في حالة شبة مكتملة من انعدام الأمن العام والشخصي، يعيش اللاجئون السودانيون في خوف مستمر من تصاعد العنف، والاقتتال الناجم عن الصراع العرقي في إثيوبيا، فعلى مدار الأشهر الماضية، سجل آلاف الإريتريين والسودانيين اللاجئون في إثيوبيا شكاوى لدى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان؛ بسبب انعدام الأمن في مخيمات اللجوء في منطقة أمهرة التي تشهد تصاعد الصراع، والعنف بين الحكومة الفيدرالية وميليشيا فانو المتمردة.

افتقار المخيمات للخدمات الأساسية، وتعرض اللاجئين لهجمات شبه يومية من رجال الميليشيات المحلية وقطاع الطرق المسلحين، والاعتداء الجنسي على النساء والأطفال، فضلاً عن سرقة المتعلقات ومواد الإغاثة، هي ملخص الشكاوى التي وثقها عدد من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحماية اللاجئين، حسب بيان لمنظمة NEW HUMAN.

تعد إثيوبيا موطنًا لأكثر من مليون لاجئ، مما يجعلها ثاني أكبر دولة مضيفة في إفريقيا. ومن بين الباحثين عن مأوى حوالي 50 ألف شخص، فروا من الحرب الأهلية في السودان التي اندلعت في إبريل 2023.

منذ أغسطس 2023، تشهد أمهرة، ثاني أكبر منطقة من حيث عدد السكان في إثيوبيا، تمردًا شاملًا، حيث تقاتل مجموعة منظمة من الميليشيات القومية العرقية المسماة فانو ضد القوات الحكومية، حيث يقول المتمردون، أنهم يسيطرون على 80٪ من أمهرة، مما يزيد من حالة الفوضى وانعدام الأمن في الإقليم.

وبدأ القتال في أمهرة، عندما أعلن الجيش الإثيوبي عن خطة لحل القوات الإقليمية ودمجها في الجيش بدعوى استعادة السلام، وإنفاذ القانون وقد قوبلت الخطة بالرفض من خلال الاحتجاجات الجماهيرية التي أدت استمرار القتال بين ميليشا فانو المتمردة وقوات الدفاع الوطني الإثيوبية الفيدرالية، وهو ما خلق تهديدات كبيرة للاجئين والسكان المحليين، حيث كانت منظمة العفو الدولية قد دعت السلطات الإثيوبية إلى إنهاء، ما وصفته بـ”الاحتجاز واسع النطاق” للمدنيين في منطقة أمهرة، التي نفذتها القوات الفيدرالية وأمن منطقة أمهرة منذ 28 سبتمبر الماضي

قتل وخطف واعتداءات جنسية

رغم إدارة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومفوضية اللاجئين والإغاثة الإثيوبية لمخيم أليمواش، بمنطقة جوندار الشمالية في أمهرة، إلا أنها لم تستطيع توفير الحماية اللازمة للاجئين من عمليات سطو واختطاف واعتداءات جسدية مستمرة من رجال مسلحين محليين، يأتون بانتظام إلى المخيم- حسب شكاوى اللاجئين، حيث تم توثيق حالات إطلاق نار وطعن على أيدي رجال مسلحين، يسرقون الهواتف المحمولة والأموال وغيرها من الأشياء، حيث قُتل ما لا يقل عن تسعة لاجئين في أليمواش خلال الشهرين الماضيين، بينما تقف السلطات الأممية والمحلية عاجزة عن توفير الحماية وتوقيف أو منع المسلحين من الدخول لمخيمات اللجوء- حسب شهادات اللاجئين.

يعد اللاجئون في إثيوبيا هم الفئة الأكثر تضرراً من الصراعات والعنف العرقي والإثني في إثيوبيا، ففي الصراع الذي نشب بين التيجراي والحكومة الفيدارلية في 2020، كان اللاجئون الإريتريون في مقدمة المتضررين من حرب التيجراي، حيث تعرضوا للهجوم من طرفي الصراع، الميليشيات المتمردة من التيجراي، ومن جانب الجنود الإريتريين المتحالفين مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي، كما أُعيد المئات قسراً إلى إريتريا، وتم تجنيدهم في الجيش، رغم تمتعهم قانوناً بالحماية الدولية.

وتتكرر نفس الأزمة الآن بحق اللاجئين السودانيين والإريتريين أيضاً في المخيمات بإقليم أمهرة في غابات أولالا وكومر، ومخيم أليمواش شمال إقليم أمهرة مع الصراعات بين الإثنية الأمهرية والحكومة الفيدرالية بقيادة آبي أحمد في أديس أبابا، فيما لم تقدم الحكومة الإثيوبية حلولا جذرية في حماية اللاجئين على أراضيها.

في 2020، بسبب تصاعد العنف في تيجراي والتنديدات الدولية بالانتهاكات ضد اللاجئين الإريتريين، اضطرت السلطات المحلية لإغلاق مخيمات لجوء في تيجراي، بعد أن دمرت الحرب أربعة مخيمات لجوء للإريتريين، بعد تدخل من مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، من أجل ضمان المرور الآمن ونقل أكثر من 25,000 لاجئ من المتبقين في المخيمات بمناطق التيجراي، إلى موقع جديد وفرته حكومة إثيوبيا في منطقة أمهرة المجاورة، لكن كانت هذه العمليات تتم بقدرات محدودة؛ بسبب تعذر إحضار المواد الغذائية والدواء والوقود ومواد الاغاثة الانسانية، بما تسبب في موجات من الجوع أدت إلى مقتل العشرات من اللاجئين.

ولم تقدم الحكومة الإثيوبية حلا جذريا لأزمة اللاجئين العالقين بغابات “أولالا” و”كومر” الذين قضوا أكثر من عام في الأحراش، بإجلاءهم خارج دولة “إثيوبيا”، ما اضطر العديد من اللاجئين السودانين للهروب سيراً في الأقدام في الأحراش لمحاولة العودة إلى السودان، بعد صدور قرارات بإجلائهم إلى معسكرات لجوء أخرى بنفس الإقليم، لا تقل خطورة عن الأولى- على حد تعبير اللجنة التنسيقية للاجئين السودانيين في إقليم أمهرة.

أليمواتش وكومر.. آمال زائفة بملجأ آمن

رغم التفاؤل الحذر لدى الأمم المتحدة، بأن يكون مخيم أليمواتش، الذي أُسس في عام 2021، ملاذًا آمنًا للاجئين الإريتريين والتعايش مع المجتمعات المضيفة، إلا أن الهجمات التي يشنها السكان المحليون، بدأت بعد اندلاع تمرد فانو منذ منتصف عام 2023، وزادت وحشتيها في الفترة الأخيرة.

منذ اندلاع الحرب في السودان، فر آلاف الأشخاص إلى إثيوبيا؛ ليجدوا أنفسهم محاصرين مع اللاجئين الإريتريين بين القوات الحكومية والميليشيات المحلية.

كانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد وثقت قائمة، قدمها لاجئون سودانيون، تصنف 347 حادثة عمل قسري في عامي 2023 و2024 في مخيمي كومر وأولالا، بما في ذلك العمل الزراعي. كما وثقت عمليات قتل للاجئين على يد السكان المحليين، وحالات تعرض لاجئين سودانيين للضرب والدفع عبر الحدود السودانية من قبل قوات الأمن الإثيوبية.

خطأ الحكومة والمفوضية

من بين آلاف الشهادات وشكاوى اللاجئين السودانين، يقول أمين حسن– طالب سوداني- إنه “وصل إلى بلدة ميتيما الحدودية بين السودان وإثيوبيا مع مجموعة كبيرة من طالبي اللجوء الفارين من الحرب في السودان، حيث تم نقله إلى مخيم كومر في منطقة أمهرة، لكنه فوجئ بحالة من انعدام الأمن واستمرار الهجمات عليهم من رجال محليين، يتجولون في المنطقة مسلحين بالبنادق، حيث تعرض بعد ساعات قليلة من وصولهم إلى السرقة على أيدي الميليشيات. وفقدان كل شيء، بما في ذلك وثائق هويته كلاجئ”.

ويقول اللاجئون الذين أجريت معهم مقابلات، إن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تدير المخيمات، والحكومة الإثيوبية فشلتا في حماية الأشخاص المعرضين للخطر بشكل كبير. ويزعم اللاجئون، أن المخيمات لم تكن تقع في مواقع غير آمنة فحسب، بل كانت تفتقر أيضًا إلى الموارد الكافية من الغذاء والإمدادات الطبية.

وقال حسن “إن الخطأ الذي لا يغتفر الذي ارتكبته السلطات الإثيوبية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هو وضعنا في منطقة مضطربة، تشهد صراعا مسلحا، وتركنا هناك لنموت”.

تشير التقديرات حول الحرب الأهلية السودانية، التي دخلت عامها الثاني الآن، إلى مقتل أكثر من 60 ألف شخص، ونزوح أكثر من 11 مليون شخص، ورغم صعوبة الوصول إلى رقم دقيق، يُقدر عدد اللاجئين السودانيين الفارين إلى إثيوبيا، بنحو 50 ألف، بينما تستضيف إثيوبيا أكثر من مليون لاجئ، مما يجعلها ثاني أكبر دولة مضيفة للاجئين في إفريقيا، حيث كانت الحكومة الإثيوبية قد أنشأت منطقتين للاجئين في منطقة أمهرة، هما كومير وأولالا، تحت إدارة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والوكالات الشريكة.

الكولير أيضا

لم تكن أعمال العنف فقط هي التهديد الوحيد للاجئين الباحثين عن ملجأ أمن، لكن حذرت منظمات دولية من انتشار وباء الكوليرا في مخيم كومير في أغسطس الماضي، فمع وجود مراحيض بدائية يستخدمها آلاف الأشخاص، حولت الأمطار الغزيرة المخيم إلى خطر صحي، فيما حاصرت المياه اللاجئين في المخيم خلال فترات الأمطار؛ بسبب اغلاق كافة الطرق.

بعد توثيق العديد من الانتهاكات والظروف الانسانية الصعبة في مخيمي كومر وغابات أولالا، تم التوافق بين الحكومة الإثيوبية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وتحديد موقع آخر كمخيم للاجئين السودانيين، وهو مخيم أفيتيت منذ شهر أكتوبر الماضي، وتم إجلاء قرابة 12 ألف لاجئ سوداني، بينما لا تزال لم تنجز إجراءات الإغلاق التدريجي لموقعي اللاجئين في أولالا وكومر لضمان الأمن الكافي والحماية وتحسين الخدمات في المخيم الجديد

تواصل إثيوبيا فتح أبوابها أمام الأشخاص الذين أجبروا على الفرار، إذ هي واحدة من سبع دول مجاورة، لا تزال تستقبل الآلاف من الأشخاص الذين يبحثون عن الأمان من الصراعات والاقتتال الداخلي في دول الجوار الإثيوبي. وباعتبارها واحدة من الدول المعروفة في استضافة اللاجئين في إفريقيا، فهي موطن لأكثر من 1.1 مليون لاجئ وطالب لجوء معظمهم من جنوب السودان والصومال وإريتريا والسودان.

ورغم أن إثيوبيا هي الدولة الإفريقية الأكبر من حيث عدد اللاجئيين من دول الجوار على أراضيها، إلا أن استمرار التوتر والصراع العرقي في الأقاليم الإثيوبية، بات المهدد الأكبر لحماية وتأمين اللاجئين الفارين من جحيم الحرب في بلدانهم، دون أن يجدوا على الأراضي الإثيوبية ملاذاً أمناً، يوفر لهم قدرا من الحياة الآدمية، وهو ما يضيف صفحة جديدة في تاريخ إثيوبيا الحافل بالمهددات ضد اللاجئين سواء العابرين من الحدود السودانية أو الجنوب سودانية أو الإريترية.