كتبت- آية أمان

أثارت خسارة روسيا لحليفها الأقوى في الشرق الأوسط بسقوط نظام الأسد عدة تساؤلات عن مستقبل الدعم والنفوذ الروسي في إفريقيا، ومدى إمكانية نقل قواعدها العسكرية في سوريا، لمناطق أقرب لعملياتها الحالية في الساحل الإفريقي، حيث ليبيا أو السودان.

في تصريحات لقيادات روسية بالكرملين، لا يزال مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا قيد النقاش، حيث تجرى اتصالات مع الإدارة السورية الجديدة برئاسة زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، فيما لا تبدي روسيا أي نوايا للاستغناء عن قواعدها بشكل نهائي، خاصة وأن هذه القواعد جزء من الاستراتيجية العسكرية العالمية لموسكو.

في تقدير لمعهد دراسة الحرب بواشنطن، فإنه سيتعين على روسيا تقليص قواتها أو الانسحاب الكامل من قواعدها في سوريا، حيث أن ما تقوم به روسيا خلال الأسبوع الأخير من نقل بعد المركبات والمعدات العسكرية إلى ليبيا، قد يكون إجراء احترازيا، بينما لا تزال المفاوضات قائمة مع الحكومة الجديدة في دمشق.

في صور للأقمار الصناعية، التقطتها شركتا بلانيت لابز، وماكسار تكنولوجيز، أظهرت نشاطا مستمرا لتحرك طائرات نقل عسكرية كبيرة، ومركبات عسكرية تنقل معدات ومهام عسكرية خارج سوريا، على مدار الأسبوع الماضي، حيث تم رصد حركات المغادرة والعودة لطائرات نقل عسكرية روسية الصنع من طراز إليوشن إيل- 76، والتي يمكن استخدامها في عمليات الإجلاء.

خلال السنوات الأخيرة، استخدمت روسيا قواعدها العسكرية في طرطوس، وحميميم في سوريا كمركز لوجستي للعمليات الجوية الروسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالتالي دعم حلفائها الجدد في الساحل الإفريقي وليبيا وإفريقيا الوسطى، وهو ما يطرح العديد من التحديات اللوجستية أمام روسيا لاستمرار نفوذها السياسي والأمني في إفريقيا، وخاصة مناطق الساحل الإفريقي من جانب، ويزيد من مخاوف الحلفاء الأفارقة من القادة الجدد الذين استبدلوا روسيا بالوجود الفرنسي التاريخي في بلدانهم، وخاصة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو من جانب آخر، لما قد يشعروا به من إمكانية تخلي موسكو عن حلفائها كما جرى مع بشار الأسد.

صعوبة التحرك الروسي في إفريقيا حال خسارة القواعد السورية

شكلت القواعد العسكرية الروسية في سوريا مركزا لدعم العمليات العسكرية الروسية في إفريقيا، حيث استخدم الجيش الروسي الذي انتشر في سوريا منذ عام 2015، قاعدة طرطوس البحرية ومطار حميميم كنقطة دعم لوجستي لعملياته في منطقة الساحل وليبيا بشكل خاص.

خلال السنوات الخمس الأخيرة، كان لروسيا عدد من التحركات لتعزيز وجودها العسكري في إفريقيا، كانت هناك محاولات لإبرام اتفاقيات لإنشاء قواعد عسكرية مماثلة في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا.

وتشير التقديرات إلى صعوبة التحرك الروسي في إفريقيا، إذا ما خسرت روسيا قواعدها في سوريا بشكل كامل، حيث سيكون نقل كمية كبيرة من المعدات العسكرية من روسيا أو سوريا إلى إفريقيا مكلفا، وبالتالي سيتعين على روسيا دفع مبالغ طائلة؛ لاستكمال تنفيذ عملياتها في الدعم العسكري والتقني للنظم الإفريقية التي استبدلت الحلفاء القدامى كفرنسا بروسيا لدعم بقاء أنظمتهم في السلطة.

وتتضمن العوائق اللوجستية صعوبة نقل طائرات الشحن من روسيا إلى إفريقيا محملة بالأسلحة الثقيلة، بسبب صعوبة التزود بالوقود وصعوبة تأمين حقوق التحليق فوق تركيا التي تعد المنافس الإقليمي الأقوى لروسيا في إفريقيا والشرق الأوسط على حد سواء.

تعتمد روسيا في عملياتها العسكرية في إفريقيا بشكل كبير على المرتزقة الروس، حيث لا تزال قدراتها على إنشاء قواعد عسكرية مماثلة لنظيرتها في سوريا محل شك، إذ لا تزال الإدارة السياسية في السودان حذرة بشأن تنفيذ اتفاق القاعدة العسكرية الروسية في بورتسودان بالبحر الأحمر، والتي تم إبرام اتفاق حولها خلال حكم نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير في 2019.

وتظهر تحليلات الرحلات الجوية، أن موسكو قد تعتمد على تأمين وجودها العسكري في المنطقة عبر الأراضي الليبية، باعتبار أنها الأقرب، حيث نشرت وكالات الأنباء عدة تقارير خلال الأسبوعين الماضيين عن وصول طائرات شحن روسية إلى ليبيا، بعضها قادم من سوريا والبعض الآخر من روسيا، فيما شهدت الأسابيع الأخيرة حركة مرورية أكثر كثافة من المعتاد بين روسيا وليبيا.

مستقبل النفوذ الروسي في إفريقيا

في نظرة سريعة على ملامح الوجود الروسي في إفريقيا، فإن دعم الأنظمة العسكرية هو العمل الأبرز في مالي وبوركينا فاسو، والنيجر، والسودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ومؤخراً دعم النظام السياسي في غينيا الاستوائية، وهو ما يضاعف خطورة استعادة الحياة الديموقراطية المدنية في هذه الدول، حيث كانت موسكو وراء انقلاب نفذه مجموعة من الضباط العسكريين في مالي وبوركينا فاسو في عام 2021، والنيجر في عام 2023، بينما رصدت منظمات دولية في مقدمتها الأمم المتحدة نتائج سلبية للعمليات العسكرية الروسية في تهديد حياة المدنيين وارتفاع الوفيات الناجمة عن العنف بشكل كبير.

وينتقد المراقبون لعمليات مكافحة الإرهاب الآثار السلبية للوجود الروسي، فبعدما لعبت روسيا دوراً في تأجيج مشاعر الأفارقة ضد الوجود الفرنسي والأوروبي المرتبط بالذاكرة الاستعمارية، وساهمت في خلق نخبة سياسية وعسكرية معادية لفرنسا وأوروبا، لم تنجح في مكافحة الإرهاب، بل كانت سببا في وقف العمليات المدعومة من الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب المنتشر في الساحل الإفريقي عبر تنظميات تتبع تنظيم القاعدة.

ولم تكتف روسيا بدعم الأنظمة العسكرية الجديدة، بل تورطت قوات تابعة لها ومجموعة فاجنر “منظمة مرتزقة روسية” بالعديد من الجرائم كارتكاب بعض أسوأ المذابح في القارة في السنوات الأخيرة- وفق تقرير نشرته هيومان رايتس ووتش- مثل قرية مورا في دولة مالي في عام 2022، والتي أٌعدم فيها نحو 500 رجل وامرأة وطفل على يد فاجنر والقوات المالية، فيما وثق تقرير للأمم المتحدة نُشر في 2023، عمليات اغتصاب منهجية للنساء الماليات من قبل جنود روس.

وتُظهر ملامح الوجود الروسي في إفريقيا، موسكو، وكأنها مورد عسكري لحماية الأنظمة، في مقابل صفقات التعدين المفترسة للخيرات، والتي تساعد في تمويل حرب روسيا في أوكرانيا- حسب تحليل لمجلة فورين بوليسي، حيث روجت موسكو نفسها كداعم لأمراء الحرب والأنظمة العسكرية والمستبدين الذين عاقبهم الغرب أو عزلهم؛ بسبب الانقلابات أو الحكم أو المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان- حسب دراسة لمعهد تشاتام هاوس للسياسات.

وتنتشر القوات الروسية في إفريقيا تحت مسمى “فيلق إفريقيا” الذي يضم نحو قوات قوامها حوالي ألف شخص في مالي، وأقل من مائة شخص في بوركينا فاسو، وما يصل إلى 800 منتشرين في غينيا الاستوائية؛ لحماية الرئيس تيودورو أوبيانج نجيما ماباسوجو.

وتفتقر موسكو القدرة على الوصول المستمر إلى أي ميناء بحري في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تعتمد عملياتها إلى حد كبير على الجسور الجوية، حيث كانت طائرات الشحن، عادة ما تنطلق أولا من روسيا إلى سوريا، ثم إلى ليبيا، حيث يمكنها من هذه النقطة، أن تتفرق عبر القارة، وهو ما يعزز الشكوك في قدرة موسكو على استمرار عملياتها العسكرية في إفريقيا بنفس الكفاءة بعد سقوط الأسد.

تأثير انهيار نظام الأسد على القادة الأفارقة

وينعكس عجز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على إنقاذ حليفه السوري بشار الأسد، في إثارة الشكوك بين القادة الأفارقة والمجالس العسكرية الحاكمة في غرب إفريقيا، ومدى الثقة في استمرار الدعم من شريكهم الروسي، وهو ما يزيد التحديات أمام استمرار الوجود الروسي بعد انهيار الأسد، وما يترتب على ذلك بشكل خاص على الصورة الذهنية لموسكو التي تخلت بشكل طوعي، وعجزت عن حماية أقدم حلفائها في الشرق الأوسط.

خلال الأسبوعين الماضيين، أظهرت الرسائل الدبلوماسية لروسيا محاولة لطمأنة حلفائها في إفريقيا بعدم تأثر امدادات الدعم المتفق عليها سلفاً بتطورات الأمور في سوريا، حيث لا يزال لدى موسكو خطط بديلة لضمان استدامة طرق إمداداتها إلى إفريقيا سواء باستخدام ليبيا بوصفها نقطة انطلاق أكثر قوة، أو الوصول إلى جمهورية إفريقيا الوسطى عبر مواني في الكاميرون، أو جمهورية الكونغو برازافيل، حيث أبدت جمهورية إفريقيا الوسطى استعدادا لمساعدة الكرملين في إرسال الإمدادات والجنود من روسيا إلى حكومات منطقة الساحل، إذا لزم الأمر- حسب تصريحات لمسئولين أفارقة.

وتظهر التحديات اللوجستية التي تواجهها روسيا في الوصول إلى إفريقيا مؤشرات لإمكانية زيادة النفوذ السياسي لتركيا، والتفوق على روسيا، حيث سيكون لأنقرة فرصة المساومة مع روسيا للسماح باستخدام مجالها الجوي في مرور الطائرات الروسية عبر للقارة الإفريقية.

وتشكل خسارة روسيا قواعدها السورية انتكاسة استراتيجية كبيرة، بعد أن كانت هذه المرافق مصدر لفرض قوتها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل النفوذ السياسي والأمني الروسي في إفريقيا، وخاصة مناطق الساحل الإفريقي، وهو ما يزيد مخاوف الحلفاء الأفارقة من القادة الجدد الذين استبدلوا روسيا بالوجود الفرنسي التاريخي في بلدانهم، وخاصة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو من جانب آخر.