كتبت- دعاء عبد المنعم

في جلسة يفترض أنها لمناقشة الاتهامات الموجهة له، والنظر في أمر تجديد حبسه، توقف الباحث الاقتصادي المرموق عبد الخالق فاروق لحظات، قبل أن يشكو بمزيج من الوجع والألم لرئيس النيابة الذي يحقق معه الانتهاكات التي يتعرض لها في محبسه، والمتمثلة في التضييق عليه في ساعات التريض، إلى جانب نقله إلى زنزانة أخرى غير التي كان محتجزا بها، ووضعه الصحي المتدهور.

“فاروق” الذي سبق وحاز عضوية مجالس “حكومية “مرموقة، بينها المجلس الأعلى للثقافة، أشار إلى العديد من أوجه التعنت ضده، والتي تمثلت في تعامله مع أحد الضباط الذي وصفهم بـ”السادي صاحب النزعة للتنكيل”، والذي كان سببا في نقله من زنزانته التي يجد فيها أشخاص، يقدر على التواصل معهم إلى أخرى، يقول: “حين طلبت النزول للتريض في الشمس لمدة ساعة؛ بسبب إصابتي ببعض الأمراض الجلدية وفقا للوائح السجون وقوانينها، كان العقاب من نفس الضابط الذي أصدر أمره يوم 10 يناير بـ نقلي من زنزانتي المحاطة بالشباب، والذين يمكنني الاستنجاد بهم لنجدتي وإسعافي في مواجهة أي انهيار صحي”.

ويتابع: “تم نقلي إلى أسوأ قسم في هذا السجن قسم مبنى 11، الدور الثالث والأخير، وتم إخلاء الدور تماما من كل النزلاء (٨ زنازين)، ووضعوني ومن معي في زنزانة مغلقة لمده 23 ساعة، ووقت التريض نتمشى فقط في الممر بجوار الزنزانة، لمدة ساعة فقط دون رؤية الشمس”.

عبد الخالق فاروق البالغ من العمر 68 عاما، والذي يعاني مرض السكر والضغط، إضافة إلى مشكلات في القلب، ليس حالة فريدة، فيما يتعلق بأماكن الاحتجاز المختلفة في مصر، حسب رصد العديد من المنظمات الحقوقية المصرية والعالمية.

وفي حين يوجب الدستور المصري معاملة كل من يقبض عليه، أو يحبس أو تقيد حريته، أن تحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن لائقة إنسانيًا وصحيًا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، كما يقر الدستور، أن السجون دُور إصلاح وتأهيل وتخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي.

اقرأ أيضا : تقرير”دام” السنوي.. تدنٍ ملحوظ للوضع الحقوقي ودوامة الحبس الاحتياطي مستمرة

تبدو الصورة في الواقع مختلفة إلى حد التضاد، مع ما أوجبه الدستور، وكفلته مواده.

الناشط محمد عادل المتحدث الرسمي السابق لحركة شباب 6 إبريل، وصفت منظمات حقوقيةــ تقارب المائة منظمةــ ظروف احتجازه بـ”القاسية واللا إنسانية” وقالت إنه محروم “من الرعاية الطبية الكافية، وذلك بعد احتجازه تعسفياً لمدة خمس سنوات، لمجرد ممارسته حقوقه في حرية التعبير والتنظيم والتجمع السلمي”.

وبعد شكاوى متعددة من محاميه وزوجته، بخصوص حرمانه من المتابعة الصحية اللازمة، تم التعنت معه وحرمانه من أداء الامتحانات، حيث يدرس القانون أثناء فترة سجنه، وأخيرا تم “تغريبه”، وهو مصطلح يعني ترحيل السجناء إلى سجون بعيدة عن محال إقامتهم، ووفق حقوقيين تعطي لائحة السجون الحق للمسئولين بتطبيق عقوبة التغريب بحق السجناء من خلال مواد فضفاضة، ووفق تقديرات شخصية لضباط السجن، وجعلت مصطلح «إثارة الشغب»، عنوانا عريضا، يتم استغلاله ضد المعتقلين السياسيين بشكل موسع.

البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب.. البحث عن “تصديق مصري”

ضمن التوصيات التي تلقتها مصر أثناء فحص ملفها الحقوقي ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل، كانت هناك توصية، من 11 دولة، هي التشيك والدنمارك وإستونيا وغانا والسويد وأوكرانيا وكوت ديفوار ومدغشقر وشمال مقدونيا وسلوفينيا وليختنشتاين، تحث على نظر مصر في التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية.

اقرأ: توصيات وتحفظات وإشادات.. “الملف الحقوقي المصري” في جنيف

والبروتوكول الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة كمعاهدة مكملة لاتفاقية مناهضة التعذيب في 18 ديسمبر 2002، دخلت حيز النفاذ في 22 يونيو 2006.

منذ يناير 2018، بلغ عدد الموقعين عليه 75 دولة من بين 87 دولة طرفا فيها، ليس من بينها مصر، التي وقعت على الاتفاقية، لكنها لم تصدق عليها لتدخل مجال التنفيذ الفعلي.

مصر أيضا لم تعتمد تعريفا لـ”التعذيب ” يتفق ويتماشى مع المادة الأولي من الاتفاقية سابقة الذكر، وقد أوصت كولومبيا باعتماد التعريف ضمن العرض السابق الإشارة إليه.

في تقريره المعنون، “لم أعد احتمل” يقول المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان، إن “التعذيب في مصر من الجرائم الواسعة الانتشار، وتمارس بطريقة ممنهجة ومتعمدة ومستمرة في أماكن الاحتجاز والسجون وأقسام الشرطة ومقرات الأجهزة الأمنية”.

الناشط السياسي حسن بربري الذي أمضى السنوات الثلاث الماضية في أحد السجون، قال إنه تعرض للضرب ووضع في زنزانة صغيرة، دون تهوية كافية، وحُرم حتى من دخول المرحاض، حسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال“.

والأمر ليس قاصرا على السياسيين والنشطاء، ولعل قضية تعذيب “عماد الكبير” التي اشتهرت إعلاميا في عام 2006، تمثل نموذجا دالا، وإن كانت هذه القضية تحديدا، انتهت “نهاية منصفة”، حيث تم الحكم بحبس الضابط إسلام نبيه الذي قام بتعذيب السائق عماد الكبير بـ”إدخال العصا في دبره”.

الإهمال الطبي

الإطلالة على مشهد “أماكن الاحتجاز”، تتطلب توقفاً مطولا عند ظاهرة الإهمال الطبي، التي عانى وشكا منها مئات المحبوسين والسجناء السياسيين والجنائيين.

اقرأ: “عيادات السجون”.. صفحات من المعاناة

ويجــرم الدســتور الامتناع عــن تقديــم العــلاج بأشــكاله المختلفــة لأي إنســان فــي حالة الطــوارئ الصحيـة أو الخطـر علـى الحيـاة، ويكفـل الدسـتور المصري حرمـة الجسـد، ويجـرم الاعتداء عليـه، أو تشـويهه، أو التمثيـل بـه، حيـث ينـص، علـى أن التعذيـب بجميـع صـوره وأشـكاله جريمـة، لا تسـقط بالتقـادم.

بينما شكا المرشح الرئاسي السابق المسجون، دكتور عبد المنعم أبو الفتوح أثناء مثوله للتحقيق أمام النيابة من وضعه الصحي، مؤكدًا طلبه في أكثر من مرة، نقله للمركز الطبي داخل محبسه؛ بسبب تأخر حالته الصحية؛ كونه مصابًا بأمراض القلب وقرحة في المعدة وآلام البروستاتا وانزلاق غضروفي، دون أن تتخذ سلطات السجن أي إجراء، ليس ذلك فحسب، بل تم منعه من أي تواصل مع أي أحد ورفض نقله للمركز الطبي بحجة امتلائه بالمرضى وعدم وجود سرير خال، وقال: “أنا بتعامل مع حالتي الصحية بوصفي طبيب فاهم في الطب شوية، مع رفضهم نقلي للمركز الطبي بطلب أدوية معينة، ولولا أنني طبيب؛ لكنت مت”. 

فيما توفي نتيجة الإهمال الطبي، وسوء الرعاية الصحية، النائب السابق “عادل رضوان” في سجن بدر 3، والمحامي “محمد الشربيني” داخل مستشفى مركز بدر، وفى أغسطس 2024 توفي السجين السياسي “حسن إبراهيم غمري”، داخل مستشفى سجن برج العرب بعد تدهور حالته الصحية، حيث كان يعاني من التهاب كبدي، وتفاقمت حالته؛ نظرًا لظروف السجن وسوء الرعاية الطبية، وفي أكتوبر الماضي توفي السجين، “عبد الله زين العابدين” الأمين السابق لنقابة الصيادلة في سجن بدر؛ نتيجة ارتفاع ضغط الدم وتأخير الرعاية الطبية.