“حماتي وسلفتي. أنا وسلفتي”.. عناوين مشابهة تقع أمام أعيننا يوميا عبر منصات التواصل الاجتماعي، لمقاطع فيديو مختلفة لسيدات عدة، من المنزل والمطبخ، وأحيانا الشرفة، تنقل تلك الفيديوهات تفاصيل اليوم العادية لتلك السيدات، وتتطرق أيضا للعلاقات الاجتماعية، وتشارك بتلك النوعية من الفيديوهات نوعيات متعددة من السيدات بخلفيات مختلفة، فلم يعد الأمر مقتصرا على المدن، بل شاركت المرأة الريفية فيه أيضا، فلماذا انتشرت تلك النوعية من الفيديوهات، وخاصة في الفترة الأخيرة.
مكاسب مالية وكسر للروتين
المكسب المالي، السبب الأول وراء انتشار تلك النوعية من الفيديوهات، فكثرة المشاهدات تعني جني الأموال لصاحبة الفيديو، وهو ما أكدته “أم رحاب”، والتي قررت مشاركة فيديوهاتها اليومية في المطبخ لمتابعيها: “أنا فجأة لقيت نفسي معنديش دخل، ومحتاجة فلوس، وسمعت كتير عن ناس بتزود دخلها من فيديوهات على النت، فدخلت أشوف لقيتهم يطلعوا وهمن يمارسون حياتهن بشكل طبيعي فقلت ليه لأ”.
قررت السيدة بث فيديو يومي من المطبخ الخاص بها، وهي تعد الطعام: “في الأول طبعا كنت محتاجة ناس تدخل تشوفني وفضلت شهور على ما أجمع أول ألف مشاهدة، وأقدر أخد فلوس فعلا، وأنا مخسرتش حاجة، كده ولا كده عندي نت في البيت، وبقف يوميا في المطبخ، اللي زاد بس إني بقيت بنشر ده مع الناس، وهو لا رقص ولا حاجة عيب دي حاجة الستات تعملها كل يوم”.
الفكرة بدأت تدور في ذهن “أم رحاب”، لتحقيق المكسب المادي، ولكن بعد فترة استطاعت تحقق مكاسب جديدة: “الحقيقة كمان إن بعد شوية لقيت إن النوع ده من الفيديوهات يعبر عننا احنا كستات، عاوزين ندور على اللي شبهنا، عاوزين نطلع نتكلم ونرغي، وحد يسمعنا، واليوتيوب يوفر المساحة دي، أنا بقى ليا صحاب بقيت أطلع معاهم لايف على صفحته الخاصة على فيسبوك وأنا بغسل المواعين، نتكلم ونرغي في أي حاجة وحتى ممكن نغني، نكسر روتين الحياة المستمر واللي ساعات بيكون ممل”.
عمل خاص من المنزل
في مجال تربية الطيور، و”تسمين البط”، تخصصت فاطمة العمدة، المصرية الصعيدية، التي ترى في ما تفعله عملا خاصا لها من المنزل: “بقعد ساعات أجهز في محتوى الفيديو، وبتعب فيه فعلا علشان يكون في معلومات مهمة وتوصل لناس كثيرة، وهنا بشوف إن ده عمل، وعمل مهم كمان بعمله من البيت، يمكن ده المتاح علشان مش عارفة أنزل اشتغل ومفيش فرص مناسبة”.
بدأت “فاطمة”، في أول فيديو لها، وكان حول كيفية تجهيز الفطير المشلتت والذي حصد ما يقرب من ربع مليون مشاهدة، وهنا قررت استكمال الأمر، والبحث عن مواضيع وأشياء هامة ومفيدة للسيدات، للاستفادة منها، ثم بعد ذلك استخدمت سطح والدتها، والتصوير عليه، وشرح طرق تربية الطيور، التي تهم سيدات عدة، وخاصة في المناطق الريفية، ولا يتحدث عنها الكثير.
1000 مشترك و4000 ساعة مشاهدة، هي الحد الأدنى لتحقيق الأموال من خلال فيديوهات يوتيوب، وهو “التارجت”، الذي تبحث عنه السيدات، لتحقيق الأموال، وأيضا نشر المعلومات، وربما تكون تلك المساحة مكانا مناسبا للسيدات للتعبير عن ما بداخلهم.
إعلام بديل
مروة محمد تبلغ من العمر 35 عاما، أم لطفلين، تهوى أعمال المطبخ وفنون الطهي، كانت تتمنى إعداد وتقديم برنامج عن الطبخ، ولكن لم يحالفها الحظ، فقررت تنفيذ برنامجها الخاص على يوتيوب: “من وأنا في الجامعة ونفسي أكون مذيعة، ومن صغري وأنا بحب أطبخ وأدخل المطبخ، دخلت كلية آداب وكان نفسي أخلص وابقى مذيعة برامج طبخ، ولما اتخرجت دورت على فرص كتير، واتواصلت مع قنوات وشيفات علشان أطلع في أي برنامج بس فشلت، فقررت أعمل الحاجة اللي بحبها على قد إمكانياتي”.
أنشأت “مروة”، قناة عبر يوتيوب، دعت إليها أصدقائها وأقاربها، وأطلقت عليها “أحلى أكلة بفكرة”، لعرض وصفاتها المختلفة: “القناة مش بس يتقدم وصفات طبخ، لأ هي كمان بتقدم أفكار جديدة لتقديم الأكل، أنا مش بدور على مكسب بس بدور على تحقيق حلمي، نفسي أكون مذيعة، ونفسي ناس كتير تشوفني، وصل عدد متابعيني لـ500 في شهرين، ولسه عندي أمل العدد يزيد كمان وكمان وأحقق اللي نفسي فيه”.
أسباب النجاح
نشرت بي بي سي تقريرا لها في عام 2015، حول الإعلام البديل، وإمكانية قنوات يوتيوب أن تنافس البرامج والقنوات التليفزيونية، وأوضح التقرير أن انتشار قنوات اليوتيوب لدى الشباب، يعد ظاهرة غير مسبوقة حيث حققت بعض هذه البرامج نجاحا هائل ونسبة مُشاهدة عالية جدا مما يشير إلى اتجاه المشاهد إلى الإعلام الجديد وانصرافه عن الإعلام التقليدي الذي قد لا يواكب في كثير من الاحيان طموحات وتطلعات المتابع.
ويرى عدد من مستخدمي يوتيوب، أن نجاح تلك الفيديوهات برغم بساطة محتواها، وتحقيقها للعديد من المشاهدات تصل للملايين، يرجع في اعتمادها على انتاجها وتصويرها وتقديمها بإمكانيات بسيطة ومناقشة قضايا اجتماعية ضمن قوالب مبتكرة وجذابة تختلف عمّا اعتاد عليه المشاهد على الشاشات.
ويعود سبب نجاح تلك الفيديوهات أيضا، لبساطة لغتها، البعيدة عن لغة الحوار التقليدية التي قد يشوبها التعقيد، ففي فترة قصيرة استطاعت هذه المقاطع استقطاب مشاهدين قدروا بالملايين، حسب بيانات موقع يوتيوب نفسه، ولاقت الكثير من الإعجاب والاستحسان من متابعيها، ووصلت إلى قاعدة واسعة من الجمهور، فأصبح يوتيوب ملجأ للسيدات، يذهبون إليه للحصول على المال، أو لتحقيق الحلم، أو ربما “للفضفضة”، والبحث عن سيدات أخريات للتحدث في أمور عدة، دون قيود أو معايير.
ربما العناوين التي تجذب قطاع كبير من السيدات، سببا آخرا للنجاح، ومنها “أنا وحماتي وسلفتي”، و”جوزي طردني الساعة 1 بليل بسبب سلفتي”، و”قررت أضايق سلفتي”، و”حكايتي مع سلفتي”، وغيرها من العناوين المشابهة، التي تحصد ملايين المشاهدات عبر القناة، والتي تروج لمحتوى بسيط، ربما يكون محتوي ليوم عادي تقضيه السيدة، أو لموقف اجتماعي مرت به، فتدخل السيدات لمشاهدة المحتوى وتتناقله، ليكون بمثابة محتوي شبيه بما كان يطلق عليه “تليفزيون الواقع”، في الماضي، وهو وضع الكاميرا لتصور تفاصيل الحياة اليومية.