“هل ترى الحور العين”؟.. كان هذا السؤال الذي طرحه أحد عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي على زميله المشرف على الموت، طالبًا منه أن وصف الحور العين وعددهن، قبل مفارقته عالم الشقاء والمعاناة، إلى المتع التي لا تنتهي.
الحلم الأسطوري وحياة الملذات والاستمتاع غير المحدود، وسيلة المتطرفين دينيًا لجذب الشباب اللاهث وراء الشهوة والراحة والتلذذ بعيدًا عن الجهد والتعب.
ولأن الجنة دار نعيم، ففي سطورنا التالية، نلقى الضوء على أبرز مظاهر هذا النعيم، والذي يدفع فيه بعض الشباب أعمارهم ثمنًا للحصول عليه، وهو “الجنس” في الجنة ووجوده، والحور العين وطبيعتهن، ونساء أهل الدنيا وموقفهن من هؤلاء اللاتي يشاركنهن رجالهن.
الحور العين
عند التطرق إلى “الحور العين”، يطفو على الذهن مباشرة الجمال المطلق، الذي وعد به الله أهل الجنة، ولطالما مثلت “الحور” أكثر تساؤلات عالم الرجال حول طبيعتهن وأعدادهن ونصيب كل فرد منهم.
للتعرف على “الحور العين”، دعنا نأخذك، في جولة سريعة بين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحدثت عنهن.
ومعنى “الحور” ومفردها الحوراء، الشابة الجميلة صاحبة العيون السوداء، والبشرة شديدة البياض.
ففي القرآن الكريم، ذكر الله سبحانه وتعالى “الحور العين” في أكثر من موضع منها قوله جل وعلا: “كذلك وزوجناهم بحور عين”.
كذلك قال الله عنهن: “فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، فبأي آلاء ربكما تكذبان، كأنهن الياقوت والمرجان”.
ووفقًا للمفسرين، فإن “الحور العين” لا يرجون سوى رجالهن فقط، ولم يُمسسن من قبل، فجميعهن بكر، ويتصفن بنعومة الملمس، وبياض البشرة.
وعن الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب”.
وقد روى الإمام البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً، ولأضاءت ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها”.
وعن ابن عباس قال: “في الجنة حوراء يقال لها لعبة، لو بزقت في البحر لعذب ماء البحر كله، مكتوب على نحرها، من أحب أن يكون له مثلي، فليعمل بطاعة ربي”.
وقال الغزالي، “إن على الواحدة من الحور العين، ثوب، إذا نفذها بصر، رأى صاحب البصر مخ ساقها من وراء ذلك”، وقال أيضا “نساء الجنة خالدات البكارة، وشغل أهل الجنة افتضاض الابكار، وأدنى أهل الجنة يتراوح امتلاكه 500 حوراء وأربعة آلاف بكر و8 آلاف سيب، وإن ما من عبد دخل الجنة إلا وتحت رجليه اثنتين من الحور العين، يغنيانه بأحسن صوت سمعه الجن والإنس وليس بمزمار الشيطان”.
فالإجماع يؤكد، أنهن الجمال المطلق، والرقة والعذوبة التي يبحث عنها كل رجال الأرض، ما يجعلهن الجوائز التي يلهث الرجال للحصول عليها بأي ثمن، دون باقي نعيم الجنة.
نصيب كل رجل
يتغنى أفراد الجماعات المتشددة، بأعداد “الحور العين” التي سينالها كل منهم، حتى بحثوا في كل حديث وآية وتفسير، لـ”حسبة” عدد الحور العين اللواتي سيكن من نصيبه.
وتذهب أغلب التفاسير، إلى أن نصيب الفرد يتوقف على مدى طاعته ودرجته بالجنة.
ويقول ابن تيمية حول أعداد الحور العين، “لكل رجل من أهل الجنة زوجتان من الإنسيات سوى الحور العين”، وهو الرأي الذي واقفه عليه ابن كثير.
ونقلا عن أبي هريرة، في وصفه أدنى رجال أهل الجنة منزلة، أن له من الحور العين 72 زوجة سوى زوجاته من الدنيا.
أما ابن القيم، فيقول “لكل رجل بالجنة زوجتان من الحور ولا زيادة عن ذلك”، ويوافقه الإمام بن رجب في هذا الرأي فيقول “إن الرجل إذا دخل الجنة كانت له زوجتان والزيادة تكون بحسب درجاته والأعمال التي قام بها ولا يوجد غير ذلك”.
ووفقًا لأغلب الآراء في هذا الشأن، فإن الثابت أن لكل رجل اثنتان من الحور، وتزيد بزيادة الدرجة، فمثلا الشهيد له 72 حورية، حسب الحديث، عن النبي “للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوتار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه”.
وكون الشهيد هو الأكثر فوزًا بـ”الحور العين”، فيلهث المتطرفون إلى إراقة الدماء، بحثًا عن مكانة الشهداء للحصول على جميلات الجنة.
وفى تفسير حديث لوضع الحور العين، أن الرجل في الجنة يمنح 70 حورية، وكل حورية لها 70 وصيفة، وكلاهما حلال له، بجانب زوجاته من الإنسيات، واللاتي تصاحبهن 70 حورية لكل منها 70 وصيفة.
وبحسبة بسيطة، لو افترضنا رجلًا تزوج في الدنيا 4 زوجات × 70 حورية يساوى 280 حورية، و280 حورية×70 وصيفة يكون الإجمالي 19600، وهو رقم ضخم يسعى رجال الأرض للفوز به، باعتباره تلخيصًا لجميع نعم وعطايا الجنة.
هل يوجد “جنس” في الجنة؟
رغم أن العلاقة الجنسية، أوجدها الله للبشر للحفاظ على التناسل، وللتقارب بين طرفي الخلافة في الأرض، الرجل والمرأة، ورغم جهود البحث والتفسير الخاصة بالنعيم المنتظر مع الحور العين، إلا أن جدلًا أثير حول هذه الجزئية، كون شكل الحياة في الجنة يختلف عن الأرض.
ومن الذين أثاروا الجدل، الداعية وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية خالد الجندي، الذي أفتى بعدم وجود علاقات جنسية في الجنة، وأن الأعضاء التناسلية لأهل الأرض سوف تختفي لأنها أنهت دورها، كما نفى الزواج من الحور العين، ما جعله يتعرض لموجة من الانتقادات من الشيوخ والدعاة، بمختلف توجهاتهم.
وذهبت آراء إلى أن ممارسة الجنس في الجنة، إحدى المتع الممنوحة للرجال، وستكون مع زوجاته من الإنس والحور العين، ولكن تحركه المشاعر وليس الاحتياج.
وقال نوح العيسوى وكيل وزارة الأوقاف، إن الممارسة الجنسية في الجنة موجودة ولكن الخلاف على الإنجاب، الذي يتردد أنه وفقًا لاشتهاء الشخص، فإذا أراد ابنًا ولد له في نفس الوقت.
وينقل المفسرون عن عبد الله بن مسعود، وابن عباس، أن تفسير الآية “أن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون” أن أهل الجنة سيكون شغلهم افتضاض الأبكار من الحور العين والإنسيات.
فيما استند المفسرون لحديث عن أنس رضى الله عنه عن النبي أنه قال: “يُعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع، قيل يا رسول الله ويطيق ذلك؟ قال: يعطى قوة مائة”، بمعنى أن الرجل يعطى قوة مائة شخص حتى يستمتع بنصيبه من الحور العين.
المرأة
تتردد أسئلة كثيرة حول وضع المرأة في الجنة، وهل سيكون لها أمثال الرجل حور عين، كونها شريكة في التكليفات المكلف بها الرجل في الدنيا؟.
وحدد المفسرون وضع المرأة في تلك المسألة بأكثر من صورة، أولها المرأة التي تزوجت في الدنيا، يحق لها أن تختار الزواج من زوجها في الجنة أيضًا، وهي هنا مجابة، أو أن تختار غيره في الجنة.
قال ابن القيم في كتاب “هادى الأرواح”، إن المرأة التي لم تتزوج في الدنيا، تخير بما شاءت، لو كانت تريد الزواج من شخص في الدنيا ولم تتزوجه يكن لها في الجنة أن تتزوجه، أو تختار ما تريد من زوج لها، وإذا كانت متزوجة في الدنيا ولا تريد زوجها لها أن تختار من تشاء.
وقيل إن المرأة في الجنة يزداد جمالها ويشع منها النور، وكلما اقترب منها زوجها يجدها بكرًا، ورغم ذلك تتبادل الحور العين والإنسيات الرد على بعضهن.
وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت “إن الحور العين قلن هذه المقالة إجابتهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا، نحن المصليات وما صليتن، ونحن الصائمات وما صمتن، ونحن المتوضئات وما توضأتن ونحن المتصدقات وما تصدقتن، فغلبنهن”.
في اليهودية والمسيحية
لم يكن جدال الجنس في الجنة من نصيب الإسلام فقط، ففي المسيحية أيضًا تطرقت لتلك المسألة.
ففي اليهودية ترجع التفاسير فيها لعدم وجود زواج أو تناسل في الجنة، ووفقا للتلمود اليهودي، وهو الكتاب الثاني بعد التوراة، فيقول فيها أحد الحاخامات “الجنة ليست كهذه الأرض، لا أكل فيها ولا شرب ولا زواج ولا تناسل ولا تجارة ولا حقد ولا ضغينة ولا حسد بين النفوس، بل الصالح سوف يجلس وفوق رأسه تاج ويستمتع بالسكينة”.
وفي المسيحية، يقول إنجيل متى “كل من ترك بيوتا، أو أخوة أو أخوات أو أبا أو أما، أو امرأة أو أولاد أو حقول من أجل اسمي، يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية”.
ويرجع البعض تفسير تلك الآية، إلى أنها تعنى الزواج في الجنة، في حين رأتها تفاسير أخرى بأن هذا التعويض يكون في الدنيا وليس الحياة الأبدية.