الجدل الكبير الذي أثاره ظهور نجم النادي الأهلي والمنتخب الوطني محمد أبو تريكة في إعلان النادي عن الاستاد الجديد، كان في بعض جوانبه مقبولا، وفي كثير منه غير مقبول؛ لأنه ناقش قضايا مرسلة حول اللاعب كانت جزءا من حملات موجهة بنيت عليها مواقف عدائية تجاه اللاعب.

والحقيقة، هناك خلط فج بين النقاش الطبيعي والخلاف حول أبو تريكة، أو ترديد اتهامات مرسلة لا أساس لها من الصحة، فمن حق الناس أن ترفض آراء “تريكة” السياسية، أو لا يحبون تعليقاته الكروية وغير الكروية في قناة “بين سبورت” القطرية، وبين اتهامه بالإرهاب وترديد أكاذيب، ليس لها علاقة بالرجل وحقيقة مواقفه من العنف والإرهاب وإراقة الدماء.

ومع إنه مطلوب مع الأزمات الحالية والضغوط الخارجية التي تتعرض لها البلاد عقب تدهور أوضاعها الاقتصادية، أن يكون هناك أكثر من أي وقت مضي تمييز بين الآراء السياسية التي يتبناها البعض، واختلف فيها مع مسار ٣ يوليو 2013، أو اختلف بعدها مع النظام الحالي، وبين دعم الإرهاب أو الانتماء لجماعات إرهابية.

إن الفارق واضح بين من مارس العنف والإرهاب وحرض عليه، وبين من اختلف مع مسار سياسي، فالأول سيواجه بالحدة المطلوبة والإجراءات الأمنية، أما الثاني فهو أمر يرد عليه بالحجة والرأي السياسي وليس الاتهام بالإرهاب.

والمؤكد أن الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها محمد أبو تريكة وموهبته الكروية الاستثنائية وسلوكه الرياضي وأخلاقه العالية قد خففت من تأثير هذه الحملة، وبدا لافتا أن الغالبية العظمي من الناس تعاطفت معه، وفرحت بالإعلان رغم الحملة الموجهة التي استهدفته منذ 10 سنوات.

والحقيقة، أن النقاش حول أبو تريكة يتطلب مناقشة أكثر عمقا للتعامل مع تجربة الإخوان المسلمين في مصر، لا تضع “الحابل مع النابل”، إنما يجب أن تميز بين ثلاثة مستويات: الأول يتمثل في التعامل مع المحرضين والممارسين للعنف والإرهاب، سواء كانوا أعضاء في جماعة الإخوان أم لا، وهؤلاء واجهتهم الدولة بقوة وقسوة، حتى نجحت في القضاء عليهم بصورة شبه كاملة، واختفت الأخطار الوجودية التي تعرضت لها مصر؛ بسبب الإرهاب وأصبحت مشاكلها تتعلق بسوء الأداء الاقتصادي والقيود السياسية.

وهنا سنجد أن أبو تريكة لم تدنه محكمة مصرية واحدة بتهمة التحريض أو المشاركة في أي جريمة إرهابية، بعيدا طبعا عن القصص التي اخترعها البعض، وصدقها بعض البسطاء.

وهناك مستوى ثان، يتعلق بأعضاء تنظيم جماعة الإخوان المسلمين وهنا سنجد أن الدولة تتعامل معهم على ضوء شكل تحركاتهم وتقديرها لخطرهم الأمني عليها، وأبو تريكة ليس أيضا بين هؤلاء، فهو ليس عضوا تنظيميا عاملا في جماعة الإخوان المسلمين (يقدرون وبحد أقصى قبل ثورة يناير مباشرة بحوالي 100 ألف عضو)، ولا يمكن مقارنة أدائه في الخارج بأداء هؤلاء المنتمين تنظيميا للجماعة في التعامل مع النظام الحالي.

وأخيرا، هناك من أيدوا مشروع الإخوان المسلمين السياسي، وكانوا وفق أدبيات الإخوان محبين لها، وهؤلاء هم أغلب من انتخب مرسي في المرحلة الأولى، ويقدروا بحوالي 4 ملايين مواطن، وهناك من انتخبوا محمد مرسي في الجولة الثانية من انتخابات ٢٠١٢، وقُدروا بحوالي ١٣ مليون مواطن، وبين هؤلاء يمكن أن نضع أبو تريكة، وجميعهم خارج أي مسائلة قانونية، إلا رفض اختيارهم السياسي والاعتراض عليه.

لم تدن محكمة واحدة على مدار ١٠ سنوات محمد أبو تريكة في أي جريمة، وسبق وقضت محكمة النقض بقبول الطعن الذي قدمه برفض التحفظ على أمواله، ووضعه مع 1537 شخصا على قوائم الإرهاب، ومع ذلك هناك من يصر على أن يدخل في خصومة ثأرية معه ومع مئات الآلاف مثله، يمكن وصفهم بدرجات متفاوتة بمعارضين لسياسات أو أيدوا الإخوان في مرحلة وبعضهم تراجع عن هذا التأييد، ولكن ليسوا محرضين على إرهاب.

علينا ألا ننسى أن أبو تريكة ذهب إلى كل مكان ليدعم ملف مصر في الاتحاد الإفريقي من أجل تنظيم بطولة الأمم الإفريقية، حتى نالت مصر حق تنظيم البطولة؛ ليؤكد الرجل للمرة الألف، أنه صاحب وطنية صادقة وخلق رفيع، وأنه في النهاية صاحب رأي يُختلف معه، ولكن لا يُختلف عليه.

بالطبع لا يوجد إرهابي واحد في تاريخ البشرية (أو محرض أو داعم للإرهاب) يمكن أن يتصرف مثل أبو تريكة، فقد أثبت وطنية صادقة في مواجهه حملة الشعارات، وتعفف عن الرد على الاتهامات التي وجهت إليه.

لقد ظل أبو تريكة مصدر سعادة لملايين المصريين لسنوات طويلة، وحين عبر عن أرائه السياسية في عهد مبارك، اكتفى في 2009 برفع قميصه الرياضي، ليرى الناس جملة: متعاطف مع غزة.

يقينا أبو تريكة أيقونة كروية ورياضية من حيث الموهبة والسلوك الرياضي، ولكنه ليس مقدسا ورفض كل توجهاته أو مواقفه أمر طبيعي، لكن أن يستمر بعض البسطاء في ترديد كلام “اللجان” (رغم أنهم راجعوها)، فهذا أمر يعكس مشكلة في التفكير، ولا يفتح الباب لبناء المستقبل.

لايجب قبول الظلم والاتهامات المرسلة مع أي شخص نختلف معه كليا أو جزئيا في آرائه ومواقفه لأنه في حال القيام بذلك فإن دورة الظلم ستصيب الجميع بما فيهم نحن ومن نتفق معهم، وبات مطلوب من الجميع أن يختلف ويتفق مع الآراء والمواقف دون تحريض أو الترويج لاتهامات مرسلة وهذا ينطبق على أبوتريكة وغيره. ومرحبا بعودته قريبا لوطنه.