“فقدت إيماني بالدين فماذا أفعل؟”.. تلك المقولة التي تتردد على عقل من رأى في نفسه تراجع عن أفكار دينية قد أعتنقها أو آمن بها في فترة ليست قليلة من حياته، أفكار ومشاعر وتساؤلات تُطرح على عقله يتردد في البوح بها، هو يعلم أن طرحها في العلن قد يُشعل صراعًا وغضبًا من الجميع، ولكن هذا لن يُجبره يومًا عن التراجع.
تعيش الدول العربية، خلال السنوات الأخيرة حالة من الصدمة الفكرية، بسبب نسب الإلحاد التي بدأت تظهر في عدد من التقارير الحقوقية منها والدولية، كان أخرها التقرير الأمريكي الذي انتقد وضع عدد من الدول العربية في ملف الحريات الدينية.
وما زال المجتمع العربي المحافظ بأغلبيته لا يتقبّل الأشخاص الذين يعبرون عن أنفسهم كملحدين علنًا، برغم أنه يتقبل عدم ممارسة الأفراد للتعاليم الدينية في بعض الدول العربية، إلا أنه غالبًا ما تحرّم القوانين إهانة الدين.
وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في مادته الثامنة عشرة، على حق كل إنسان في حرية الاعتقاد والفكر والضمير والعبادة، وعلى تحريم جميع أشكال التمييز والاضطهاد على أسس دينية.
تقرر المادة 64 من الدستور المصري أن “حرية الاعتقاد مطلقة”
في مصر قد يقودك إلى السجن
في عام 2012، شهدت مصر أول قضية لملحد مصري الجنسية يدعى ألبير صابر، الذي حكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات، بعد إعلانه إلحاده بشكل علني، لكنه اضطره إلى الفرار من البلاد خلال حكم الاستئناف، واتهم بتهمة ازدراء الأديان وغيرها من التهم، عقب استخدامه لصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للإعلان عن إلحاده.
ومنذ هذا التاريخ توالت الملاحقات الأمنية لعدد ممن أعلنوا إلحادهم بشكل علني، وشهدت مصر خلال السنوات الأخيرة،وتحديدًا عقب ثورة 25 من يناير تواتر في أعداد الملحدين الذين أعلنوا عن نفسهم صراحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت الفترة من 2011 إلى 2013، غنية بتلك النوعية من القضايا، فأدانت المحاكم 27 من أصل 42 متهمًا بتهمة ازدراء الأديان، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وبرأ القضاة ثلاثة من المتهمين وأسقطوا التهم عن 11 آخرين لعدم توجيهها من مختص.
وخلال عام 2016 وحتى ديسمبر 2017، رصدت المبادرة المصرية نحو 30 قضية وجهت النيابة العامة في جانب كبير منها، اتهامات لمنتمين للأقليات الدينية تتعلق بازدراء الأديان والإساءة للذات الإلهية.
وفى عام 2017، أعلنت محكمة الأسرة في مصر زيادة دعاوى الطلاق القضائية التي تلقتها بسبب “إلحاد الزوج أو تغيير العقيدة” إلى 6500 قضية تم تسجيلها خلال العام 2015.
ويعاقب الملحدون بالسجن على خلفية المادة 98 من قانون العقوبات بالحبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات، وغرامة من 500 إلى ألف جنيه مصري، على كل من استغل الدين في الترويج “لأفكار متطرفة” بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الإضرار بالوحدة الوطنية.
وتقرر المادة 64 من الدستور المصري، أن “حرية الاعتقاد مطلقة”، كما تعد مصر طرفًا في معاهدات حقوقية، تشمل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، تلزم حكومتها باحترام وحماية حرية الاعتقاد والدين وحرية التعبير، بدون أي تمييز.
سبة الإلحاد في المملكة العربية السعودية تتراوح ما بين 5 إلى 9 بالمئة
في السعودية.. تصل عقوبته للإعدام
في إحصائية صادمة للمجتمع العربي عامة والسعودي خاصة، أظهرت دراسة أعدها معهد غالوب الدولي عام 2012، أن نسبة الإلحاد في المملكة العربية السعودية تتراوح ما بين 5 إلى 9 بالمئة من مجموع عدد سكان المملكة.
هذه النسبة هي الأكثر ارتفاعًا مقارنة مع دول عربية حتى مع تلك التي تعرف بميولها العلمانية كتونس ولبنان، الدراسة بينت أن نسبة الإلحاد في هاتين الدولتين لا تتجاوز 5 بالمئة من مجموع السكان.
حالة من الجدل والتشكيك والهجوم أيضا لاحقت تلك الإحصائية في الإعلام السعودي، فيما أصدرت المملكة مراسيم ملكية وتشريعات عام 2017، خاصة بالإرهاب، تدرج فيها الملحدين. وقالت منظمة “هيومان رايتس واتش” إن نص تعريف الإرهاب طبقاً للمادة الأولى من القوانين الجديدة في السعودية شمل الدعوة للفكر الملحد بأي شكل من الأشكال أو التشكيك في ثوابت الدين الاسلامي التي يستند إليها هذا البلد.
وفي عام 2016 حكم على المدون والشاعر الفلسطيني المقيم في السعودية أشرف فياض بالإعدام من قبل إحدى المحاكم السعودية بتهمة الإلحاد.
وفي تصريحات صحفية لرئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في الرياض، أنور العشقي، أكد أن هذه الظاهرة “تسللت إلى المجتمع السعودي نتيجة عدة عوامل، من أبرزها التطبيق المتشدد لمبادئ الديانة الإسلامية في المجتمع السعودي والتربية الصارمة التي يتلقاها الأبناء داخل الأسر وفي المجتمع، والتي تولد ردود فعل عكسية بدفعهم إلى الإلحاد عوض التدين المفرط”.
ويضيف رئيس مركز الدراسات، في تصريحاته لفرانس 24، أن وسائل الإعلام الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا محوريا في انتشار الظاهرة لأنها خرجت بهذه الأفكار من السرية إلى العلن وأضفت عليها بعدا واقعيا، وضمنت وسائل الاتصال الحديثة انتشارا أوسع لهذه الأفكار في كل طبقات المجتمع السعودي التي أصبحت تتفاعل فيما بينها بشكل أكثر حيوية مما كانت عليه من قبل.
وفسَّر براين ويتيكر، مؤلف كتاب «عرب دون إله»، خطوة الإلحاد بأن السعودية «ترتكز بشكل أساسي إلى الشرعية الدينية، ويضرب قانونها بجذور النظام في الوهابية الإسلامية»، مضيفًا: «في المملكة، أن تكون ملحدًا يعني أن تكون ثوريًّا، وإذا تُرِك الإلحاد وشأنه لن يستمر النظام في الحكم».
لا يوجد نص قانوني صريح يجرم تغيير الدين في المغرب
المغرب يتألم
لا توجد إحصاءات دقيقة حول تعداد اللادينيين والملحدين في المغرب، ومعظمها صادر من مؤسسات وجهات خارج البلد، وغالباً ما يتم التشكيك في دقتها، إذ عادة ما تكشف عن عدد قليل من المصرحين بهذه الفئة، الذين يظلون حذرين من المجاهرة بقناعاتهم الاعتقادية، في ظل حضور قوانين تجرم بشكل أو بآخر تغيير أو تخلي المغاربة عن ديانتهم الإسلامية.
وخلال العام الماضي 2019، أثار نص “مذكرات كافر مغربي” لهشام نوستيك، العديد من ردود الفعل المتباينة ما بين الإشادة والهجوم. وفقد حقق الكتاب مبيعات كبيرة منذ صدوره، ويحكي الكتاب الذي يتكون من 170 صفحة، بلغة دارجة مغربية، عن وقائع يقول إنها حقيقية، ليوميات شاب فقير يتيم الأبوين، يسرد قصة انتقاله من الإيمان إلى الإلحاد، وكل ما شاب ذلك الانتقال مع ما عاشه صاحب المذكرات، ليصل إلى تلك النقطة، أي كتابة تلك المذكرات.
وأفاد مسح استطلاعي قامت به مؤسسة بي بي سي “البارومتر العربي” خلال العام الماضي 2019، إذ صرح 13% من المستجوبين بأنهم غير متدينين، وهي نسبة مرتفعة قياساً بعام 2013 “8%”، أما إحصاءات معهد غالوب-وين لعام 2015، فتفيد بأن 1% من المستجوبين صرحوا بإلحادهم، و4% عبروا عن عدم تدينهم.
ينص الدستور المغربي على أن البلاد مملكة إسلامية، وهذه الصيغة في شكلها التشريعي المؤثر، تحدد طبيعة قانون البلاد، الذي ينهل تشريعاته من الشريعة والفقه الإسلامي، حسب المذهب المالكي الرسمي.
لكن رغم ذلك، لا يوجد نص قانوني صريح يجرم تغيير الدين في المغرب، وفي المقابل وضع المُشرع المغربي نصوصًا لفرض الممارسة الدينية، وعدم خرقها علانية، هكذا نجد الفصل 222 من القانون الجنائي، الذي يجرم الإفطار العلني في يوم رمضان لمن عرف إسلامه، مجازيًا خارقه بالسجن من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة مالية من 12 إلى 120 درهمًا.
أحكام بالإعدام في موريتانيا
في عام 2013، أصدرت ثلاث دول أعضاء في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان، هي باكستان وموريتانيا وجرز المالديف تشريعات تنص على عقوبة الإعدام لمن يكفر بالإسلام، وهي تهمة يمكن أن توجه إلى الملحدين الذين يجاهرون بأفكارهم، وفي عام 2014 حكم على الكاتب الموريتاني محمد شيخ ولد محمد، بالإعدام بتهمة الكفر والردة.
يصعب تحديد عدد الملحدين في المنطقة العربية لغياب الدراسات وللسرية التي تحيط بهم
أزمة في إحصاء الملحدين
يصعب تحديد عدد الملحدين في المنطقة العربية لغياب الدراسات وللسرية التي تحيط بهم، كشفت دراسة أجراها “منتدى بيو فوروم للدين والحياة العامة” Pew Forum، وهو مركز دراسات وأبحاث أمريكي متخصص بالأديان والمعتقدات، في أكثر من 230 دولة طوال عام 2010 وصدرت نتائجها عام 2012 أن “الإلحاد” أصبح “الديانة” الثالثة من حيث العدد في العالم بعد المسيحية والإسلام.
وكشفت الخارطة، أن أقل نسبة ملحدين موجودة في الشرق الأوسط، حيث لا يزيدون على 2% (2.1 مليون) من مجموع مليار ومئة مليون ملحد في العالم، لاسيمّا أن أكبر عدد مؤمنين ما زال في الشرق الأوسط.
وفي ديسمبر 2014، استشهدت دار الإفتاء المصرية بإحصائية غامضة، وأعلنت وفقًا لما جاء فيها أن عدد المصريين المُلحدين يبلغ 866 شخصًا، لكن الإحصائية ذاتها أبرزت أرقامًا بنفس الدقة عن أعداد الملحدين في البلدان العربية الأخرى.
بحسب تلك الإحصائية، يبلغ عدد الملحدين في المغرب 325، و320 في تونس، و242 في العراق، و178 في السعودية، و170 في الأردن، و70 في السودان، و56 في سوريا، و34 في ليبيا، و32 في اليمن، ممَّا يعني وجود 2,293 ملحدًا بين 300 مليون مواطن عربي، فهل هذه الأرقام صحيحة.
وذكر باحثٌ أمريكي (ماريوان صاليحي) Mariwan Salihi على موقعه أن نسبة الذين لا يؤمنون بوجود الله أو يشككون فيه قد بلغت 32% في العراق. في حين أفاد “تحالف الإلحاد الدولي” أن عدد أعضائه العرب تزايد بعد الثورات العربية (333 مصرياً و221 تونسياً). لكن مهما اختلفت الأرقام، يبقى أن الإلحاد جذب انتباه العديد من الحكومات العربية.