أظهر لقاء الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مع مجموعة من المستثمرين طريقة تفكير غالبية رجال الأعمال في اقتصاد البلاد وتركيزهم المنصب على المصالح الخاصة، والمنفعة الذاتية.

كانت الشكوى السمة الأساسية، في اللقاء من قبل جميع رجال الأعمال، خاصة من التضخم الذي قلل القوى الشرائية، وكذلك مخصصات دعم الصادرات، وارتفاع الفائدة على القروض البنكية.

اعتبر الحضور، ومعظمهم رجال أعمال من الوزن الثقيل، أن تحقيق مستهدفات الدولة للوصول بالصادرات المصرية إلى 145 مليار دولار، يتطلب العمل على مضاعفة مخصصات برنامج رد أعباء الصادرات، بما لا تقل عن 50 مليار جنيه كحد أدنى.

اشتكى رجال الأعمال الذين لديهم أنشطة تصديرية من خفض مخصصات رد الأعباء بنسبة 70% إلى 23 مليار جنيه منها 20 مليار جنيه دعم نقدي و3 مليارات جنيه دعم معارض وبعثات واعتبروه غير كاف، وطالبوا بزيادته دون الانتظار للعام المالي الجديد الذي يبدأ في يوليو.

كل يغني لمصالحه

يظهر اللقاء دفاع كل فئة من رجال الأعمال عن القطاع الذي تنتمي إليه بالمقام الأول، فأصحاب الأنشطة التصنيعية اشتكوا من مشكلة توريد الغاز للمصانع المصرية ومدى انتظامه مستقبلاً، خاصة أن هناك عددا من الصناعات التي تعتمد عليه كمادة خام رئيسية للصناعة، محذرين مما حدث في ٢٠٢٤ من عجز بالتوريد ما سبب انكماشا في الإنتاج.

على الجانب الآخر كانت شكوى المستوردين من عدم تفعيل قرار إلغاء الاجازات في جميع المنافذ الجمركية لتيسير عمليات التخليص الجمركي، وأشاروا إلى تحملهم أعباء نتيجة التأخر في التخليص الجمركي تصل إلي نصف قيمة الكونتر أو الرسائل المصدرة أو المستوردة.

 أما رجال الأعمال المرتبطون بصناعة التطوير العقاري، فكان طلبهم في المقام الأول هو الفائدة المرتفعة، ومعروف أن رجال العقارات يعتمدون على جزء من مقدمات المتعاقدين على الشراء للبناء، والباقي بقروض مصرفية، ويشتكون منذ فترة من تعاقدهم مع عملاء على أقساط طويلة لمدة تصل لسبع سنوات تتغير فيها الفائدة ما يقلل من هامش أرباحهم، على حد قولهم.

حتى المطالب الخاصة بفتح البناء في القرى والمراكز، لا تخل من تلك الطبيعة الفئوية أيضا، إذ من شأنها أن تحرك الطلب على الحديد بالوقت الذي تعاني فيه شركات محلية عملاقة من دعوى إغراق في السوق الأوروبية، الأمر الذي من شأنه التأثير على حجم صادراتها.

اقتراحات ريعية.. ما الجديد؟

تركزت غالبية المقترحات في تعزيز الإيرادات الريعية دون وضع قواعد اقتصاد صناعي حقيقي، منها تقديم المزيد من الحوافز للمواطنين المصريين بالخارج، لتعزيز وزيادة تحويلاتهم الخارجية بالعملة الصعبة إلى داخل البلاد لرفع الاحتياطي النقدي الأجنبي بمصر، ومن ثم حل مشكلات العملة الصعبة فيها.

ويقصد بالموارد الريعية اعتماد الدول على إيرادات تأتي من خارج اقتصاد البلد مثل تحويلات العاملين بالخارج أوالسياحة، أو العوائد المتصلة بالموقع كقناة السويس بمصر، أو على المواد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي.

من بين المقترحات منح حوافز مالية بالجنيه لمن يحول إيراداته للدولة من الدولار بجانب استمرار تحرير سعر الصرف، وإجراء دراسة في بعض الدول الأوروبية بهدف قياس انطباعات السياح عن مصر وبيان الأسباب التي أدت إلى عدم عودتهم للزيارة مجددا، وتقديم مزيد من الحوافز للأجانب الذين يرغبون في الإقامة بمصر.

بالتالي لم تخرج الاقتراحات عن المصادر الريعية المعتادة للعملة الصعبة من سياحة وتحويلات العاملين بالخارج، بينما ارتبط التصدير كمورد دولاري بوجود دعم كبير للصادرات من الحكومة.

من بين الاقتراحات التي استجاب لها مدبولي فورا تشكيل مجموعات متخصصة للعمل جنباً إلى جنب مع مجلس الوزراء في كل قطاع على حدة بالبدء بالسياحة، بدعوى أنه القطاع الأسرع من حيث العائد من العملة الصعبة بوقت قصير جداً.

وحتى فكرة دعم التصدير عليها تحفظات قطاع من خبراء الاقتصاد، الذين يرون أن الأفضل تقديم خفض لتكاليف ممارسة الأعمال من جمارك ضرائب على المصدرين والمنتجين وتقليل الأعباء علي مجتمع الأعمال، لانه يضمن استفادة الجميع دون تركيز الدعم لفئة بعينها.

لكن مدبولي وعد بمراعاة مقترحات دعم التصدير في البرنامج الجديد لرد أعباء الصادرات خلال الأشهر الثلاثة الأولي من عام 2025، بحيث يتضمن تقديرا للرقم المطلوب ووضعه ضمن موازنة العام المالي الجديد، بجانب معايير استحقاق هذه المبالغ الخاصة برد الأعباء التصديرية، بحيث تضم تحفيز عدد من القطاعات المعنية، كما يتم صرف هذه المبالغ للمصانع التي تزيد من حجم استثماراتها.

البحث عن مزيد من التمكين

أجمع جميع الحضور على ضرورة تخفيض الفائدة، رغم أن رئيس الوزراء ليس له علاقة بذلك الملف فهو من صميم عمل محافظ البنك المركزي بينما كان هشام طلعت مصطفى، الأقوى في لهجة الانتقاد حينما قال إن الهياكل التمويلية للشركات، لن تتمكن من تحمل الفائدة المرتفعة التي تصل إلى 32%.

أضاف أن القطاع الخاص ليس مسئولًا عن التضخم، قائلاً: «إحنا بندفع فاتورة إحنا مالناش ذنب فيها، ارتفاع أسعار الطاقة وتحريرها كان سببًا رئيسيًا، وكذلك السيولة الزائدة، وغيرها من العوامل”.

نجيب ساويرس الذي غاب عن الاجتماع اكتفى بالتأكيد على كلام طلعت مصطفى قائلاً في تدوينة على موقع “إكس”، إن هناك خسائر دائمة خاصة في قطاع البناء والتنمية العقارية لأن التضخم والفوائد تأكل الأرباح، وتسبب خسائر وارتفاع تكلفة البناء”، على حد قوله.

الرغبة في بيع الأصول

أظهر اللقاء رغبة كبيرة من القطاع الخاص بمصر لبيع الأصول وتخارج الدولة من الاقتصاد بشكل تام، وكان من بين الاقتراحات التي تصب بهذا المجال وتثير الجدل مقترح للتخلص من الدين العام المحلي بتأسيس صندوق جديد بمصر تابع للبنك المركزي بنسبة 60 أو 70% للبنك والباقي للقطاع الخاص، وبيع كل شركات وأراضي الدولة لذلك الصندوق ما سيؤدي إلى إسقاط مديونية الدولة.

كان صاحب الاقتراح حسن هيكل، رجل الأعمال المتخصص في الاندماجات والاستحواذات، والذي استشهد بما حدث بإسبانيا وإيطاليا واليونان منذ 12 عامًا حيث كانت على مقربة من إعلان إفلاسها إلا أن البنك المركزي الفيدرالي الأوروبي تدخل حينها لشراء كامل المديونيات الخاصة بالبنوك والاستثمارات والأصول.

ربط القطاع الخاص تطوير قطاع مثل الطيران المصري بزيادة الاعتماد عليه بالإدارة والتشغيل خاصة أصول ذلك القطاع المهم، على أن تعمل الحكومة كمنظم فقط، وهو ما أيده مدبولي على الفور، قائلًا إنه أبلغ وزير الاستثمار بأنه “لا يريد مطارا واحد تحت إدارة القطاع العام”.

عمر مهنا، رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد، الذي كان قبل شهر واحد فقط بنكا حكوميا صرفًا قبل طرحه في البورصة، أكد  ضرورة إسراع الدولة بالخروج من النشاط الاقتصادي، بما يسهم في إقناع الاستثمارات الأجنبية بدخول السوق المصرية بشكلٍ أكبر، مؤكدًا أن الحكومة قد أنجزت الكثير في مجال توطين الصناعة، ولكن يجب ألا يكون ذلك على حساب إحلال الواردات بصورة مُبالغ فيها.

الشركات تتخارج.. ولا حلول مطروحة

حمل اللقاء مفاجأة في الكشف عن خروج 2360 شركة في النصف الأول من العام الجاري 2024 من مصر إلى الإمارات بسبب التسهيلات في بيئة الأعمال هناك، وهو تصريح جاء على لسان محمد الإتربي الذي حضره ليس بصفته فقط رئيس البنك الأهلي المصري، ولكن رئيس اتحاد بنوك مصر.

ورغم ضخامة الرقم لم يتم التطرق طويلا عن أسباب ذلك الخروج واستعادة تلك الشركات مجددا للعمل في البيئة المصرية والتعقيدات البيروقراطية التي عانوا منها على مستوى التمويل وسعر صرف العملة، وغير ذلك.

القطاع المصرفي.. المتهم البرئ

يقول الدكتور رمزي الجرم، الخبير المصرفي، إن اللقاء شهد تحميل البعض الجهاز المصرفي المسئولية لكن ذلك القطاع لم يَكُن سببًا في استدامة الأزمة الحالية بل كان أحد ضحاياها؛ من مُنطلق ارتفاع تكلفة الأموال لدى البنوك بشكل غير مسبوق، على خلفية مَنح عائد دائن مرتفع على الودائع الادخارية الضخمة. ويوضح أن ذلك سبب تَقَلُص معدل الإقراض بشكل ملحوظ جدًا نتيجة عدول القطاع العائلي والشركات عن الاقتراض بالمعدلات الحالية مُرتفعة العائد، وأضاف أنه لولا عطاءات أذون الخزانة التي يطرحها البنك المركزي باستمرار؛ لكانت الأمور أكثر سوءًا على القطاع المصرفي بأكمله.

شدد الجرم على أن جميع الخبراء أكدوا مرارا وتكرارا، أن آلية الفائدة لاستهداف التضخم لا يمكن أن تستمر لفترة طويلة نظرا لانعكاس ذلك على عدم توفير  أموال للمشروعات والكيانات الاقتصادية الأخرى ما يقلص حجم الإنتاج وقدرة القطاع الخاص على المساهمة بعمليات التنمية، بل أيضا خروج المستثمرين لأسواق أخرى.