لم يتبق سوى عدة أسابيع أو أشهر قليلة للغاية، وتنتهي الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بدوام البرلمان وبمجلس الشيوخ الحالي. الحكومة رغم ذلك تسوف وتتعمد في التأخير لإرباك المشهد السياسي الداخلي على إرباكه؛ بسبب الظروف الخارجية التي تمر بها مصر. الأحزاب السياسية وقوى المستقلين ملت من الانتظار، وسأمت المماطلة والتأخير، وهي بالتأكيد، تخشى أن تفاجأ بمعطيات تقلب الموازين، وتعقد المواقف التي ترتب لها منذ عدة أسابيع.

صحيح، أن المناخ السياسي الحزبي يتسم بكونه مهترأ، ولا فائدة كثيرة أو قليلة ترجى منه؛ لكونه يصدر ضجيجا كله ممالئ للسلطة دون طحين معارضة يبدو في الأفق، إلا أن الاستحقاقات الدستورية يجب أن تتم بشكل يتواءم وتحقيق الشكليات المرتبطة بإكمال المظهر العام.

ذرائع غير مقبولة للتأخير

واحد من الذرائع غير المقبولة التي تساق في تأخير سن القوانين المنظمة للانتخابات، هو أن المواعيد لم تطرق أبواب الانتخابات بعد، ومن ثم فلا زال هناك وقت. من الذرائع الأخرى، أن هناك مشكلات خارجية توجب الاصطفاف والتوحد بدلا من الفرقة، وكأن العدو الصهيوني المتخم بالمشكلات منذ تأسيسه عام1947 إلى اليوم يؤجل دوما انتخابات، ما أجلها قط. من الذرائع أيضا، أن القوى السياسية الحزبية لم تستقر في مخرجات الحوار الوطني على نظام انتخابي محدد، وكأن الحكومة أصلا تعير اهتماما لتوافق عام، أو أنها نفذت أصلا كل المتوافق عليه في الحوار، ولم يبق غير المتوافق عليه، وعلى رأسه النظام الانتخابي، رغم أن المشهد يشير، إلى أنها نكثت ونكث رئيس الوزراء بأغلب ما وعد به من تنفيذ مخرجات الحوار، بل وأمعن في تنفيذ عكسه أحيانا (قانون الإجراءات الجنائية/ ومفوضية التعليم إنموذجا). ما من شك لدى كثيرين، أن قرار الانتخابات هو قرار أمني وليس سياسيا، بمعنى أن جهات أمنية تدير آلة السلطة التشريعية هي من تطلب وتسن، فقط يتبقى الشكل في رفع الأيد داخل الجلسات.

مستقبل وطن.. مفعول به

ارتباطا بما سبق، يصبح السؤال هل بعد أن أُطيح بمستقبل وطن كحزب سلطة بحكم الأمر الواقع، وليس بحكم الدستور، (هل) سيستمر في طاعة المأمور وسن ما تريده الحكومة؟ حتى اليوم لا يبدو أن هناك ما يشير إلى عكس ذلك. فالحزب في سبيله أصلا إلى زوال، هو ينتظر فقط لحظة سن القوانين المنظمة للانتخابات المطلوبة منه، ويصبح نسيا منسيا قبل فض الدورة البرلمانية الأخيرة لمجلس النواب، حيث تستقطب قياداته وتنضم آليا لحزب الجبهة الوطنية، كي يكون مجرد قبيلة من قبائله العربية، تماما كما فعل أعضاء حزب مصر بالانتقال إلى الحزب الوطني الديمقراطي عام1978 باستثناء المناضل القيادي المرحوم ضحية الإهمال في السجن المهندس عبد العظيم أبو العطا.

نظام انتخابي عفا عليه الزمن

حتى اليوم لا يعلم أحد ماذا في جعبة الأمن بشأن النظام الانتخابي. الحوار الوطني فشل في وجود توافق بين الأحزاب السياسية حول النظام القادم، والقائمة المطلقة زادت نسبتها من21% في انتخابات 2016 إلى 50% في انتخابات 2020. لذلك فكل الأمور واردة، ولا عجب- تحت دعاوى الاصطفاف ولا صوت يعلو على صوت معركة، رفض التهجير المرفوض بالإجماع- أن تمرر القائمة المطلقة بأية نسبة.

تحت دعاوى الكوتات التي ابتلينا بها في دستور النوايا الحسنة؟، كما وصفه الرئيس عبد الفتاح السيسي، كل شيء متوقع في النظام الانتخابي. السلطة تفعل أي شيء بحجة إرضاء الأحزاب السياسية التي تحبو وتجثو حول أقدامها طمعا في القائمة المطلقة. الأحزاب تعلم جيدا، أن حياتها في الشارع على المديين المتوسط والبعيد في القوائم النسبية التي من خلالها سيعرفها الناس، والتي عبرها سينضم الناس للأحزاب، عوضا عن سياسية الاستقلال التي مرد عليها الشعب المصري، بأغلبية ربما تفوق 95% منه. لكن الأحزاب وقيادتها ترغب على المدى القصير بالقوائم المطلقة؛ أملا في اللهث خلف عضوية البرلمان ومجلس الشيوخ، والتي تعلم أنها لن تطولها سوى بالرضاء عنها بالمشاركة في قوائم الجبهة الوطنية للقبائل العربية، ورئيسها الخارج عن القانون، بالتعيين في مؤسسات شيخ القبائل، قبل أن تنفض عباءاته من أي أثر لوزارة الإسكان التي كان يرأسها.

أبرز دليل على الإمعان في سن نسبة كبيرة من البرلمان والشيوخ عبر القوائم المطلقة، هو مجلس الشيوخ نفسه. فهذا المجلس الذي لا يعد من البرلمان وفق الدستور، ناهيك عن صلاحياته الأقل وسط المجالس الثانية منذ دستور 1923(انظر: عمرو هاشم ربيع، انتخابات مجلس الشيوخ 2020، مركز الدراسات السياسية بالأهرام، 2021)، هذا المجلس وفق نص الدستور، لا ينتخب وفق قاعدة الكوتات الاجتماعية المعيبة التي جاء بها الدستور بشأن انتخاب مجلس النواب والمحليات، ورغم ذلك ينتخب نصف ثلثي هذا المجلس بالقائمة المطلقة، التي تعد في النهاية تعيين مقنع أو تزكية لقوائم الحزب الجالس على “حجر” السلطة في مصر.

خرافة زيادة مقاعد البرلمان

بالطبع واحد من أكثر الأمور غرابة في تعديل التنظيم القانوني المتوقع للانتخابات القادمة، هو زيادة أعضاء مجلس النواب، وهي أحد المقترحات التي أجمع عليها تقريبا الأعضاء المشاركين في الحوار الوطني من الأحزاب السياسية. ما من شك، أن السلطة تتوافق مع الأحزاب في هذا المنحى. فالأحزاب تريد كما ذكر آنفا أن تجد لها مكانا في عضوية البرلمان، عسى أن تكون تلك العضوية مكانة ومنزلة اجتماعية لأعضاء الأحزاب والقيادات الطامحة في الوجاهة وتحقيق المآرب الشخصية في مجتمع الأعمال. والسلطة تجد في زيادة أعضاء المجلس فرصة كبيرة، فهي بذلك تميع المجلس، وتجعله هشا على هشاشته، وتزيد من الممالئين الذين تقوم بترضيتهم بملء فراغ مفتقد في تداول السلطة على المستوى الأعلى. جدير بالذكر، أن أعضاء مجلس النواب في دولة الهند (لوك سابا) والبالغ عدد مواطنيها 1,429 مليار نسمة، هو 545 عضوا، ولو تركت السلطة الهوى للناس ليتواكب عدد المجلس مع عدد السكان، ولو رغبت في جعل المجلس تمريريا- كما في مصر- لبلغ عدد البرلمان عدة آلاف!

حتمية التفكير في إلغاء الإشراف القضائي

الأمر الثاني محل النقاش داخل السلطة، هو الإشراف القضائي على الانتخابات، وهو إشراف انتهى عشية انتهاء انتخابات الرئاسة السابقة. والمعروف أن مصر ودولة الكويت هما الدولتان المتبقيتان في العالم التي يتولى فيها القضاة الإشراف على الانتخابات، وفق قاعدة قاض لكل صندوق، لكونه قد صار اعتقادا ترسخ بين الناس، أن القضاء هو الجهة الوحيدة النزيهة، وما دونه هو غير ذلك، وكأن الشعب بأكمله بموظفيه اعتاد الفساد والتزوير، وأن القضاة وحدهم هم من احتجزوا لذواتهم واحتكروا النزاهة والعدالة.

لا يختلف أحد على أن كل جهة أو مؤسسة أو قطاع به الغث والسمين، وقد تكشف في الآونة الأخيرة بين القضاة حوادث فساد وعنف، يندى لها الجبين. يكفي القول، إن ضحايا الحبس الاحتياطي الطويل كلهم هم نواتج تقصير شديد من رجال القضاء. ويكفي القول أيضا، إن الهيئة الوطنية للانتخابات التي يتولاها قضاة يشرفون على الانتخابات بمعادلة قاض على كل صندوق، قد وقعت في أخطاء كثيرة، فقط نكتفي بذكر الانتخابات الأخيرة التي أعلنت أنه خرج فيها 44 مليونا في ثلاثة أيام، ويكفي أنها لم تحرك ساكنا وسط التجاوزات الكبيرة التي حدثت بحق المرشحين والناخبين والدعاية والتصويت يوم الاقتراع، الذي أشرف عليه القضاة.

من هنا، فإن صيغة الإشراف القضائي بموجب قاض على كل صندوق يتحتم أن تتوقف تماما، وأن تتبدل إلى موظفين منتدبين، من دوائر غير دوائر المرشحين، ويتم ذلك كله بتكثيف الرقابة غير الرسمية من الصحافة والمنظمات المعنية، بدلا مما يسمى اليوم بالمفهوم الذي ابتكرته السلطة في القانون الحالي لتمييع المشهد برمته باسم “متابعة الانتخابات”.

كلمة أخيرة عن ضرورة انتخابات المحليات

كل هذه الأمور وأمور أخرى يجب حسمها، ونحن نقترب من مواعد الانتخابات، والتي لا يجب أن نهمل فيها انتخابات المحليات، بحجة أن الدولة غير قادرة على تنظيم ثلاثة انتخابات في عام واحد. الحجة السابقة يدحضها، أننا أهملنا المجالس المحلية وسن قانونها لسنوات عديدة، لم يكن بها انتخابات أصلا. أي إننا لم نسن وننظم انتخابات المحليات لا في أعوام انتخابات برلمانية ولا في غيرها!