تكررت عمليات خطف الأطفال بشكل كبير في عدة مناطق سورية، خلال الفترة الماضية، ما تسبب في حالة من الهلع والذعر لدى الأهالي.
ويرجع السبب الرئيس في اختطاف الأطفال إلى النزوح والتهجير، فضلًا عن تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية، حيث يتم ذبحهم من أجل الحصول على أعضائهم البشرية، بالإضافة إلى اغتصاب الفتيات، وأيضًا من أجل الرغبة في تجنيد عدد منهم.
قتل واغتصاب
“محمد دياب الشبلاق”، شاب سوري في الثلاثين من عمره، يعيش في محافظة الرقة على الضفة الشرقية من نهر الفرات، والتي تبعد حوالي 160 كم شرق مدينة حلب، يقول إن مدينته كانت تتمتع بأوضاع اقتصادية جيدة، نظرًا لاعتمادها على الزراعة، كذلك بسبب وفرة ولحقول النفطية المنتشرة بها.
ويضيف أنه منذ فترات طويلة، وتعاني المحافظة من تراجع ملحوظ في إنتاج المحاصيل الزراعية، والتي أهمها القمح والقطن، حيث كانت تعتبر ثاني أكبر مدينة منتجة للقطن والقمح بعد الحسكة، لعدة أسباب أهمهما ارتفاع أسعار المحروقات بالإضافة إلى فقدان الأسمدة والأدوية والمبيدات الزراعية في المدينة بعد منع توريدها من قبل فصائل المعارضة إلى مناطق سيطرة تنظيم “داعش”، لأن التنظيم يستخدم السماد في تصنيع المفخخات .
الشاب السوري يؤكد أنه منذ تدهور الحالة الاقتصادية بالمدينة، ازدادت عمليات خطف الأطفال، حيث يتم العثور عليهم مقيدين عقب سرقة أعضائهم، واغتصاب الفتيات قبل قتلهن، مشيرًا إلى أن آخر الضحايا تم العثور عليها في 19 من أغسطس الجاري، وهي طفلة تدعى “فاطمة” تبلغ من العمر ثماني سنوات، مقتولة على أطراف قرية المهاوش بريف الرقة الشرقي، بعد ثلاثة أيام من فقدانها.
ثلاث ضحايا خلال شهرين
حسابات النشطاء والحقوقيين السوريين على مواقع التواصل، ضجت بمنشورات عن اختفاء ثلاثة أطفال خلال شهر واحد، حيث فُقدت طفلة يوم 19 من الشهر الجاري، وطفل قبلها بأسبوع تقريبًا، وعثر الأهالي على الطفلة مقتولة ومحروقة ومقيدة اليدين، كما عثروا على جثة الطفل الذي قُتل شنقًا في بناء مدمر بالمدينة بعد عدة ساعات على اختفائه.
وفي مطلع يونيو الماضي، هزت حادثة مقتل طفل عمره أربعة أعوام، بعد عشرة أيام على اختطافه من مجهولين، المدينة وسط مطالب بمواجهة هذه الجرائم.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن حوادث الخطف والقتل داخل مدينة الرقة، كما لم تعلّق “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المنتشرة في المنطقة، رسميًا على تلك الحوادث، وأطلق ناشطون حملة باسم “توقفوا عن قتل الأطفال”، احتجاجًا على مقتل الأطفال المتكرر في المحافظة منذ عدة أشهر.
سجل معدل الجرائم ارتفاعًا ملحوظًا في معظم المحافظات السورية، خاصة محافظتي دمشق والرقة اللتين سجلتا جرائم بطرق استثنائية من ناحية وحشيتها.
ويسجل مؤشر الجريمة في سوريا مستوى عاليًا، عند 67.68 نقطة “من أصل 120″، بحسب موقع “noumbo “، المتخصص بمراقبة مستوى المعيشة عالميًا.
انتعاش عمل عصابات الاختطاف
المرصد السوري لحقوق الإنسان أصدر تقريرًا تحت عنوان ” عصابات الاختطاف تنتعش في سوريا.. الانفلات الأمني والنزوح السبب.. وتجنيد الأطفال وتجارة الأعضاء على رأس قائمة الانتهاكات”، لتوضيح أسباب زيادة معدلات خطف الأطفال في البلاد.
وفسر المرصد خلال تقريره أسباب زيادة عمليات خطف الأطفال في سوريا وتصاعد أعداد الضحايا من الأطفال إلى المئات، وأهمها الحرب الأهلية والانفلات الأمني، مؤكدًا أنه منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وظهور الأطياف والفصائل المتحاربة والمليشيات ذات الانتماءات المختلفة والمصالح المتضاربة بينها، كانت فرصة لظهور عصابات الخطف في كافة أنحاء البلاد، حيث وفرت الحرب الأهلية مناخًا مناسبًا لنشاط مثل هذه العصابات، والتي عملت على اختطاف الأفراد والأطفال بصورة خاصة ذكورًا كانوا أو إناثًا.
وأكد المرصد على أنه ثبت تورط بعض المليشيات والشبيحة التابعة للنظام والفصائل التابعة للنفوذ التركي في مناطق النفوذ المختلفة في عمليات الخطف، خاصة مع تسوية الأوضاع بين النظام وبين عصابة تأخذ من بلدة عريّقة في الريف الغربي من محافظة السويداء جنوب سوريا مقراً لها، حيث غض النظام البصر عن ارتكابها عشرات الجرائم من خطف وتنكيل واغتصاب وقتل وسلب.
وذكر المرصد عمليات النزوح والتهجير كأحد الأسباب الرئيسة لزيادة عمليات خطف الأطفال، خاصة في المناطق التي تشهد تصاعد في موجات العنف والاقتتال إلى المناطق الأقل عنفًا، وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، وكذلك عمليات التهجير القسري التي شهدها المواطنون بهدف إعادة التوزيع الديموغرافي كما هي الحال في مناطق النفوذ التركي والفصائل، وكذا المناطق التي تشهد تفشي النفوذ الإيراني، ما أدى إلى زيادة عمليات الاختطاف نتيجة انتشار أعضاء عصابات خطف الأطفال بين النازحين الذين ليس لديهم خبرة بالمناطق الجديدة التي نزحوا إليها أو بأهالي هذه المناطق.
الأوراق الثبوتية
تسبب النزاع المسلح داخليًا في خروج أطفال بدون جنسية أو أوراق ثبوتية، خاصة أولئك الذين ولدوا في مخيمات اللجوء، أو في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الجهادية، ويتم اعتبارهم أطفالًا دون جنسية، كذلك بسبب غلق وتعطيل الدوائر القانونية ودوائر القيد في معظم مناطق الصراع، ويعد مخيم “الهول” من أبرز المخيمات التي ترتفع فيها معدلات خطف الأطفال.
وذكر المرصد في تقريره، أنه من بين العوامل التي ساعدت على تفشي ظاهرة الاختطاف، تجنيد الأطفال كـ”مرتزقة”، حيث فتحت تلك الظاهرة المجال أمام عصابات الخطف، إلى استغلال الأطفال الذين اختطفوا وتسليمهم للقوى المسيطرة في مناطق النفوذ المختلفة ليتم تجنيدهم ضمن صفوف قواتها.
كما رصد تجنيد تركيا أطفالًا سوريين أعمارهم دون سن الـ18 عامًا، حيث تم اقتيادهم من إدلب وريف حلب الشمالي إلى عفرين بحجة العمل.
وتم تجنيد الأطفال بعفرين من قِبل الفصائل الموالية لتركيا، والتي بدورها ترسلهم إلى ليبيا ضمن مجموعات “المرتزقة”، وتزودهم بهويات مزورة ومعلومات غير صحيحة عن تاريخ ومكان ميلادهم.
ووفقا لمعلومات المرصد السوري، فإن هناك نحو 200 طفل جرى إرسالهم إلى ليبيا، من بينهم 18 طفلاً استشهدوا في عمليات عسكرية.
وأضاف المرصد، أن عمليات خطف الأطفال ازدادت مع ارتفاع معدل استغلالهم في العمالة غير القانونية والأعمال الشاقة وأعمال العنف والجريمة والتسول، كما جدد مطالباته للمجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن بضرورة التدخل بشكل جاد لحماية حقوق الأطفال السوريين، وإعادتهم لذويهم وحمايتهم من تبعات الحروب الأهلية في بلادهم.
“عبود همام” صحفي سوري، يقول إن عمليات خطف الأطفال وقتلهم، زادت خلال الفترة الماضية، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي، موضحًا “إما يطلب الخاطفون فدية باهظة، أو بهدف تجارة الأعضاء، حيث تلجأ عصابات الخطف إلى التربح من اختطاف الأطفال عن طريق بيعهم لشبكات تجارة الأعضاء”.
وأكد أن عمليات خطف جماعات مجهولة للأطفال، تؤرق حياة المدنيين القاطنين في العاصمة السورية دمشق، إذ تصاعدت حالات خطف الأطفال في الأسبوع الأخير من شهر يونيو 2020، والتي لم يتبعها تواصل بين الخاطفين وأهالي الأطفال، ما يشير إلى أن الخطف كان بهدف تجارة الأعضاء.