تعد امتحانات الشهادة الثانوية السودانية محطة حاسمة في المسار التعليمي للطلاب، إلا أن استمرار الحرب المدمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وضع هذا الاستحقاق التعليمي أمام تحديات غير مسبوقة. منذ اندلاع النزاع المسلح في إبريل 2023، لم تتوقف آثار الحرب عند استهداف الأرواح والبنية التحتية، بل امتدت لتضرب قطاع التعليم في جوهره. أصبح الطلاب والمعلمون في مواجهة واقع مأساوي، لا ينحصر في نقص الموارد أو توقف المدارس فقط، بل يتجاوز ذلك إلى تهديدات مباشرة، تعوق وصولهم إلى مراكز الامتحانات، وتفرض قيودًا تعجيزية على حقهم في التعليم.

تضمنت آثار الحرب تدمير ما يزيد عن 50,000 مدرسة بشكل كلي أو جزئي، مع تحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية أو مواقع عمليات عسكرية، فيما أدى نزوح الملايين إلى اضطراب العملية التعليمية وفقدان أكثر من 70% من الأطفال السودانيين فرصهم الدراسية. في ظل هذه الظروف، تغيرت ظروف امتحانات الشهادة الثانوية السودانية لعام 2023، المقرر إجراؤها في ديسمبر 2024 الجاري. وكان الامتحان السابق في 2022 قبل اندلاع الحرب، شهد أكثر من 600.000 ألف طالب في 4252 مركز امتحان منها 18 مركزا خارج السودان، وهو ضعف عدد المراكز للامتحان الحالي.

واقع التعليم في السودان: مدارس تحت النيران

منذ اندلاع النزاع، تحولت المدارس من بيئة للتعليم إلى أهداف عسكرية مباشرة أو غير مباشرة. تم قصف المئات من المدارس، ونهب ما تبقى منها، في مشهد، يُظهر مدى تدهور الوضع التعليمي. العديد من المدارس، خاصة في مناطق النزاع مثل دارفور وكردفان والخرطوم، أصبحت مهجورة تمامًا، بينما تم تحويل أخرى إلى مراكز إيواء للنازحين أو مقرات عسكرية للطرفين.

أفادت تقارير محلية، بأن الأوضاع المتردية أدت إلى انقطاع آلاف الطلاب عن الدراسة لمدد طويلة. في ظل هذه الظروف، تواجه الحكومة السودانية ضغوطًا كبيرة لإجراء امتحانات الشهادة الثانوية السودانية وفق مواعيدها الجديدة، في محاولة للحفاظ على النظام التعليمي ولو شكليًا، وسط تحديات أمنية ولوجستية، تكاد تكون مستحيلة.

الامتحانات رغم المخاطر:

في 14 ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة السودانية عزمها إقامة امتحانات الشهادة الثانوية السودانية في ولايات محددة، تشمل: نهر النيل، والشمالية، والنيل الأبيض، وكسلا، والبحر الأحمر، والقضارف، مع توقعات بإنشاء مراكز جديدة في مدن أم درمان، والأبيض، وسنار. ورغم أهمية القرار، إلا أنه جاء محاطًا بتساؤلات حول قدرة السلطات على توفير الأمان والموارد اللوجستية لضمان سير الامتحانات. فالأوضاع الأمنية المتدهورة وغياب التنسيق بين الأطراف المتحاربة، يضع مستقبل آلاف الطلاب على المحك.

موقف الدعم السريع

من جهتها، ردت قوات الدعم السريع على القرار الحكومي، باتهام الحكومة باستخدام الامتحانات كأداة سياسية لتهميش المناطق الخاضعة لسيطرتها، خاصة في دارفور وأجزاء واسعة من كردفان. وأشارت تقارير محلية، إلى أن القوات تفرض قيودًا صارمة على حرية التنقل، مما يعوق وصول الطلاب إلى مراكز الامتحانات المُعلنة. وفي حادثة مثيرة، شهدت مدينة “القطينة” بولاية النيل الأبيض صباح 15 ديسمبر اعتراض قوات الدعم السريع للطلاب أثناء توجههم إلى مدينة “الدويم” لأداء امتحانات الشهادة السودانية. وبحسب شهود عيان، قامت القوات بتمزيق الكتب والكراسات وإرجاع الطلاب بالقوة. وفي مقطع فيديو متداول، ظهر أحد أفراد قوات الدعم السريع مهددًا باستهداف الطلاب ومراكز الامتحانات عبر الطائرات المسيرة، قائلًا: “كل من يجري الامتحانات هو مستنفر، وعندما يتخرج سيذهب للكلية الحربية”. يعكس هذا التهديد مستوى خطيرًا من الانتهاكات التي تحول التعليم إلى هدف مباشر في الصراع الدائر. ويقصد بذلك أن هؤلاء الطلاب سيصبحون ضباطا في المستقبل القريب في الجيش السوداني.

التحديات الاقتصادية

إضافة إلى المخاطر الأمنية، تقف الأعباء الاقتصادية كحاجز آخر أمام الطلاب. فالطالبة “تيسير” من مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان، أوضحت أن السفر إلى أقرب مركز امتحانات في مدينة الأبيض يكلف حوالي 500,000 جنيه سوداني (300 دولار)، وهو مبلغ يفوق قدرة أسرتها المتضررة من الحرب. هذه التكاليف، تمثل جزءًا من أزمة أوسع يعيشها السودانيون، حيث تفاقمت معدلات الفقر والنزوح، مما جعل أولويات الأسر، تتركز على البقاء وتأمين الغذاء، بدلًا من الاستثمار في التعليم.

تحديات مضاعفة في دول الجوار

في محاولة لدعم الطلاب النازحين خارج السودان، أعلنت الحكومة السودانية عن إنشاء 18 مركزًا لامتحانات الشهادة الثانوية السودانية في دول الجوار، بما في ذلك مصر عبر ثلاثة مراكز فقط (القاهرة، أسوان، مدرسة الصداقة السودانية)، وهو عدد محدود مقارنة بعدد اللاجئين السودانيين، أما في تشاد يواجه اللاجئون ظروفًا إنسانية كارثية، حيث يفتقرون لأبسط مقومات الحياة، مثل الغذاء والماء، مما يجعل التعليم في المرتبة الأخيرة من الأولويات. وقد أفاد المحامي النازح “المعز” من معسكر أدري، بأن الأطفال يقضون معظم أوقاتهم في البحث عن الماء والحطب، بينما تنعدم المساعدات التعليمية من نقص حاد، سواء في المواد الدراسية أو دعم المعلمين وقال نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، إن دولة تشاد رفضت عقد امتحانات الشهادة في مدينة أبشي.

في ظل ما يمر به السودان من أوضاع قاسية يشكل انقطاع آلاف الطلاب عن التعليم خطرًا كبيرًا على مستقبل البلاد ككل، إذ يتوقع ارتفاع معدلات الأمية بين الأجيال القادمة وخسارة رأس المال البشري الضروري لإعادة إعمار السودان بعد الحرب، بالإضافة لتفاقم البطالة؛ نتيجة افتقاد الطلاب للمؤهلات التعليمية المطلوبة.

لذا يرى كثير من المعنيين بشأن التعليم أنه لا بد من اتخاذ خطوات فورية، أولها زيادة مراكز الامتحانات في السودان ودول الجوار، خاصة في مناطق النزاع وتوفير حماية فعالة للطلاب والمعلمين أثناء تنقلهم وإعفاء الطلاب من الرسوم الدراسية؛ لتخفيف العبء الاقتصادي عن الأسر المتضررة.

وتعكس أزمة امتحانات الشهادة السودانية حجم التحديات التي تواجه التعليم في السودان؛ بسبب النزاعات المسلحة. إن ضمان حق الطلاب في التعليم رغم ظروف الحرب ليس مجرد التزام أخلاقي وقانوني، بل هو استثمار في مستقبل السودان. لا يمكن تحقيق العدالة التعليمية، إلا عبر خطوات عملية تضمن حماية الطلاب وتأمين فرصهم في التعليم، باعتباره أولوية قصوى لبناء مستقبل مستقر للسودان، بحسب الخبراء والمطلعين على الشأن السوداني.