كثيرة هي الانتقادات التي توجه للمجلس القومي لحقوق الإنسان. كما يقول المثل الشعبي المصري: “الشاطرة تغزل برجل حمار”، بمعنى أن المجلس يعمل بكامل طاقته المتوفرة لديه، وفي حدود القانون الذي أنشئ من خلاله (قانون 94 لسنة 2003)، والذي عدل بالقانون (197 لسنة2017)، وذلك عقب وضع دستور جديد للبلاد عقب أحداث 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013.
من تصنيف A إلى تصنيف B
الانتقادات الموجهة للمجلس نزلت به مؤخرا من قبل التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (GANHRI) من A إلى تصنيف B، وهذا التصنيف يرجع بلا شك لعديد الأمور التي يمكن إجمالها في انتهاكات مبادئ باريس 1991 بشأن تنظيم عمل المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، وذلك فيما يلي:-
– ضعف تعاطي المجلس بشكل فعال مع القضايا المصرية الملحة المتعلقة بحقوق الإنسان، وهنا الكلام مرتبط ليس بتأخر تفاعل المجلس مع كافة الشؤون المصرية ذات الطابع الحقوقي، ولكن الأهم من ذلك عدم متابعة أي تفاعل، وعدم الرد بقوة على التقصير الحكومي في ذلك.
– غياب مساهمة المجلس فى مناقشات التشريعات وإبداء الرأي، ما برز في غياب دور المجلس في التشابك مع عديد الأمور المطروحة على الساحة منذ عدة سنوات كالتعديلين الدستوريين الأخيرين، وتعديل قوانين الانتخابات البرلمانية التي جرت عامي 2016 و2020، ناهيك عن الموقف من قانون التظاهر وبناء دور العبادة وغيره.. إلخ.
– الافتقاد لسياسة مستقلة ومستدامة للتعامل مع السجون وأماكن الاحتجاز بأقسام ومخافر الشرطة، ويرجع ذلك بالأساس إلى استئذان المجلس قبل القيام بزيارات لتلك الأماكن، ما يجعل الزيارات غير فجائية، ومن ثم عديمة الجدوى.
– تقييد المجلس في تلقي التمويل الخارجي دون موافقة البرلمان، إذ يشير القانون في المادة 12 منه، والخاصة بموارد المجلس، أن تكون “في حالة تقديمها من جهه أجنبية، يلزم لقبولها موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه، ما لم تترتب عليها التزامات متبادلة أو تقدم في شكل اتفاقية دولية، فيلزم لقبولها موافقة مجلس النواب”.
– توتر علاقة المجلس بمنظمات المجتمع المدني، مما أفقده قيمته كمنصة تنسيقية بين الدولة والمجتمع المدني، إذ تلاحظ في التعامل بين الطرفين، أن المجلس القومي ينظر أحيانا للمنظمات الحقوقية المصرية كمنافس له في فرص تلقي التمويل، كما أنه يراهن على بعض الجمعيات التنموية والصغيرة بالمحافظات كبديل عن تعاونه مع المنظمات ذات الرؤى الحقوقية، ليتحول المجلس القومي لمجرد منظمة حقوقية كغيره من المنظمات، وهو ما أفقده أحد أهم أدواته ومصادر قوته في العمل كآلية مستقلة، تسعى لتعزيز وتنمية حرية الرأي والتعبير.
– شُح إصدار التقارير التي ترصد الانتهاكات الحقوقية الرسمية وغير الرسمية، وبالمقابل الترويج لأعمال الحكومة المتصلة بالشأن الحقوقي، كالترويج لاستراتيجية حقوق الإنسان، والتحول الرقمي، مع إهمال المجلس لقضايا الحبس الاحتياطي والعدالة الناجزة وغيرها.
– تكاسل تعاطي المجلس مع الشأن الحقوقي الدولي، وقد تمثل ذلك في عدم تفاعل المجلس بكد ومثابرة مع الاستحقاقات الدولية التي كان يجب على مصر أن تتعاطى معها من خلال التصديق على بعض الاتفاقات المهمة، ومن ذلك التصديق على اتفاقيات مناهضة التعذيب والاختفاء القسري وحقوق العمال المهاجرين.
علاقة غير مفهومة مع السلطة
وفيما يتعلق بعلاقة المجلس القومي مع السلطة، فيبدو الأمر غائما وضبابيا وغير مفهوم إلى حد كبير. إذ لا تساعد السلطة المجلس على القيام بدوره، ولا يجاهد المجلس في سبيل خلق دور فاعل له مع السلطة، وفي هذا الصدد يمكن سرد المؤشرات التالية: –
– وجود أعضاء من مجلس حقوق الإنسان، ممن هم قد لا تنطبق عليهم شرط الحياد، ما يثير قلقا متزايدا من استقلالية المجلس، وهذا الأمر مرده بشكل رئيس إلى الدور الحاسم في كون مجلس النواب هو من يختار أعضاء المجلس، صحيح أن هذا الاختيار وفقا للمادة 2 من القانون يتم من “الشخصيات العامة المشهود لها بالخبرة والاهتمام بمسائل حقوق الإنسان، أو من ذوي العطاء المتميز في مجال حقوق الإنسان، على أن يكون من بينهم أحد أساتذة القانون الدستوري بالجامعات المصرية”، لكن بالمقابل يلاحظ أن أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب يشغلون مواقعهم من خلال نظام التعيين المباشر، أو المقنع عبر نظام القائمة المطلقة، مما يجعل اختيارات هؤلاء لأعضاء المجلس الحقوقي تتماهى مع اختيارات السلطة إلى حد كبير.
– يفضي العامل السابق آنفا، إلى أن دور المجلس وأدائه أصبح متأثرا بهذا الهيكل، إذ أحيانا ما يتهم المجلس، بأنه يقوم بتبييض وجه السلطة في مصر، وتوجيه انتقادات هادئة ومحسوبة، خشية أن يثير النقد الشديد غضب القائمين بتعيين أعضاء المجلس، ومن لهم أفضال على وجود بعض الأعضاء تحديدا.
– عدم مساعدة السلطة للمجلس في تهيئة الأجواء لممارسة عمله. واحد من أهم العوامل التي تفضي لتلك المساعدة تنفيذ المخرجات الصادرة عن المجلس، وغيرها من الأمور المتصلة بالمبادرة بمساعدة المجلس في القيام بمهامه. خذ على سبيل المثال، ما ورد في الدستور من أهمية سن قانون تداول المعلومات، وقانون منع التمييز، وقانون الإدارة المحلية، وقانون العدالة الانتقالية وغيرها وغيرها، هذا الأمر يسفر عن حالة من الانفتاح التلقائي في المجال العام، ومن ثم يجعل عمل المجلس أكثر سهولة ويسر، ويبقيه مؤسسة لها دور مهم في النظام السياسي.
ما العمل؟
وسط تلك الانتقادات يصبح من الملائم تعديل قانون عمل المجلس، حتى يصبح المجلس فاعلا، وفي هذا الصدد من المهم تحقيق ما يلي: –
– إيجاد آلية جديدة لاختيار أعضاء المجلس غير تلك القائمة في الوقت الحالي، والمعتمدة على تعيين مجلس النواب لأعضاء المجلس الـ27، صحيح أن وجود تلك الآلية يتسم بالصعوبة لعدم وجود قدر من الاستقلالية، والحياد لعديد المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في النظام السياسي في الوقت الراهن، لكن مشاركة أكثر من جهه في الاختيار قبل المصادقة على الاختيار النهائي لعضوية المجلس ككل، يقضي على تلك السمة السلبية. يرتبط بذلك أن يكون لأعضاء المجلس نوع من الحصانة، حتى يقوم هؤلاء بأداء دورهم، هنا لا يكون من الملائم أن نعطي الحق لمجلس النواب بإنهاء عضوية عضو المجلس، كما هو وارد وفقا للمادة 2 مكرر د في قانون المجلس، كما يكون من الملائم منح عضو المجلس حق دخول أماكن بعينها ذات صلة بعمله، وأيضا ألا يُقبض عليه إلا في حالة التلبس بالجرم المشهود.
– رفع أي رقابة مالية من قبل مجلس النواب على المجلس. بعبارة أكثر وضوحا، منع أي دور لمجلس النواب في الرقابة بالموافقة المسبقة على تلقي المجلس القومي لحقوق الإنسان منحا أجنبية، تخص أداء عمله، بحيث يصبح للمجلس الأخير وحده تقدير، ما إذا كان يقبل منحة ما أو يرفضها، دون وصاية.
– قيام المجلس بزيارة المواقع ذات الصلة بعمله كالسجون وأماكن الاحتجاز، دون أي إعلام مسبق بموعد وتوقيت الزيارة، إذ تصبح الزيارة في تلك الحالة دون جدوى ولا معنى لها، ما يجعل الملاحظات التي وردت للمجلس عن تلك الأماكن، والذي يرغب في التأكد منها لا فائدة منها.
– نشر تقارير المجلس الدورية وغير الدورية بشكل متوالٍ، بحيث لا يكون استلام تلك التقارير حكرا على مؤسسات دون غيرها، كما يشير القانون الحالي. هذا النشر ذو النطاق الواسع، يسهل اطلاع العامة على التقارير، ومن ثم يفضي لتحقيق الشفافية، وترشيد أداء عمل المجلس وإبراء ذمته في الداخل والخارج.
– وضع قناة اتصال مباشر مع الجهات الحكومية الثلاث، التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، بحيث يكون لرئيس المجلس بصفته ممثلا له القدرة على التواصل مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والنائب العام ووزير الداخلية ورؤساء الهيئات والجهات القضائية، وذلك سعيا لتيسير عمل المجلس، باعتباره جهة رقابية، تختص بحالة حقوق الإنسان في الدولة والمجتمع.
– زيادة دور المجلس التوعوي، مما يهدف معه لتأسيس جيل حقوقي، يفهم ويعي قيمة حقوق الإنسان، ويُعلم المواطن حقوقه والتزماته، حتى لا تُغبن تلك الحقوق.
– فتح المجلس قنوات دائمة مع مؤسسات التنشئة الاجتماعية، خاصة مؤسسات التعليم الرسمية، إذ أن ذلك لا يزود فحسب عن قيم حقوق الإنسان بين أطراف العملية التعليمية (الإدارة/ المدرس/ الطالب)، بل والأهم أنه يهدف إلى إصلاح المناهج، وتنشئة زبائنها على قيم المساواة وحرية الرأي والتعبير والنقد وغيرها.
- التقييم الدائم لمجلس حقوق الإنسان لأداء السلطة في المجال الحقوقي، والعمل على تنفيذ توصيات المجلس والحث عليها، ومن ذلك على سبيل المثال العمل على تقييم ما تم تنفيذه، وما لم يتم من الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أصدرتها الدولة مؤخرا، وكذلك متابعة مصادقة مصر على عديد الاتفاقات الدولية الحقوقية.