تجهز الحكومة والبنك المركزي، المصرف المتحد للطرح للبورصة المصرية، منذ سنوات، لكنها اختارت في الوقت ذاته موعدًا غير ملائم للطرح، بحسب محللين، إذ تزامنت عملية الطرح مع أداء باهت للسوق، وتخفيف المحافظ الاستثمارية للأجانب.
بدأ التداول على سهم المصرف المتحد الثلاثاء الماضي، في أول سهم تطرحه الحكومة خلال عقدين، لكن البورصة استقبلته بخسائر لرأسمالها السوقي بنحو 27 مليار جنيه، مع تراجع شبه جماعي لقطاع البنوك، لم ينجُ منه يومها إلا البنك التجاري الدولي، قبل أن تُقلص خسائرها بشكل طفيف “الأربعاء”؛ لتبلغ خسائر رأس المال السوقي خلال يومين 21 مليار جنيه.
رغم الرهان على تفضيل المستثمرين الأجانب أسهم الطروحات الجديدة؛ أملاً في ارتفاع أسهمها، اتجهت تعاملاتهم في اليوم الأول لطرح المصرف المتحد نحو البيع بقيمة، بلغت 4.856 مليارات جنيه للعرب و3.070 مليارات جنيه للأجانب.
التوقيت
يقول المحلل المالي نادي عزام، إن توقيت طرح المصرف المتحد غير ملائم في شهر ديسمبر المعروف عنه أنه يشهد خمولاً في الأسواق العالمية، مع تفضيل المستثمرين الأجانب تخفيف محافظهم الاستثمارية قبل موسم الكريسماس والأعياد والعودة للشراء مجددا بعد انتهاء الإجازة.
كان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، قد أعلن أكثر من مرة، أن ما يحكم عملية طرح الشركات في البورصة هو ظروف سوق المال بصفة عامة، كما أن الطروحات تتم بدعم من بنوك استثمار متخصصة، تقدم للدولة استشارات فنية حول اختيار التوقيت المناسب لعملية الطرح.
أضاف عزام، أن سهم المصرف المتحد سجل في أول يوم للتعامل ارتفاعًا بنسبة 3.18% ليسجل 13.9 جنيها للسهم الواحد مقابل 13.85 سعر الطرح، بمكسب يعادل الجنيه، كما كان أكثر الأسهم نشاًطا، بعدما استحوذ على 19.2% من قيم تداولات بقيمة 807.7 ملايين جنيه، لكن المشكلة كانت في أداء السوق المتراجع.
تأجيل مستمر
وتم تأجيل المصرف المتحد أكثر من مرة؛ بسبب أزمة “كورونا” والحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن مفاوضات لم تكتمل لبيعه للصندوق السيادي السعودي بسبب الخلاف على تقييم سعر صرف الجنيه.
وفضلت الحكومة طرح البنك، الذي كان البنك المركزي يملكه بنسبة 99.9%، في البورصة المصرية، بدلا من البيع لمستثمرين استراتيجيين، وشهد الأربعاء قبل الماضي تنفيـذ الطرح العام والخاص لأسهم “المصرف” بعدد 330 مليون سهم بنسبة 30% من أسهم رأس المال المصدر بسعر 13.85 جنيها للسهم على شريحتين (عام وخاص)، وبقيمة إجمالية 4.5 مليارات جنيه.
بحسب محللين، فإن نجاح عملية طرح الشركة بالبورصة، يتطلب توقيتًا مناسبًا وترويجا جيدًا لضمان النجاح وتحديد قيمة عادلة لطرح الأسهم وتسعير الأسهم بشكل جذاب، واختيار التوقيت المناسب للطرح، بحيث يكون السوق مهيئًا للطرح، من حيث أحجام التداول والسيولة وشهية المستثمرين.
مشكلة العملة
يملك المصرف المتحد مؤهلات، يفترض أن تجعله جاذبا بشدة للمستثمرين، فهو ضمن 14 بنكًا فقط مرخص لها ممارسة الصيرفة الإسلامية في مصر، ويمتلك شبكة فروع تضم 68 فرعًا، تقع جميعها في مواقع استراتيجية في 15 محافظة، بالإضافة إلى 225 جهاز صراف آلي، بجانب شركة تابعة هي يونايتد للتمويل بنسبة ملكية تبلغ 87.5% تقريبًا، وتمتلك هذه الشركة تراخيص بتقديم خدمات التأجير التمويلي والتخصيم والتمويل العقاري ونشاط التأجير التشغيلي.
وقال حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي، في بيان صحفي، إن قرار طرح المصرف المتحد في البورصة المصرية يستهدف تنشيطها، خاصةً قطاع البنوك الذي لم يشهد دخول أسهم جديدة، منذ ما يزيد على 25 عامًا، مما سيكون له أثر إيجابي كبير على البورصة، فضلًا عن توسيع قاعدة الملكية.
أكد عبد الله ثقته في سوق الأوراق المالية المصرية وقدرته على جذب الاستثمارات، مشيرًا أن البنك المركزي يستهدف من خلال السياسات النقدية والمصرفية تحقيق الاستقرار، وخلق بيئة استثمارية محفزة، كذلك تشجيع القطاع الخاص للقيام بدوره الأساسي ضمن آليات الاقتصاد القومي.
لكن الدكتور أحمد العطيفي، المحلل المالي، يقول إن الإعلان عن طرح المصرف المتحد كان قبل أسبوعين تقريبًا، وحينها كان سعر الدولار يساوي 49.70 جنيها، وحاليًا سعر الدولار 50.70 جنيها تقريبًا، وتساءل: كيف يستطيع المستثمر الأجنبي احتساب العائد المتوقع في ظل هذا التغير بسعر الصرف؟
يلعب استقرار سعر الصرف دورًا في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، فعدم تقلب سعر العملة صعودًا وهبوطا بشدة، يحول دون تقلب حصيلة أرباح المستثمر الأجنبي حين تحويلها إلى موطنه الأصلي، وبالتالي تزيد الثقة في الاستثمار بمصر، والعكس صحيح.
علي سبيل المثال، ربح سهم المصرف المتحد جنيها في أول أيام التعاملات، لكن حال تحويل ذلك الربح إلى دولار؛ (لأن المستثمر الأجنبي يحول أرباحه لدولار في الخارج)ـ يتقلص الربح؛ بسبب تحرك سعر الصرف في اليوم ذاته، وهو أمر جعل المستثمرين المصريين الأكثر شراء في السهم عن العرب والأجانب.
وعلى هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين حول مصر نهاية أكتوبر الماضي، طالب المستثمرون ممثلي صندوق النقد، بالحصول على تفاصيل بشأن فترات ثبات سعر صرف الجنيه المصري الطويلة، منذ التزام السلطات بسعر صرف مرن، فرد فعل الجنيه على الصدمات الإقليمية، كان “خافتاً” حينها.
منذ إجراء بعثة صندوق النقد المراجعة الرابعة للاقتصاد؛ تمهيدًا لصرف شريحة جديدة من قرض الصندوق بقيمة 1.2 مليار دولار، ارتفعت العملة الأمريكية في تعاملات البنوك لتبلغ أعلى مستوى في تاريخها، بعدما كسرت مستوى الـ 50 جنيها للمرة الأولى، لتسجل بمنتصف تعاملات الخميس مستوى 50.58 جنيها للشراء 50.72 جنيها للبيع.