يري خبراء تربويين أن صورة المرأة في المناهج التعليمية، لاسيما في الدول العربية، بحاجة الي إعادة نظر، وأكدوا أن هناك فجوة ملموسة بين صورة المرأة في الواقع وبين صورتها في الكتب المدرسية، والتي تشجع الأطفال على قبول الثقافة التقليدية السائدة بمجتمعاتهم تجاه الجنس الأخر، فما بين التمييز والنمطية تبقي صورة المرأة في عيون طلابنا “واحدة” على مر العقود .
ركزت العديد من الدراسات والمنظمات الدولية، في السنوات الأخيرة، علي صورة المرأة في الإنتاج الثقافي والتعليمي،وهو ما دفع بعض الحكومات إلى إعادة النظر في مناهج التعليم، خاصة الدول التي صادقت على اتفاقية “سيداو”، التي تعد من أهم المواثيق الدولية التي شملت المعايير الدولية لحقوق المرأة وحظيت بمصادقة 183 دولة من أصل 191 دولة .
وتنص الفقرة “ج” المادة 10 من الاتفاقية،”بالقضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة على جميع مستويات التعليم وفي جميع أشكاله عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم” .
ربة منزل
وفي دراسة حديثة، اجراها عالم النفس، كوستاس باباجورجيو، بجامعة كوينز البريطانية، كشف أن الشخصيات النسائية في الكتب المدرسية للتعليم الابتدائي، علي سبيل المثال، تُصور بشكل أساسي على أنها أم وربة منزل، بينما تٌعرف الشخصيات الذكورية على أنها معيلة للأسرة.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يستخدم المعلمون المواد، بما في ذلك النصوص والصور أو الأمثلة التي تعزز الأدوار النمطية، ومن بين الأمثلة النموذجية المقدمة، دور الأب (قراءة الجريدة)، والأم (تقديم العشاء)، الطبيب (ذكر)، والممرضة (أنثى)، ومن خلال ذلك، يعزز المعلمون أيضًا التحيز القائم على الجندر والذي يميز الفتيات أيضًا.
ويقول مانوس أنتونينيس، مسؤول سياسات التعليم بمنظمة اليونسكو، في وقت سابق، بأن “ضمان ذهاب الصبية والفتيات إلى المدرسة يمثل جزءا فقط من المعركة”، مضيفًا أن “ما يتعلمونه له نفس القدر من الأهمية إذا لم يكن أكثر أهمية. استمرار التمييز بين الجنسين يقوّض دافع المرأة في التعلم وتقديرها لنفسها ومشاركتها في المدرسة”.
بينما انتقد الخبراء صورة “ربة البيت” التي تحضر بكثافة خاصة في المقررات الدراسية العربية، مؤكدين أن ثقافة التمييز في الأدوار على أساس الجنس تحول دون المشاركة الفعلية للمرأة في الدورة الاقتصادية.
عزة فتحي، خبير تربوي وأستاذ مناهج علم اجتماع بجامعة عين شمس، تأييد الآراء السابقة، وتري أن العقلية الذكورية ونظام “الترقيع”، وراء تنميط صورة المرأة في المناهج والكتب الدراسية في مصر، واغلب الدول العربية، مشيرة الي أن المناهج التعليمية بالبلاد تنتقص الحداثة والمساواة بين الجنسين في الكم والكيف أيضًا.
وتابعت “فتحي”، بأن الثقافة والعقلية الذكورية هي السائدة في كتابة المناهج، وبالنظر إلى عدد النساء المشاركات في إعداد المناهج بأعداد الرجال سيتضح الأسباب وراء تجميد صورة المرأة والشخصيات النسائية في كتب المدرسة، رغم ما يحتويه التاريخ المصري والعربي من شخصيات نسائية عظيمة فى كافة المجالات، علي سبيل المثال عالمة الذرة نبوية موسي والإعلامية سلوي حجازي وغيرهم .
من جهتها، دعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألكسو” إلى تعديل صورة المرأة في المناهج الدراسية العربية، مشيرة إلى أن المناهج والكتب المدرسية العربية تقدم صورة نمطية للمرأة تتناسب مع النسق التقليدي السائد في المجتمعات العربية، منتقدة قلة حضور المرأة على مستوى اللجان المكلفة داخل وزارات التربية والتعليم بإعداد المناهج التعليمية وتطويرها، وكذلك ضمن معدي الكتب المدرسية.
أمن قومي
وباتخاذ نموذج واقعي علي عدم التصور الأمثل للمرأة في المناهج التعليمة بمصر، كمادتي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية لصف السادس الابتدائي لعام 2020، نجد أن الشخصيات النسائية تقتصر علي دور “الأم والزوجة”، كما أنه لا يوجد تمثيل واحد لنموذج نسائي، إذا يقتصر باب التاريخ في مادة الدراسات علي الحملة الفرنسية وشخصية محمد علي وبناء الدولة الحديثة، بينما القصة في اللغة العربية في تجسد شخصية علي مبارك .
نفس الأمر ينطبق علي مادتي اللغة العربية والتاريخ للصف الثالث الثانوي، إذ لم يتم عرض نموذج نسائي واحد في المادتين مقارنة بالنماذج الرجالية .
وتشير خبير التربوي، إلى أن نظام وضع المناهج التعليمية يعتمد علي سياسية “الاستسهال” والقص واللصق، والدليل علي ذلك، تواجد نفس الدروس التي تخص المرأة كما هي منذ سنوات، لم تشهد تغير أو حداثة،مطالبة بتغير عقلية واضعي المناهج في بداية الأمر ثم النظر إلى المحتوي بعد ذلك، معتبرة المناهج التعليمة “أمن قومي”، حث تؤثر في أجيال وتهدم مجتمعات.
وتضيف أنه يجب أن تلعب المرأة دور أكثر إيجابية في المناهج التعلمية، وليس فقط في مادة التاريخ أو اللغة العربية، ولكن أيضًا في مادة المواطنة، حيث ينبغي تقديم نماذج مشرفة عن المرأة والبعد عن الصور النمطية، لاسيما في مراحل التعليم الأولى، والتي تأثر علي تفكير وبناء شخصية أطفالنا.
عام التعليم
رغم مساهمة الاحتجاجات النسوية التي حدثت منذ السبعينات في العديد من الإصلاحات في المناهج الدراسية غير أن صورة المرأة في الكتب التعليمية مازالت تقليدية، وهو ما يترك آثارا طويلة المدى على الأجيال الناشئة .
وبحسب استطلاع رأي أجراه المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة ، عام 2018، فإن 88 % من المصريين يرون أن التعليم يساعد المرأة في بناء شخصيتها المستقلة، لكن في حقيقة الأمر تظل المساواة في التعليم أبعد نقطة في الطريق،وهو ما يراه الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي، يندرج تحت سياسة “الانفصام” التي يعيشها أغلبية المجتمعات العربية، ومنها مصر، حيث التنظير شيء والتطبيق شئء آخر.
وأوضح الخبير التربوي، بأن قصور المناهج التعلمية وتمثيل المرأة ليس قاصر علي مشرفي المناهج أو واضعيه، فالأمر يبدأ من الجامعة وإعداد معلمين قادرين علي مناقشة هذه القضايا، فحتي الدورات التدريبية حول تصميم المناهج الدراسية تغفل هذه الأمور، وتعتمد علي الجانب النظري فقط، “فكيف تخرج أجيال تحترم المرأة وانت كمعلم لم تؤسس علي ذلك؟!”.
واستطرد: أن الأسباب السابقة تقف وراء النمطية التي يتم تصوير المناهج بها، بالإضافة إلى عدم الرغبة في التغير أو وضع سياسية جديدة تطبق بشكل فعلي، رغم ما يحاول تغيره الدكتور طارق شوقي لازال تحديث النماذج النسائية بعيد عن الصورة”.
وفي يوليو 2017، كشف الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، بأنه سيتم وضع مناهج جديدة قائمة على فلسفة إعادة بناء الشخصية المصرية وتتناسب مع رؤية نظام التعليم الجديد، ولذا تم إجراء دراسة موسعة مع شعبة تطوير المناهج بمركز البحوث التربوية حول مناهج 12 دولة لديها تصنيف جيد عالميًا من ناحية التعليم، وتم تحديد بعض الاستدلالات التى ساعدت فى تطوير المناهج،وكان علي راسها عدم التمييز ضد المرأة وقضايا العولمة، والمواطنة.
وفي عام 2019، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، بأنه هو عام التعليم، باعتباره الركيزة الأساسية للنهضة والتقدم، وهو ما دفع “فتحي” بتأكيد علي أن الدعم الرسمي يلزمه رؤية واضحة وأهداف حقيقة تخدم وتحترم المرأة وتسلط الضوء علي النماذج الإيجابية للنساء، ذلك بجانب تحديث النماذج النمطية .