برشاقة وابتسامة تعلو الوجه، تستقبل تقوى الحلواني، زبائنها في محل للجزارة في منطقة عزبة الصعايدة في إمبابة شمال الجيزة، حيث تنتشر محال الجزارة التي يعمل بها “الجنس اللطيف”.
“الحلواني” التي ورثت مهنتها أبًا عن جد، كما تقول لـ”مصر 360″، ترفض القول إن الإناث أكثر ضعفًا من الرجال “بشتغل أحسن من رجالة كثيرة”، مضيفة “أتقن مهنتي بجدارة، وتشفيه وتجويف الذبيحة وتجهيزها للزبون”.
تجهز “الحلواني”، الأم لـ5 أولاد، البضائع للزبائن بخفة واضحة في حركة يديها، بينما تمرر السكين الحاد على الذبيحة المتدلية أمامها.
يثير عمل النساء في الجزارة استغراب السيدات قبل الرجال
أغلب زبائنها من السيدات اللاتي يقصدونها من المناطق المحيطة بها، لخبرتها التي تجاوزت الـ40 عامًا، ولجودة لحومها.
المرأة والساطور
“في غش كتير في سوق اللحوم”.. تبرر “الحلواني” الإقبال الكبير عليها، وهي تشير إلى أن خبرتها في الطهي سمحت لها باختبار أفضل قطع وأنواع اللحوم “بقطع اللحمة حسب طلب الزبون”.
تعاود حديثها عن المهنة “ممكن تكون الجزارة صعبة، بس أنا ورثتها عن والدي وجدي لأمي، حيث عملت بها منذ صغري كعاملة تنظيف في البداية لحد ما تعلمت مسك السكين”.
تتذكر أيضًا أنها كانت تستغل غياب والدها عن المحل أحيانًا، وتقوم بتقطيع اللحم بنفسها وبيعه للزبائن الذين أشادوا به”.
يثير عمل النساء في الجزارة استغراب السيدات قبل الرجال.. يقف أحيانُا بعض المارة من عزبة الصعايدة، ويشيرون إلى الجزارات بتعجب “إلحقوا ست جزارة وماسكة سكينة”، ويضحكن “المرأة والساطور”.
“في الشارع أنا راجل لكن في بيتي أنثى”..”الحلواني”
تقول علا محمود، زبونة، أن أغلب النساء يقصدن جزارة الحلواني لروحها المرحة “دمها خفيف”، إضافة إلى معاملتها الجيدة “بتأخذ حتة اللحمة اللي على مزاجك”.
أنوثة في البيت
“في الشارع أنا راجل لكن في بيتي أنثى”.. تجزم “الحلواني” بأن مهنة الجزارة لم تسحب أنثوتها، مستدركة ” شغلي خلى سيدات كثيرات ينزلن للعمل”.
“هذه المهنة جزء لا يتجزأ من حياتي، اعتدت رائحة الدم التي تلتصق بيّ، ولم يعد يزعجني الأمر”.. تقول “الحلواني” قبل أن تضيف “كثيرًا ما كنت أسمع عبارات غير لائقة من بعض أعداء النجاح”.
“ليه عملت في المهنة الصعبة دي؟.. يسأل الناس “أم محمود” بعد اقتحامها الجزارة
وتؤكد عدم اكتراثها لم تسمع “الجزارة مهنتي وأعشقها، وبعد نجاحي أنوي فتح سلسلة محلات، بالشراكة مع سيدات، لتوسيع حلقة عملي”.
تختتم بقولها “ليس هناك عمل يقتصر على الرجال دون النساء اللاتي بإمكانهن النجاح في أي مجال”.
عادات وتقاليد
أم محمود، سيدة أخرى قررت العمل بالجزارة، كانت تواجه العادات والتقاليد العرفية المتحفظة والتي لا تقبل عمل المرأة في الوظائف التي يختلط بها الرجال والنساء.
فالسيدة الثلاثينية، من إحدى محافظات صعيد مصر، إلا أنّها صممت تحدي هذه العادات التي قالت إنها “عفي عليها الزمان”، لأجل مساعدتها أسرتها المكونة من 8 أفراد بعد إصابة زوجها ببتر في القدم أجبره على التقاعد.
اتخذت “أم محمود” قرارها الصعب على حد وصفها، بعدما باتت الأسرة بلا عائل “مين هيصرف على عيالي”، لاسيما وأن لديها طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأصبح مرض زوجها بالسُكري يتطلب علاجًا بمبلغ ألف جنيه شهريًا، لذا نزلت سوق الجزارة.
لا بد من التأكد قبل الشراء من وجود أختام المجازر الحكومية على جسم الذبائح
وتحكي أنها ورثت مهنتها عن أبيها، إذ كانت ترافق والدها إلى محل الجزارة، وتراقبه خلال تقطيع اللحوم وفرمها، فلم تحتاج إلى تدريب حين اقتحمت المهنة.
تذكر “أم محمود” حين نزلت بمحل الجزارة لاحظت تجمع الأهالي لالتقاط صورًا لها، وكانت تستقبل الأمر بالضحك، مما أكسبها ثقة في نفسها، وزبائن كثيرة كانت تسألها “ليه عملت في المهنة الصعبة دي؟”.. فتحكي لهم ظروفها المعيشية فسرعان ما تكسب احترام الجميع.
أوضحت أنها لم تتلق أي نوعًا من التعليم، مشيرةً في الوقت ذاته كان هدفي طول الوقت العمل بالجزارة، وتعطل حلمي لسنوات طويلة، وبمرور الوقت أصبح محلها هو الأشهر في منطقة إمبابة، بعدما كانت مهنة الجزارة حكرًا على الرجال.
نصائح لشراء اللحوم
وتقول “أم محمود” إنها في غضون عام واحد استطاعت التفوق على كل السوق، وتعرض ضعف اللحوم التي يعرضها أقرانها من الرجال، نظرًا للإقبال الكبير عليها.
تضيف: أن الجزارة تحتاج لمجهود شاق، والاستيقاظ مبكرًا من الـ6 صباحًا، لنحر الذبائح من خراف وعجول داخل السلخانة، ونقل اللحوم للمحل، كما تتطلب مهنة الجزارة شخصية قوية، فضلاً عن تركيز عال خلال استخدام الساطور والسكاكين خلال تقطيع اللحوم.
تأثرت الجزارة بعد أزمة كورونا، وعيد الأضحى لم يعوض الخسائر
وتبدي نصائحها عند شراء اللحوم، فتقول أنه لا بد من التأكد قبل الشراء من وجود أختام المجازر الحكومية على جسم الذبائح، كذلك اللحوم الجيدة ذات طراوة وليونة عند الملمس بلون أحمر فاتح، لأن اللحوم الداكنة اللون تشير إلى كبر عمر الذبيحة، وهو ما يطلق عليه في السوق “لحمة عجوز” وهي تتسبب عادة في عسر الهضم.
ولفتت إلى أن وجود نقط نزيف في أنسجة اللحوم يشير إلى عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي وفسادها جراء مرض قد تعرضت له الذبيحة.
أما أمل سيد، صاحبة محل السعادة للجزارة، فتؤكد أنها حديثة العمل بالمهنة، ووجدت إقبالاً كبيرًا عليها، لكن الأسواق مؤخرًا تأثرت بقوة بعد أزمة فيروس كورونا، ولم يعوضهم موسم عيد الأضحى الماضي عن الخسائر التي تكبدوها منذ تفشي الفيروس في مارس الماضي.