يبدو أن المحاميات لسن كما يظهرن أمام المجتمع، فارتدائهن للبالطو الأسود، وطريقة دفاعهن، تجعلك تنظر لهن بعين الريبة من قوة تلك الفتاة وصمودها في مشهد يراه الكثير أنه مهيب، لكن قصص بعضهن وما يعانونه من ضغوط مجتمعية وتنمر وسخرية جعلتهم يفكرون كثيرًا في ترك مصدر رزقهن، تجعلك تعيد النظر لتفكر في الأجواء الضبابية التي تعمل فيها المحاميات في مصر.
انضمت النساء المصريات، مبكرًا للعمل بمهنة المحاماة، كما التحقن بنقابة المحامين، منهن السيدة “نعيمة إلياس الأيوبي”، والسيدة “مفيدة عبد الرحمن”، التي عملت بالمحاماة عقب تخرجها، وانضمت لنقابة المحامين، وكانت أول محامية تُقيّد أمام محكمة النقض، كما كانت أول سيدة تنضم للجان تعديل القوانين، وأول محامية في العالم العربي تترافع أمام المحاكم العسكرية.
محاميات بلا حقوق
وصفت عزيزة الطويل المحامية بالمجال الحقوقي، مهنة المحاماة بالصعبة جدًا، والتي تزداد صعوبة على المرأة لعدة أسباب منها: “ظروف المهنة والتردد على الأقسام والنيابات والمحاكم، بالإضافة إلى مسافات المحاكم البعيدة، إلى جانب الأجور التي وصفتها بالزهيدة، فضلا عن ساعات العمل التي قد تمتد إلى منتصف الليل”.
وترى الطويل، أنه لهذه الأسباب أغلب المحاميات يتركن المهنة ولا يستطعن إكمال مشوارهن المهني، بالإضافة إلى تفضيل أغلب الموكلين الذهاب إلى المحامي لا المحامية، بالإضافة إلى دور النقابة التي تراها الطويل أنها تمييز بين أبناء المهنة الواحدة نظرا لاختلاف الجنس، فالنقابة تميل للتمييز لصالح المحاميين ضد المرأة، رغم مساواتهم في كل شيء في دفع الاشتراكات والخضوع للقانون وأيضا استخدامه والمرافعات، لكن في الحقيقة ورغم كل هذا فحقوق المحاميات حتى في التمثيل النقابي مهدور.
تنمر وسخرية
المحامية الحقوقية فاطمة سراج، تتذكر أزمتها النفسية قبل لجؤها إلى المجال الحقوقي، قائلة: “بعد تخرجي من كلية الحقوق والتحقت بمهنة المحاماة، وجدت أنني من المفترض أن أترافع عن بعض الأناس الذين يرتكبون جرم بحق الناس والمجتمع، ورغم اقتناعي التام بأنه لكل متهم حق الدفاع عن نفسه، لكني شعرت أن دفاعي عن جرائم القتل والسرقة يخالف مبادئ وهذا ما جعلني اتجه للمجا الحقوقي”.
لكن سراج لم تحصل على الراحة التي ظنت أنها ستجدها بمجرد التوجه للمجال الحقوقي، إذ تعرضت للكثير من التنمر من زملاء المهنة الرجال الذين يرون أن هذه النوعية من القضايا غير مؤهله بأن تترافع فيها نظرًا لكونها امرأة.
تؤكد المحامية الحقوقية، أنها فكرت كثيرًا في ترك المهنة، التي سببت لها الكثير من المتاعب والتنمر والسخرية التي قابلتها على مدار يومها في العمل سواء من زملاء المهنة أو سكرتارية المحاكم أو في الأقسام والنيابات، تلك الأجواء الضاغطة تجعلها تفكر كثيرا في ترك المهنة.
وأشارت إلى أنه في الأغلب يذهب الموكل للمحاميات في قضايا الأسرة مثل الطلاق والنفقة وغيرها، وهذا يعود لطمأنه السيدات للمحاميات في هذه القضايا أكثر من المحاميين.
“هناك نظرة نمطية مترسخة في أذهان المجتمع في كل المهن تقريبًا فيميلون للتعامل مع الرجل”.. المحامية الحقوقية انتصار السعيد
نظرة نمطية
ترى المحامية الحقوقية، انتصار السعيد، أن نسبة ليست كبيرة من المحاميات استطعن تحقيق شهرة داخل مهنة المحاماة، وهذا يعود إلى النظرة النمطية التي ينظر بها المجتمع للمرأة، حيث تمثل أغلب فئات المجتمع للجوء إلى المحاميين أكثر من المحاميات.
وأضافت السعيد: “هناك نظرة نمطية مترسخة في أذهان المجتمع في كل المهن تقريبًا، سواء كانت محامية صحفية طبيبة وحتى الحرف، ففي الأغلب يميلون إلى التعامل مع الرجال”.
المرأة المحامية في الأرياف تعاني من تميز مضاعف عن المدن
تحرش جنسي
أما سامية عبد الهادي، والتي تعمل محامية بأحد القطاعات التابعة لوزارة الإسكان، تؤكد على التمييز الذي تتعرض له النساء المحاميات داخل مكان العمل الواحد، فحتى لو كانت المرأة المحامية تتحمل الكثير من العمل الشاق والمرهق والذي يمتد لساعات طويلة، فإن الترقيات إذا جاءت تكون في الأغلب من نصيب المحاميين الرجال بنسبة 90%.
وتضيف عبدالهادي: “من حوالي 4 سنوات تعرضت لواقعة تحرش داخل مكان العمل، ورغم أن هناك زملاء حضروا الواقعة لكنهم رفضوا الشهادة معي من منطلق أنه أخطأ لكنه معه أولاد ولن نشارك في إيذائه”.
من ناحية أخرى تقول المحامية هدى خضر المتخصصة في القضايا المدنية والأسرية، أن المرأة المحامية في الأرياف تعاني من تميز مضاعف عن المدن، ففي الأرياف حتى الأن لا يقتنعون بمهنة المحاماة للمرأة، بالإضافة إلى أن هناك قضايا بالفعل في قضاياه معينه مثل الجنايات، فهم يرون أن تلك القضايا تحتاج لمحامي وليس محامية، بالرغم من وجود محاميات جنائيات على قدر هائل من المهنية مثل الأستاذة بشري عصفور رحمه الله عليها ام باقي القضايا فمن الممكن أن يلجأ لمحامية.
من أشهر وقائع العنف الجنسي التي وقعت على المحاميات ما تعرضت له المحامية هدى عبد الوهاب في مارس عام 2017
العنف الجنسي
وتحت عنوان”للمحاميات أيضًا الحق في العدالة”، نشرت مؤسسة نظرة للدراسات النسوية في ديسمبر عام2018، دراسة بحثية عن الأزمات التي تقابل المحاميات أثناء عملهن، وجاء في الدراسة أن جرائم العنف الجنسي الفعلية أو المحتملة تؤثرعلى عمل المحاميات بشكل كبير، حيث يفضل عدد غير قليل من المحاميات قصر عملهن على الأعمال المكتبية أو رفض العمل بنيابات أو دوائر قضائية معينة تتسم جغرافيا بعدم الاستقرار والأمان، مما يؤثر على خبراتهن وفرصهن في التطور مهنياً ويحد من تواجدهن في المجال العام. بالإضافة لبعض وقائع الاستغلال والتحرش الجنسي من زملائهن المحامين وبخاصة المتدربات منهن وهو ما يحد من ممارسة النشاط النقابي مقارنة بنظرائهن الرجال ويعوق ترشحهن داخل المناصب النقابية.
ومن أشهر وقائع العنف الجنسي التي وقعت على المحاميات، ما تعرضت له المحامية هدى عبد الوهاب في مارس عام 2017، حيث تعرضت للتحرش اللفظي والاعتداء بالضرب من أحد أعضاء مجلس النقابة، أثناء تواجدها في نقابة المحامين المصرية لإنهاء بعض الأوراق اللازمة لتجديد الكارنيه الخاص بالنقابة، ولم يتدخل النقيب أو مجلس النقابة على الرغم من تقديم المحامية هدى عبد الوهاب بلاغ رسمي ضد عضو النقابة، ومطالبة النقيب ومجلس النقابة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة وتأديب عضو المجلس، ولكن دون جدوى.
وهناك جانب آخر من التمييز ضد المحاميات، وإخلال مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات يتمثل في عدم أحقية المحاميات بإضافة ذويهم إلى البطاقة العلاجية والمعاش مقارنة بزملائهم الرجال المحامين.