كتب- سمير عثمان
أيام قليلة ويتسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ومع اقتراب ترامب للسلطة، بدأت التساؤلات المطروحة حول موقفه من التغيرات المناخية، وما يمكن أن يقوم به، خاصة أن ترامب معروف عنه، أنه غير معترف بالتغيرات المناخية، ووصفها بأنها “خدعة”.
بعد إعلان فوزه في الانتخابات الأمريكية، أدلى الرئيس الأمريكي الجديد بالعديد من التصريحات، كان منها تعهده بالانسحاب من اتفاقية باريس “بشأن التغيرات المناخية الموقعة عام 2016” للمرة الثانية، بعدما انسحب منها في 2017 خلال ولايته الأولى، وتقوم اتفاقية باريس على المساهمات الوطنية المحددة المقصودة لخفض الانبعاثات، وهي التزامات طوعية، تعهدت كل دولة باتخاذها للحد من تغير المناخ.
انضمت الولايات المتحدة الأمريكية خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، إلى اتفاقية باريس، وتعهد أوباما آنذاك بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 26٪ على الأقل عن مستويات عام 2005، كما طرح خطة الطاقة النظيفة في عام 2014، ووضع لوائح تهدف إلى الحد من غازات الاحتباس الحراري.
الآن، ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أصبح الهدف الذي تسعى إليه جميع الدول وهو الحفاظ على درجة الاحتباس الحراري، ما دون 1.5 درجة مئوية، هدفًا بعيد المنال، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية، واحدة من أكبر الدول في العالم المسببة للاحتباس الحراري، والمساهمة في الانبعاثات الضارة.
وفقًا لمركز أبحاث وسياسات اقتصاديات الطاقة، فإن الصين تصدرت قائمة الدول الأكثر تلويثًا للبيئة في العالم خلال عام 2022، بما يقرب من 10 مليارات طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 4.5 مليارات طن.
وفقًا للاتفاقية، فإنه لا توجد أي عواقب قانونية للانسحاب منها، لأنها ليست ملزمة قانونًا، وتنص شروط اتفاقية باريس، على أنه في حالة الانسحاب يجب تقديم إشعار مسبق بأربع سنوات للانسحاب بشكل قانوني، ومع ذلك، إذا انسحبت دولة قبل الأوان، فلن تكون هناك عقوبات أو جزاءات.
تداعيات سياسية واقتصادية
وعلى الرغم من عدم وجود عواقب قانونية، إلا أن قرار الانسحاب إذا ما اتخذه ترامب، سيكون له سلسلة من التداعيات السياسية والاقتصادية على المستويين المحلي والدولي، في حين أن الشعب الأمريكي سيواجه خسارة كبيرة؛ لأن الاقتصاد الأخضر بالفرص والوظائف التي يمكن أن يقدمها ستذهب إلى دول أخرى على رأسها الصين.
وفي الوقت الذي تعد فيه الولايات المتحدة من أكبر الملوثين للبيئة، إلا أنها الأقل تأثرًا بهذا التلوث، وتصدرت بنجلاديش الدول الأكثر تلوثًا للهواء في عام 2023، تلتها باكستان، والهند ثالثًا، فيما جاءت 3 دول عربية ضمن الدول الـ 10 الأكثر تلوثًا في العالم، وذلك وفق تقرير تلوث الهواء الذي تصدره مجموعة مراقبة الهواء “آي كيو إير” سنويًا.
يقول الدكتور مصطفى الشربيني، سفير ميثاق المناخ الأوروبي، إن ترامب أعلن في وقت سابق عام 2017، الانسحاب من اتفاقية باريس، وكان القرار خطوة غير مسبوقة في مجال العمل المناخي الدولي، حيث حمل هذا الانسحاب تداعيات عميقة على الصعيدين الدولي والمحلي.
وتابع الشربيني لـ “مصر 360″، أنه وفقًا لنصوص اتفاقية باريس، يمكن لأي دولة طرف الانسحاب، ولكن بشرط مرور ثلاث سنوات على انضمام الدولة للاتفاقية، وبعدها تقديم إشعار رسمي، ليصبح الانسحاب نافذًا بعد سنة واحدة من الإشعار، وهو ما يجعل العملية، تستغرق أربع سنوات كحد أقصى، مما يمنح المجتمع الدولي فرصة للتعامل مع تبعات القرار.
وأضاف: هناك تداعيات دولية للانسحاب تشمل تراجع القيادة الأمريكية في القضايا البيئية العالمية، حيث كانت الولايات المتحدة تُعد قوة محورية في إقناع الدول بالانضمام إلى الاتفاقية، وتحقيق أهداف خفض الانبعاثات، وبالتالي فإن انسحابها قد يؤدي إلى تقويض ثقة الدول الأخرى في الاتفاقية وقدرتها على تحقيق أهدافها.
وأضاف سفير ميثاق المناخ الأوروبي، أن القرار من شأنه تشجيع دول أخرى على الانسحاب، وخصوصًا الدول النامية أو تلك التي تعتمد بشكل كبير على الصناعات الملوثة، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى التراجع عن التزاماتها أو تقليص أهدافها المناخية، مما يهدد بتسارع ارتفاع درجات الحرارة العالمية وفقدان الزخم المطلوب؛ لتحقيق أهداف الحد من الاحتباس الحراري عند 1.5-2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وأضاف الدكتور الشربيني، أنه على الصعيد المحلي، فإن الانسحاب يضع الولايات المتحدة في موقف حرج، حيث قد يؤدي إلى تراجع في الابتكار الأخضر وتقليل الاستثمار في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة، وهو ما يهدد بفقدان ملايين الوظائف المرتبطة بهذه الصناعات المزدهرة عالميًا، كما قد يؤثر على الموقف التنافسي للصناعات الأمريكية، خاصة مع اتجاه العديد من الأسواق العالمية نحو فرض قيود على الكربون أو فرض رسوم على المنتجات ذات البصمة الكربونية المرتفعة، مما يزيد من عزلة الشركات الأمريكية في الأسواق الدولية.
ومن الناحية الاقتصادية، أشار الشربيني، إلى أن الانسحاب قد يؤدي إلى خسارة الفوائد طويلة الأجل المرتبطة بالانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، حيث تظهر الأبحاث أن الاستثمار في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة لا يقتصر على مواجهة التغير المناخي فحسب، بل يعزز من النمو الاقتصادي والاستدامة المالية، بالإضافة إلى زيادة تكلفة الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ، حيث أشارت التقارير إلى أن الولايات المتحدة تتحمل بالفعل مليارات الدولارات سنويًا؛ نتيجة الأعاصير والحرائق وارتفاع مستوى سطح البحر، والتي يُتوقع أن تتفاقم مع تجاهل العمل المناخي.
تأثيرات على مكانة أمريكا
وأوضح أنه من الناحية السياسية، فإن القرار يهدد بفقدان الولايات المتحدة لمكانتها كقوة قيادية دولية، حيث كانت الاتفاقية رمزًا للتعاون الدولي والشمولية، وقد يؤدي هذا إلى تعزيز قوة منافسين، مثل الصين والاتحاد الأوروبي اللذين يسعيان للعب دور أكبر في قيادة الجهود المناخية العالمية، كما يمكن أن يؤدي إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، الذين يعتبرون تغير المناخ تهديدًا أمنيًا وبيئيًا رئيسيًا.
عواقب اجتماعية داخلية
وشدد على أن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية، يحمل عواقب اجتماعية وبيئية جسيمة، حيث ستتأثر المجتمعات الأكثر ضعفًا داخل الولايات المتحدة وخارجها، خاصة في الدول الجزرية والفقيرة، التي تعتمد على التعاون الدولي والتمويل المناخي للتكيف مع آثار تغير المناخ، منوهًا أنه قد يسبب تفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة، حيث تتأثر المجتمعات ذات الدخل المنخفض والعرقيات الأقلية بشكل أكبر بالكوارث الطبيعية وتلوث الهواء.
تغييرات متوقعة
وفقًا لتقرير “آي كيو إير“، فإن 9 مدن من أصل 10 الأكثر تلوثًا في العالم هي مدن هندية، وذلك وفقًا لعام 2023، وجاء على رأسها مدينة بيجوساراي.
ووفقًا لدراسة أعدها مركز المستقبل للدراسات، فإن هناك عدة تغييرات متوقعة في سياسات المناخ خلال تولي ترامب فترة حكمه الثانية، منها الانسحاب من اتفاقية باريس، وهذا من شأنه إضعاف الالتزامات العالمية تجاه المناخ وتقليل دور الولايات المتحدة في قيادة العمل المناخي، بالإضافة إلى توسيع عمليات التنقيب عن النفط والغاز، وإضعاف قواعد محطات الطاقة، وإلغاء رسوم الميثان، وهذا كله من شأنه زيادة الانبعاثات وتهديد النظم البيئية والصحة العامة.
كما تضمنت التغييرات، إلغاء دعم الطاقة النظيفة، وتقليص حجم المعالم الوطنيةوتقليص حماية الأنواع المهددة بالانقراض، وإلغاء قواعد الإفصاح المناخي، وإلغاء قيود انبعاثات السيارات، وتجميد شراء الطاقة النظيفة على المستوى الفيدرالي، وكل هذه التغييرات ستؤدي إلى تأثيرات مختلفة على البيئة المحيطة.
في تقرير أصدرته منظمة السلام الأخضر عن تكاليف استخدام الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز خلال عام 2020، أكد التقرير أن هناك 4.5 ملايين حالة وفاة مبكرة كل عام؛ بسبب تلوث الهواء، فضلًا عن خسارة 8 مليارات دولار، بما يعادل 3.3 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تفقد كل يوم بسبب انخفاض متوسط العمر المتوقع والأمراض التي تؤدي إلى زيارة المستشفيات.
كما رصد التقرير 40 ألف حالة وفاة لأطفال، ما دون الخامسة؛ بسبب التعرض للجسيمات من الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى 1.8 مليار يوم عمل ضائع؛ بسبب الأمراض المرتبطة بالجسيمات، مما أدى إلى خسائر اقتصادية بقيمة 101 مليار دولار.