كتبت- إيمان رشدي

غياب الولايات المتحدة، ومواجهة صعوبات في الميزانية، مع إعادة تشكل موازين القوى داخله، بتلك الاستخلاصات يمكن رسم صورة الأجواء والعقبات التي ستخوض فيها فعاليات مجلس حقوق الإنسان- الهيئة التابعة للأمم المتحدة- والتي بدأت مؤخرا في جنيف وتعتبر الدورة الاولي خلال هذا العام.

عبر سياق متوتر يجتمع أعضاء مجلس حقوق الإنسان البالغ عددهم 47 دولة في دورة مدتها ستة أسابيع تتولى خلالها سويسرا رئاسة اجتماعات المجلس لأول مرة في تاريخها.

تركز الدورة اهتمامها على دراسة أوضاع حقوق الإنسان في البلاد المختلفة وبالأخص الدول التي تشهد صراعات.

الغياب الأمريكي

الجديد خلال هذه الدورة سيكون غياب الولايات المتحدة، برئاسة دونالد ترامب بعد اعلان انسحابها الكامل من مجلس حقوق الإنسان، وأنها لن تسعى مجددا للانتخاب لتلك الهيئة، أعقب هذا القرار إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي مقاطعة المجلس أيضا، بل وتتهم واشنطن التي تخلت بالفعل عن عضويتها خلال رئاسة ترامب الأولى، مجلس حقوق الإنسان، بأنه متحيز ضد إسرائيل.

هذا التطور يقيد بشكل واضح آليات المساءلة والعدالة، بحسب منظمة العفو الدولية، التي ترى أن الانسحاب الأمريكي يبعث برسالة خطيرة مفادها، أن الدول القوية يمكنها ببساطة، أن تتجنب المحاسبة في حين تسمح بانتهاكات لحقوق الإنسان على مستوى العالم.

فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ليست عضوًا حاليًا في مجلس حقوق الإنسان، ولكن يشير انسحابها إلى تجاهل صارخ للآليات الدولية المتعددة الأطراف التي تحاسب الحكومات على انتهاكات حقوق الإنسان.

حيث يوفر مجلس حقوق الإنسان اجتماعا عالميًا للحكومات لمناقشة المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، ويمكنه السماح بإجراء تحقيقات، تسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، فهو أداة لمحاسبة الحكومات في الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان تجاه شعوبها.

يقول روبرت كينج– الذي شغل منصب المبعوث الامريكي الخاص لحقوق الانسان في كوريا الشمالية في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما– إن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من المجلس يقيد بشكل سلبي الجهود الدولية؛ لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، فالمجلس هو المكان الذي تم فية إنشاء لجنة التحقيق في حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، والتي تعتبر أول وأوسع توثيق منهجي وشامل لانتهاكات حقوق الإنسان في بيونج يانج. كما وصف آخرون القرار، بأنه قصير النظر.

ليس الانسحاب الأول

فسبق وأن وصفت الولايات المتحدة المجلس في 2018، بأنه مستودع التحيز وعلية قررت الانسحاب منه. 

وفي وقت إنشاء المجلس في 2006، قررت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن مقاطعة المجلس، ولم تنضم الولايات المتحدة مرة أخرى إليه، إلا بعد سنوات لاحقة خلال رئاسة أوباما في عام 2009.

مجلس حقوق الإنسان، والذي أنشأته الأمم المتحدة في عام 2006؛ ليحل محل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، التي واجهت انتقادات واسعة النطاق؛ بسبب السماح لدول ذات سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان، بأن تصبح أعضاء.

يضم المجلس في عضويته مجموعة مكونة من 47 دولة منتخبة من مناطق مختلفة من العالم  لمدة ثلاث سنوات.

ويجتمع المجلس ثلاث مرات في السنة، ويستعرض سجلات حقوق الإنسان لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

صعوبة في الميزانية

لم يكن انسحاب الولايات المتحدة وحده ما يهدد المجلس في دورته الحالية، بل ترتب علي ذلك أزمة في الميزانية، حيث تشكل مجموع التمويلات التي تقدمها الولايات المتحدة، حوالي ثلث ميزانية المجلس، فيما شكل الإعلان عن تجميد المساعدات الإنمائية الأمريكية الشهر الماضي موجة من الخوف داخل وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، التي تعتمد على المساهمات الأمريكية.

ولئن كانت ميزانية مجلس حقوق الإنسان المدمجة في ميزانية الأمم المتحدة العادية غير مهددة بشكل مباشر على المدى القصير؛ جراء إلغاء دونالد ترامب مساهمات بلاده، لكنها تظل معرضة للخطر على المدى الطويل، خاصة وأن المنظمة تواجه أزمة سيولة أصلا، بسبب تأخر بعض الدول الأعضاء في سداد مساهماتها المالية.

ومن أجل التوفير أُجبر المجلس العام الماضي بالفعل، على عقد جلسات عمل بواسطة تقنية الفيديو، كما أجريت تخفيضات في ميزانية بعثات تقصي الحقائق.

هل يغير غياب الولايات المتحدة الموازين بالمجلس؟

يقول فنسن شيتيل- أستاذ القانون الدولي، في معهد الدراسات العليا في جنيف- “سيكون لغياب الولايات المتحدة، وما ترتب عليه من تخفيض التمويل الأمريكي تأثير سياسي أهم من انسحاب الولايات المتحدة من المجلس، فذلك من شأنه أن يعيد خلط الأوراق لصالح دول غنية، مثل الصين، القادرة على ملء الفراغ.

حيث تدفع الولايات المتحدة 22% من الميزانية التشغيلية العادية لمنظمة الأمم المتحدة، في حين تعد الصين ثاني أكبر مساهم.

فهل من الممكن أن يفتح انسحاب الولايات المتحدة المجال أمام الدولة الأخرى لمتابعة أجندتها وزيادة نفوذها داخل المجلس؟

فإن كان انسحاب الولايات المتحدة يضعف من الحوكمة العالمية، بعد أن ظلت مهيمنة عليها، ويقلل من التنسيق في مجال حقوق الإنسان، بينما يخلق فرصا للدول الأخرى، فكما شاهدنا تراجع الولايات المتحدة وانسحابها من منظمة الصحة العالمية، بل والمجلس، يأتي على الرغم من الانتقادات الموجهة لسجلها الحقوقي.

عملت الصين على توسيع دورها في المنظمة، فقد تعهدت بكين بدعم منظمة الصحة العالمية، بعدما وقّع ترامب مرسوماً بسحب بلاده من الهيئة التي انتقدها بشدة في كيفية إدارتها أزمة وباء كوفيد.

كما عزز الاتحاد الأوروبي زمام القيادة في سياسة المناخ في ظل غياب مشاركة الولايات المتحدة، ويعمل الأوربيون الآن على تنويع شراكتهم الدبلوماسية والاقتصادية إلى ما هو أبعد من واشنطن.

تأثير خفض وتعليق المساعدات الخارجية على المدافعين عن حقوق الإنسان

إن تعليق التمويل الحكومي الأمريكي، إلى جانب التخفيضات المعلنة والمتوقعة في الدعم من بعض الحكومات الأخرى، من شأنه أن يقلل إلى حد كبير من قدرة المنظمات على دعم المدافعين عن حقوق الإنسان على مستوى العالم، وخاصة المجموعات التي تعمل في بيئات مقيدة وفي سياق الصراعات.

كما أن هذه الخطوة من شأنها، أن تقيد إلى حد كبير الجهود التي تهدف إلى ضمان فعالية الترتيبات المتعلقة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وهو ما أشارت إليه منظمة الخدمة الدولية لحماية حقوق الإنسان في تقريرها الصادر بعنوان– تأثير تجميد التمويل الأمريكي على المدافعين عن حقوق الإنسان. 

قالت إن عملية تخفيض التمويل قد أدت إلى اتخاذ عدد من التدابير الاستباقية الهامة لتوفير التكاليف، مما قلل من القدرة على دعم المدافعين عن حقوق الإنسان على مستوى العالم.

كما من شأنه، ان يؤثر سلبا علي دعم المدافعين عن حقوق الإنسان في بلاد مثل أفغانستان وفنزويلا.

حيث اضطرت منظمات غير حكومية، مثل ميرسي كور والمجلس الدنماركي للاجئين ولجنة الانقاذ الدولية الي تسريح موظفيها لعدم قدرتها على انتظار مراجعة وزارة الخارجية الأمريكية لمدة 90 يوما، لتمويل المساعدات الإنمائية الأجنبية.

وعلية يتعين على الحكومات والمؤسسات والأفراد، أن يتعاونوا من أجل خلق الموارد لكي يصبح هيكل حقوق الإنسان العالمي مستداماً ومبتكراً ومؤثراً، وهو ما دفع النرويج خلال دورة مجلس حقوق الإنسان لتقديم مشروع قرار بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان والتكنولوجيات الجديدة والناشئة، ويعترف هذا المشروع بأطر محدثة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.