كتب- سمير عثمان

بعد أن تعددت في الفترات الماضية حوادث الاعتداء على الأطقم الطبية والمستشفيات، والتي واكبتها في ذات الوقت حوادث الأخطاء التي يقع فيها أطباء وتتسبب في مفاقمة واستفحال حالة متلقي الخدمة الطبية والمرضى، بدلا من أن يتلقى علاجا يضمد أمراضه أو يوقف تطورها، أصبحت الحاجة ماسة لصدور قانون في هذا الشأن يجمع طرفي المعادلة.
الجانب الأول هو حماية الأطقم الطبية من الاعتداءات، وفي المقابل وضع الضوابط وضمان محاسبة الأطباء عما يقع منهم من أخطاء بحق المرضى.
ويسعى هذا التحقيق الذي أجرته “مصر 360” للإحاطة الشاملة بالقضية من زاويتيها “الأطباء والمرضى”، وذلك بتفحص مشروع القانون الذي وافقت عليه الحكومة مؤخرا، تمهيدا لعرضه على مجلس النواب لإقراه، وذلك من خلال عرض ومناقشة رؤى وآراء أطراف عديدين بهدف التوصل إلى تقييم يحقق المصلحة العامة دون تهوين أو تهويل.

فبعد أكثر من 15 عامًا من الجدل والمطالبات والاقتراحات حول قانون المسئولية الطبية، أعلن مجلس الوزراء مطلع الأسبوع الجاري، الموافقة على مشروع قانون للمسئولية الطبية لعرضه على مجلس النواب للبدء في مناقشته، وعقد جلسات استماع مع المتخصصين للوصول إلى صيغة نهائية للقانون.

الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الصحة، أكد أن “القانون” تمت الموافقة عليه بعد تلافي جميع الملاحظات التي ظهرت على مشروعات القوانين التي عرضت من قبل على مجلس النواب، مشيرًا إلى أنه تم مراجعة 18 دراسة قانونية في الجوانب المتعلقة بالمسئولية الطبية، كما تم الاطلاع على 18 نظاما قانونيا عربيا وأجنبيا؛ من أجل الوصول إلى قانون يحفظ حقوق متلقي الخدمة الطبية ومقدميها.

خلفية

على الرغم من أن مصر أول دولة في الشرق الأوسط وإفريقيا تفتتح مدرسة للطب ويمارس أبنائها مهنة الطب، إلا أن قوانينها لم تشمل قانونًا للمسئولية الطبية، وهو ما أدى سابقًا إلى وقوع عشرات حالات الاعتداءات من المرضى على الأطقم الطبية، ووصل الأمر إلى تدخل قوات الشرطة لفض منازعات داخل أروقة المستشفيات، وووصلت بعض القضايا إلى ساحات المحاكم للحكم في قضية متعلقة بخطأ طبي، وبدلًا من محاكمة الطبيب طبقًا للقانون المدني تتم معاقبته طبقًا للقانون الجنائي.

أول مشروع قانون للمسئولية الطبية، تقدم به الدكتور حمدي السيد، نقيب الأطباء الأسبق، رئيس لجنة الصحة الأسبق بمجلس الشعب “النواب حاليا”، في أواخر عام 2009، ورغم موافقة لجنة الصحة آنذاك على مشروع القانون إلا أنه شهد حالة كبيرة من الجدل بسبب تضمين المشروع مواد تجيز حبس الأطباء من سنتين حتى 5 سنوات، وهو ما لاقى اعتراضًا كبيرًا بسبب رفض نقابة الأطباء لحبس الطبيب بسبب الخطأ الطبي، وهو ما أدى إلى تعطل صدور القانون.

بعد انطلاق مجلس النواب عام 2015، عكفت نقابة الأطباء على تجهيز مشروع قانون للمسئولية الطبية، وتم عرضه على مجلس النواب عام 2016، فيما تقدم الدكتور مجدي مرشد، رئيس لجنة الصحة الأسبق بالبرلمان، رئيس حزب المؤتمر، بمشروع قانون جديد بمشاركة النائب أيمن أبوالعلا عام 2017، ووسط الاعتراضات حول مواد حبس الأطباء لم ير القانون النور خلال الدورة البرلمانية السابقة.

تجددت مطالب الأطباء بضرورة صدور قانون للمسئولية الطبية في برلمان 2020، وتقدم الدكتور أيمن أبو العلا مجددًا بمشروع قانون في عام 2021، وتجددت الاعتراضات على مشروع القانون بسبب المواد التي تجيز حبس الأطباء، فيما أرسلت نقابة الأطباء ملاحظاتها على مشروع القانون لمجلس النواب وطالبت بعقد جلسة استماع من أجل خروج القانون بصيغة تحافظ على حقوق المرضى والأطباء معًا، كما تجددت المطالب مع بدء جلسات عمل لجان الحوار الوطني، وشهدت الجلسات مناقشات موسعة حول القانون مع التأكيد على ضرورة إصداره.

الحبس مرفوض

الدكتور أبو بكر القاضي، أمين صندوق النقابة العامة للأطباء، أكد أن الهدف من قانون المسئولية الطبية هو الحفاظ على حقوق المريض والطبيب، مشيرًا إلى أن مسودة مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس الوزراء لم تصل إلى النقابة حتى الآن، ومنوهًا أنه بعد وصولها سيتم عقد اجتماعات مكثفة من أجل مناقشة مشروع القانون والوقوف على التعديلات وإبداء الملاحظات.

وتساءل القاضي، كيف يضع الأطباء المصريون قوانين المسئولية الطبية في جميع الدول العربية ويتم تطبيقها، بينما مصر التي تعد أول دولة تمارس مهنة الطب في إفريقيا لا يوجد بها قانون للمسئولية الطبية؟

أمين صندوق نقابة الأطباء، أكد لـ”مصر 360″، أن القانون يضمن للمريض العلاج في مكان مرخص وعلى أيدي أخصائيين طبقًا لمنهج علمي متعارف عليه، وهو ما يحفظ حقه بعيدًا عن الأماكن غير المرخصة والتي يمكن أن تؤدي به إلى مصير مجهول في حالة وجود خطأ طبي على أيدي غير متخصصين.

وأضاف، أن المريض في القانون يحصل على حقه كاملًا من خلال لجنة فنية مختصة تابعة لمجلس الوزراء، تكون مسئولة عن تحديد الأخطاء وحجم الضرر الذي وقع على المريض، موضحًا أن القانون يسمح للأطباء بممارسة المهنة بدون أي ضغوط نفسية قد تؤثر على عملهم، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بحبس الأطباء بسبب الأخطاء، وهو ما قد يدفع البعض إلى عدم الدخول لأي عمليات طبية كبيرة قد ينجم عنها مضاعفات، وذلك بسبب الضغط النفسي الذي يكون فيه الطبيب خلال عمله.

وتابع أمين صندوق نقابة الأطباء، أن النقابة ترفض بشكل كامل فكرة حبس الطبيب، لأن الأصل التعامل مع الأخطاء الطبية بالقانون المدني وليس الجنائي، مشددًا على أن أي قانون يخرج عن الأهداف العامة التي نسعى إليها بحصول طرفي الخدمة الطبية على حقهما، فهو غير مقبول.

الطب الدفاعي أو اللا علاج

الدكتور أبو بكر القاضي، نوه إلى أن إقرار الحبس للطبيب في مشروع القانون يزيد مما يسمى بـ”الطب الدفاعي”، وهو عدم قيام الأطقم الطبية بمهام مسئولياتها خوفًا من وقوع خطأ تكون عقوبته هي الحبس، وهو ما يؤدي إلى وجود آلاف الحالات داخل المستشفيات بدون وجود أطقم لخدمتها أو تقديم الرعاية لها، مثل طبيب التخدير الذي قد يرفض تخدير مريض يستعد لإجراء عملية جراحية، بسبب تخوفه من أن خطأ في جرعة التخدير قد يزج به في السجن، وهذا هو التخوف الذي نخشاه جميعًا برفض الأطباء علاج أي حالات قد ينتج عنها مضاعفات.

حقوق المريض

الدكتور أيمن أبو العلا، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، والذي تقدم بأكثر من مشروع قانون خلال برلمان 2015 و 2020، قال إن القانون يضم تعريفات للمسئولية الطبية والخطأ الطبي الجسيم والمتعمد، والمضاعفات التي تحدث، منوهًا أن هناك لجنة متخصصة واسعة الانتشار بحيث يستطيع مقدم الخدمة والمريض الوصول لها.

وتابع أبو العلا في تصريحات خاصة، أن هناك تأمين طبي لتغطية التعويضات التي يمكن أن تحدث، مشيرًا إلى أن ما يجرى حاليًا هو أن يصدر أمر بالحبس الاحتياطي للطبيب بسب بخطأ طبي، وبعد التحقيق تكتشف المحكمة أن ما حدث كان خطأ طبيا ومضاعفات طبيعية لا تستوجب الحبس، وإنه كان يجب التعامل بالقانون المدني، وهذه هي الإشكالية الرئيسية التي منعت خروج القانون حتى الآن.

وأكد أبو العلا، أن القانون يحفظ حقوق المريض ومقدم الخدمة، من خلال للجنة مختصة للشكاوي، وصندوق للتعويضات من خلاله يحصل المتضرر على قيمة الضرر وذلك بعد تقييم درجة الخطأ أو المضاعفات التي وقعت على متلقي الخدمة الطبية.

اليد المرتعشة

الدكتور مجدي مرشد، رئيس لجنة الصحة الأسبق بمجلس النواب، رئيس حزب المؤتمر، أكد أنه لا توجد أي دولة في العالم تقوم بحبس الطبيب في حالة المضاعفات الطبية، منوهًا أن هذا الأمر يجعل يد الطبيب مرتعشة وغير قادر على تأدية مهام عمله.

وشدد مرشد في تصريحات لـ”مصر 360″، أنه تقدم بمشروع قانون للمسئولية الطبية عام 2017، وقام بمراجعة 13 قانون من دول عربية أوروبية وآسيوية وتم ترجمتها جميعًا وعرضها على لجنة الصحة بمجلس النواب، ولكن تم تعطيل القانون من قِبل اللجنة آنذاك ولم يخرج للنور حتى الآن.

وأضاف، أنه لا يرفض فكرة الحبس ولكن أن يكون الحبس لشخص يمارس تخصص غير تخصصه، أو أن تكون المنشأة التي يمارس فيها مهنة الطب غير مرخصة أو غير مستوفي الشروط أو الطبيب نفسه غير مرخص له بمزاولة المهنة، ولكن غير ذلك لا يمكن أن يكون الحبس عقوبة بسبب مضاعفات طبية غير متعمدة، وهذا الأمر يؤدي إلى اتساع دائرة الطب الدفاعي، الذي يرفض فيه الأطباء القيام بأي خدمة طبية قد تعرضهم للحبس.

وأشار رئيس حزب المؤتمر، أن أي عملية طبية في العالم لها معايير معينة، مثل متوافقة مع المعايير العالمية والخدمة الطبية تتم في مكان مرخص له بتقديم هذه الخدمة، وجميع أفراد الطاقم الطبي مرخص لهم بمزاولة المهنة والتخصص، وبعد استيفاء هذه الشروط يتم النظر في الخطأ الذي وقع، إذا كان مخالفًا لهذه الشروط تتم معاملته بالقانون الجنائي، أما إذا كان الخطأ هو مضاعفات خارجة عن إرادة الجميع، فيتم معاملة هذه المضاعفات بالقانون المدني والتعويضات، مشددًا على أن العالم كله لا يوجد به حبس بسبب مضاعفات طبية، وذلك فضلًا عن قيام أهل المريض بضرب الطاقم الطبي وتكسير المستشفى في بعض الأحيان.

وعن اللجنة المختصة بالتعويضات وتقدير الخطأ الطبي، أكد رئيس لجنة الصحة الأسبق، أن لجنة مشكلة تسمي هيئة المسئولية الطبية تتلقى الشكاوى من متلقي الخدمة الطبية، ويتم تقدير التعويض وفقًا لجدول معين بناء عليه يتم التعويض، ثم يتم التعامل مع الحالات وفقًا لهذا الجدول، مشيرًا إلى أن يكون هناك محاميًا عن شركة التأمين والمريض من أجل التفاوض.

ورفض الدكتور مجدي حبس الطبيب احتياطيًا بأي شكل من الأشكال، إلا تلك التي تكون متعمدة أو غير مطابقة للمعايير العالمية المتبعة، منوهًا أن فكرة الحبس أحد عوامل هجرة الأطباء للخارج، وكذلك تزيد من ارتفاع حالات الطب الدفاعي، وهو ما يؤدي إلى عدم حصول المريض على حقه في العلاج أو فرصة محاولة إنقاذه.

النقاط الخلافية

إجمالا فإنه منذ بدء مناقشة قانون المسئولية الطبية، ظهرت العديد من النقاط الخلافية على بنود القانون وتمثل أبرزها كما أوضح المتحدثون هنا في: الحبس الاحتياطي أو الحبس بحكم للأطباء بسبب الأخطاء الطبية أو المضاعفات لأن الهدف هو حماية الطبيب والمريض وليس الترهيب، في حين يطالب الأطباء بتطبيق الحبس في حالة مخالفة المعايير المتفق عليها من تراخيص أو إجراءات غير قانونية، فضلًا عن البنود الخاصة بالاعتداء على الأطباء ووجوب تغليظها في حالة وقوعها.

كما شهد مشروع القانون مناقشات موسعة حول صندوق التعويضات والتأمين الإجباري، وتشكيل اللجان الفنية المتخصصة التي تنظر في الشكاوى الواردة إليها.

ووفقًا لتصريحات وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار، فقد تلافى مشروع القانون الذي تمت الموافقة عليه من جانب الحكومة، العديد من الملاحظات التي كانت محل جدل على مدار السنوات الماضية، مشددًا على أن مشروع القانون يحافظ على حق الطبيب والمريض.