كتب- سمير عثمان

وسط الأحداث المأساوية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويشهدها قطاع غزة تحديدًا، منذ أحداث طوفان الأقصي في أكتوبر 2023، بدأت بوادر أزمة إنسانية جديدة تلوح في الأفق، وذلك بعد دخول تشريع إسرائيلي بحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” داخل الأراضي المحتلة.

البداية كانت باتهام إسرائيل للوكالة بضلوع موظفيها في أحداث 7 أكتوبر، وأن الوكالة تعمل جنبًا إلى جنب مع منظمة حماس التي خططت ونفذت الهجوم، ومنذ بداية الحرب على غزة استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي فريق عمل الأونروا، ما أدى إلى وقوع 275 ضحية، فضلًا عن استهداف المخيمات التي تعمل بها الوكالة، وتقدم من خلالها خدماتها للاجئين سواء كانت مدارس أو مستشفيات أو مخيمات.

التشريع الإسرائيلي

في أكتوبر الماضي، وافق الكنيست الإسرائيلي بأغلبية الأعضاء، على تشريعين لوقف عمل الأونروا، أحدهما يتعلق بعمل الوكالة في الداخل الإسرائيلي، والآخر وقف أعمال الوكالة في الأراضي المحتلة، وهو ما وصفه المجتمع الدولي، بأنه قرار يزيد من معاناة الفلسطينيين، ويقوض جهود السلام بالمنطقة.

التشريع نص، على أنه بنهاية يناير الماضي يجب على الوكالة إخلاء جميع مبانيها في القدس الشرقية، ووقف جميع عمليات المساعدات التي تقوم بها في غزة، فيما أعلن دانييل ميرون، مندوب دولة الاحتلال لدى الأمم المتحدة، أن إسرائيل تشجع وكالات الأمم المتحدة على تولي عمل الأونروا في القطاع، فيما أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان لها، أنه تم إبلاغ الأمم المتحدة بإلغاء الاتفاقية المبرمة بين إسرائيل والأونروا، معتبرًة أن العاملين بالوكالة شاركوا في أحداث 7 أكتوبر، وأن العديد من موظفيها ينتمون لحركة حماس.

القانون الإسرائيلي تضمن عدم تعاون السلطات الإسرائيلية في التنسيق مع الوكالة سواء في إنشاء مقرات العمليات، أو الحصول على التأشيرات والإقامة وتصاريح العمل للموظفين والتنسيق مع السلطات العسكرية، في كل ما يتعلق بالعمليات التشغيلية للوكالة، وهو ما يعني عدم قدرة دخول موظفين دوليين للعمل بالوكالة، أو تقديم أي خدمة ما دامت تمتلك دولة الاحتلال القرار.

أهمية الأونروا

تأسست الوكالة الأممية عام 1949، بعد احتلال إسرائيل لدولة فلسطين، بهدف تقديم الدعم والرعاية للفلسطينيين النازحين، يبلغ عدد العاملين ضمن صفوف الأونروا حوالي 30 ألف شخص منهم العديد من اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم، وتتكفل الوكالة بجميع اللاجئين سواء داخل فلسطين أو في البلاد المجاورة، مثل الأردن ولبنان وسوريا.

تدير الوكالة حوالي 702 مدرسة ابتدائية وإعدادية في فلسطين، تقدم التعليم المجاني لما يزيد عن نصف مليون لاجئ، كما تدير الأونروا 104 مراكز صحية لتقديم خدمات الرعاية الصحية، لما يقرب من مليوني فلسطيني.

تضمن تفويض الأونروا إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول أخرى كهدف رئيسي، ولكن تم حذف هذا البند في أواخر الخمسينيات بعد ضغط من الدول العربية، ومنذ ذلك الحين، اعتمدت الأونروا سياسة أن أحفاد اللاجئين الفلسطينيين يُعتبرون لاجئين بدورهم، ويحتفظون بـ “حق العودة” إلى بلادهم بغض النظر، عما إذا كانوا قد بدأوا حياة جديدة في أماكن أخرى، أو حتى حصلوا على جنسية أخرى.

ويعد هذا السبب أحد أسباب محاولات دولة الاحتلال تقويض عمل الوكالة، حيث تساهم أعمالها في ترسيخ عقلية أصحاب الأرض، ما يغذي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولو بشكل جزئي.

بعد أحداث غزة أصبحت الأونروا تتكفل بحوالي 6 ملايين فلسطيني، من خلال تقديم الأساسيات اللازمة للحياة، مثل الغذاء والعلاج والتعليم وغيرها من أساسيات الحياة التي باتت غزة تفتقر إليها بعد حرب 7 أكتوبر.

وفقًا لبيانات الوكالة التي أصبحت تصدرها بشكل مستمر منذ بداية الحرب، تم تقديم الغذاء لحوالي 1.9 مليون فلسطيني، حتى وقف إطلاق النار، كما عملت في حالات الطوارئ التي وقعت بعد الحرب على تشغيل آبار المياه وصيانتها وأنظمة تحلية المياه والتزويد المباشر للمياه من خلال نقل المياه بالشاحنات وتوزيع المياه المعبأة في زجاجات، فضلًا عن نقل أطنان من النفايات الصلبة التي وصلت إلى أكثر من 5 أطنان.

بجانب ذلك قدمت الوكالة الأممية خدمات الدعم النفسي الاجتماعي المنقذة للحياة في غزة بعد الحرب، حيث قدمت للأطفال والشباب والبالغين في غزة الإسعافات الأولية النفسية والإرشاد الفردي والجماعي وجلسات إدارة الإجهاد والأنشطة الترفيهية، والتثقيف بمخاطر الذخائر المتفجرة ومساعدات الحماية النقدية، واستفاد حوالي 730 ألف نازح، بمن فيهم أكثر من 520 ألف طفل، بحوالي 287 ألف جلسة ونشاط في إطار برنامج الدعم النفسي الاجتماعي.

العديد من الخدمات المنقذة للحياة قدمتها الأونروا على مدار الحرب على غزة وما قبلها، بما فيها الإسعافات الأولية والدعم النفسي الاجتماعي، وخدمات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتمكين وغيرها من الخدمات التي بتوقفها، لا يمكن أن تستمر الحياة داخل غزة، ولكنها ستزيد معاناة الملايين من اللاجئين، فضلًا عن حرمان آلاف الأطفال من حقهم في التعليم والرعاية الصحية.

الملايين يواجهون الموت في العراء

أعلن فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا أن ما يحدث من محاولات لوقف عمل الوكالة في غزة، يهدد حياة ملايين المدنيين، خاصة أنهم لم يحظوا بفترة راحة لأكثر من 15 شهرًا هو طول أمد الحرب.

ووصف لازاريني اتهامات إسرائيل لموظفي الوكالة، بأنها حرب تضليل إعلامية، تصور الموظفين، كأنهم إرهابيين، موضحًا أن الأمر لا يتعلق بالوكالة فقط، ولكنه يتعلق بأي فرد أو منظمة تدعو إلى الالتزام بالقانون الإنساني الدولي أو تعزيز حقوق الفلسطينيين، مشيرًا إلى أنه تم بالفعل إسكات عدد من المنظمات غير الحكومية الدولية، ومحذرًا أن هناك جهدا أكبر وأكثر تضافرًا في إسرائيل لتقويض أو تقييد عمليات المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية من خلال التدابير التشريعية، مشددًا على أنه على الرغم من هذه التحديات، فإن الأونروا باقية وستنفذ تفويضها الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى يصبح من غير الممكن القيام بذلك.

على صعيد متصل، أعلن أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أن المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التأسيسي تلزم إسرائيل، أن تقدم للأمم المتحدة كل المساعدة في عملها، منددًا بقرار حظر عمل الأونروا، ومشددًا على أنه لا غنى عن عمل الوكالة التي تعد شريان الحياة للاجئين الفلسطينيين.

وفي نفس السياق، أعلنت العديد من الدول المانحة للأونروا، رفضها للقرار الإسرائيلي، وأنه سيؤدي إلى كارثة لا يمكن تحمل عواقبها، خاصة في ظل عدم وجود أي وكالة أممية أخرى، تستطيع القيام بمهامها.