيد الشباب قسرا وباستخدام العنف والتهديد به. هذا الوضع يزيد من رغبة المدنيين في الهروب إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية التي توفر لهم درجة من الأمان النسبي.

رابعها، الوعد الضمني بالحماية في معظم الحالات، إذ يُنظر إلى القوات المسلحة السودانية كعامل حماية أكبر، حيث يعتقد المدنيون، أن الجيش يمكنه تقديم حماية أفضل من العنف والنهب المنتشر في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع.