كتبت: دعاء عبد المنعم

بسرية تامة، قررت تونس سحب الاعتراف باختصاص المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان في 3 مارس الجاري، في قبول العرائض الصادرة عن الأفراد والمنظمات غير الحكومية التي تتمتع بصفة مراقب لدى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

القرار تسرب في وقت لاحق وسط استياء المنظمات الحقوقية في تونس، التي اعتبرت هذا القرار تهرب تونس من مسئوليتها بالحفاظ على حقوق الإنسان.

المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان محكمة قارية أنشأتها البلدان الإفريقية لضمان حماية حقوق الإنسان والشعوب في إفريقيا، وهي تكمل وتعزز دور اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

تم إنشاء المحكمة بموجب المادة 1 من بروتوكول الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

عام 2004، ومقرها في مدينة أروشا تنزانيا، وتتكون المحكمة من 11 قاضيًا، وصادقت عليها 32 دولة إفريقية، أودعت 8 دول فقط منها الإعلان الذي يعترف باختصاص المحكمة لتلقي القضايا مباشرة من المنظمات غير الحكومية والأفراد، وهي: بوركينا فاسو، جامبيا، غانا، غينيا بيساو، مالي، ملاوي ، النيجر، وتونس.

وانضمت تونس إلى المحكمة سنة 2007، وصادقت على الميثاق الأإريقي عام 1983، في حين لم تصدق مصر بعد علي برتوكول إنشاء المحكمة الإفريقية، رغم أنها من الدول التي وقعت على البرتوكول.

وصادقت مصر علي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب عام 1984، ودعت بعض الجهات الحقوقية مصر للتصديق علي البروتوكول، مما يحسن صورتها في مجال حقوق الإنسان.

تونس ترفض التنفيذ

بالرغم من منح تونس مواطنيها والمنظمات غير الحكومية حق تقديم التماسات إلى المحكمة عام ٢٠١٧، إلا أنها قررت سحب الاعتراف باختصاص المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان، وحلل الخبراء أسباب اتخاذ هذا القرار بالرغم من عدم إبداء السلطات التونسية أي أسباب، أبرزها أصدار المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان عدة أحكام ضد نظام الرئيس “قيس سعيد “، الذي أصدر المرسوم 117 بهدف الانفراد بالحكم وإعلانه التدابير الاستثنائية 2021 التي حل بموجبها البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، وألغى الدستور.

أصدرت المحكمة حكمًا ببطلان المرسوم 117، واعتبرته المحكمة الإفريقية غير دستوري، بعد تلقيها شكاوى من معارضين لهذه القرارات، ولم تستجب السلطات التونسية لأحكام المحكمة، ووصل الأمر إلى التوتر بين النظام التونسي والمحكمة.

وزاد التوتر عقب إصدار المحكمة الإفريقية حكمًا ضد السلطة التونسية؛ تسبب في سحب تونس الاعتراف باختصاص المحكمة.
وكان ذلك بسبب محاكمة السلطات التونسية بعض المعارضين السياسيين في فبراير 2023 بتهم التآمر على أمن الدولة، وقام أقارب هؤلاء المعارضين برفع دعوي قضائية أمام المحكمة الإفريقية؛ للمطالبة بالإفراج عنهم، وفي أغسطس أصدرت المحكمة حكماً ضد السلطات التونسية، وحثّتها على الكف عن منع الموقوفين من الاتصال بمحاميهم وأطبائهم.

وأعلنت منظمات حقوقية استيائها وغضبها عن هذا القرار ووصفته، بأنه انتكاسة خطيرة لتونس في مجال حقوق الإنسان:

وصفت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قرار الانسحاب، بأنه “انتكاسة خطيرة ومحاولة للتنصل من هيئة قضائية مستقلة، والتنصل من المسؤولية، والإفلات من العقاب، مما يمهد الطريق لمزيد من الانتهاكات دون أي محاسبة”.

في حين دعت العديد من المنظمات الحقوقية تونس إلى مراجعة موقفها والعدول فورا عن هذا القرار، احتراما لتعهدات تونس الدولية والإقليمية في مجال الحريات وضمانا لحماية مكتسبات حقوق الإنسان، وعدم المساس بمصداقية تونس أمام المنظمات الدولية.


بينما أشار المحامي والناشط الحقوقي “العياشي الهمامي”، إلى إن القرار يعد “تراجعا خطيرا عن التزامات تونس الدولية والإقليمية لحماية حقوق الإنسان، واستمرارا من قبل النظام الحالي في نهج الحكم الفردي، وضرب الحريات ورفض أي آلية للمحاسبة”،

واعتبر أن القرار يتماشى مع ممارسات سابقة للنظام مثل، رفض تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وسحب اختصاص البت في الطعون الانتخابية من المحكمة الإدارية إلى القضاء العدلي، قبيل أيام من موعد الاقتراع.

وقال المحامي والسياسي “سمير بن عمر”، في تعليق على قرار سحب الاعتراف: يندرج في إطار سلسة الإجراءات التي اتخذتها السلطة في إطار التضييق على الحريات والرجوع للوراء والانتكاسة على الثورة.

تبعات القرار


اتخاذ تونس هذا القرار يُعني عدم تقديم الأفراد وجماعات حقوق الانسان في تونس شكوى ضد السلطات، وهو ما يراه حقوقيون توجها نحو الاستبداد، وأن النظام التونسي يواصل سياسة العزلة القانونية لحماية نظامه من المساءلة القانونية، مما يضعف الثقة بين السلطة التونسية والمنظمات الدولية.

حالة حقوق الإنسان في تونس

أوضحت تقارير دولية، صدرت مؤخرا عن منظمات حقوقية بينها ” هيومن رايتس ووتش”، أن السلطات التونسية تمارس قمعا لحرية التعبير وحرية الإعلام وتقوض استقلالية القضاء، ويستهدف منظمات المجتمع المدني، وهناك تدهورًا ملحوظًا في حماية حقوق اللاجئين في تونس خلال الفترة الأخيرة.

هل تتخذ الدول الإفريقية الأخرى نفس مسار تونس؟

لم تكن تونس الأولى التي فعلتها، فهناك 4 دول إفريقية أخري قامت بسحب الإعلان الذي يسمح للأفراد والمنظمات غير الحكومية باللجوء مباشرةً إلى المحكمة الإفريقية، عندما تعجز المحاكم الوطنية عن توفير العدالة لهم، حيث سحبت رواندا إعلانها في عام 2017، تنزانيا في عام 2019، كوت ديفوار وبنين في عام 2020، وتعتبر هذه الدول من الدول الـ32 التي صادقت علي بروتوكول إنشاء المحكمة. ربما في وقت لاحق قد تتخذ بعض الدول الإفريقية الأخرى نفس مسار تونس في ظل ضعف المؤسسية الدولية.