كتبت- دعاء عبد المنعم
“لن أسمح بتحول إيطاليا إلى مخيم للاجئين في أوروبا”.. الجملة التي تحمل نوعا من العدائية تجاه المهاجرين، قالتها بشكل واضح ومباشر رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي دخلت السياسة من خلال حزب “الحركة الاجتماعية الإيطالية” اليميني المتطرف ذو الجذور الفاشية، لتصعد بعدها إلى رئاسة حزب “إخوة إيطاليا”، ثم حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، وكليهما يحمل نفس المبادئ اليمينية المتطرفة، لتصبح رئيسة لوزراء ايطاليا منذ أكتوبر 2022، وحتى الآن كأحد عناوين صعود اليمين الأوروبي المتطرف المتطرف إلى مقاعد الحكم والبرلمانات في دول أوروبا.
ميلوني ليست حالة فريدة، حيث تضم البرلمانات والحكومات الأوروبية حاليا أحزابًا يمينية متطرفة ذات تأثير في فرنسا وكرواتيا وإيطاليا والتشيك وسلوفاكيا وفنلندا والمجر وهولندا، بينما حصل الحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف على المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية الأخيرة في ألمانيا بنسبة 20%، وهي نتيجة لم يسبق الحصول عليها لحزب يميني متطرف منذ الحرب العالمية الثانية.
وتُجمع تلك الأحزاب فيما يتعلق بملف الهجرة على استخدام كافة الوسائل لتحجيمها والحد من تدفقات المهاجرين.
بالعودة إلى ميلوني، نجدها ترفض حل “أزمة المهاجرين” من خلال سياسة إعادة التوزيع فقط أي التوزع في كافة الدول الأوربية، وتعتبر الطريقة الوحيدة الناجحة هي وقف استقبال اللاجئين تماما.
تقول ميلوني: “سيكون لدينا كل الوقت اللازم، ليس فقط لإجراء الفحوصات اللازمة، بل أيضًا لبدء عملية ترحيل من لا يتمتعون بحق الحماية الدولية”. وأضافت أن مكافحة الهجرة “معركة تاريخية لإيطاليا وأوروبا”.
كيف نفهم صعود اليمين الأوروبي المتطرف
ولا يمكن فهم ظاهرة صعود اليمين المتطرف سياسيا في أوروبا بمعزل عن “المزاج العام” لشعوب القارة العجوز.
فقد أظهرت استطلاعات الرأي الأوروبية الأخيرة، أن الأوروبيين يرون أن الهجرة تشكل تهديدًا لهويتهم الوطنية، وزادت المطالبة بترحيل اللاجئين وعدم استقبال تدفقات آخري من المهاجرين، ومع صعود اليمين المتطرف في أوروبا خلال الفترة الأخيرة، تبلورت هذه الآراء في سياسات وحملات صارمة على المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين.
كان اليمين الأوروبي يري بعد الحرب العالمية الثانية، أنه لا بأس باستقبال المزيد من المهاجرين، بسبب الحاجة إلى اليد العاملة، لكن الرؤية الآن باتت مختلفة، وذلك لأسباب عدة.
حسب الاستطلاعات ذاتها، تتنوع أسباب رفض المزيد من اللاجئين وطالبي اللجوء، ووقف تدفقات الهجرة، في نقاط رئيسية في مقدمتها: زيادة الكراهية ضد المهاجرين، وتهديد الهوية الثقافية الأوروبية؛ بسبب المهاجرين، وخاصة القادمين من البلدان المسلمة، وتنامي النزعة القومية في أوروبا، والإسلاموفوبيا، وزيادة أعداد تدفقات المهاجرين واللاجئين، وزيادة البطالة.. ما أفضى في النهاية لتمدد الفكر المتطرف وانتشاره في أوروبا.
ويمكن رصد نجاح اليمين المتطرف في تصدر أحزابه وتقدمها بالانتخابات العامة في عدة دول أوربية مهمة، كتصدر حزب الحرية اليميني المتطرف للانتخابات في النمسا، وإخوان إيطاليا في إيطاليا، والتجمع الوطني في فرنسا، والاتحاد المدني في المجر، وحزب اليمين المحافظ في إسبانيا.
في انتخابات البرلمان الأوروبي 2024 حصل حزب الشعب الأوروبي- مجموعة حزب الشعب الأوروبي (الديمقراطيون المسيحيون) على 188 معقدًا من أصل 720 معقدا، وتضم هذه المجموعة أحزاب محافظة وأحزاب يمين الوسط،، في حين حصلت مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبية التي تتنمي أيضا إلى اليمين واليمين الوسطي على 78 معقدا في البرلمان، واحتلت مجموعة “وطنيون من أجل أوروبا”، اليمينة المتطرفة المركز الثالث في البرلمان، حيث حصلت على 84 مقعدًا، ومجموعة “أوروبا الدول ذات السيادة” التي تمثل اليمين المتطرف أيضًا على 25 مقعدا.
ويتشبع خطاب اليمين المتطرف بالكراهية والعنصرية والشعبوية والسلطوية، ويرفض العولمة وفكرة الاتحاد الأوروبي الذي يراه، أنه ينتهك السيادة الوطنية للدولة، كما يرفض المهاجرين، وخاصة المسلمين منهم، ويتسمك بالقيم ذات النزعات المحافظة والرجعية.
وكان عجز النظم الحاكمة التقليدية السابقة في حل الأزمات التي تشهدها أوروبا، ومنها الأزمة الاقتصادية الراهنة، والصراعات الحالية كالأزمة الأوكرانية والعدوان على غزة، وملف الهجرة. وهي عوامل اجتمعت لتؤدي إلى فقدان الشعوب الأوروبية الثقة في هذه النظم الحاكمة التقليدية، والتيارات الليبرالية، مما جعل اليمين المتطرف، ينتشر في جميع أنحاء أوروبا، ويحقق نتائج جيدة.
إذن فهناك علاقة طردية تجمع بين زيادة تدفقات المهاجرين، واللاجئين، وطالبي اللجوء وزيادة نفوذ اليمين المتطرف في أوروبا، إذ كلما زاد أعداد المهاجرين؛ زاد انتشار أيديولوجيا اليمين المتطرف في أوروبا.
سياسات جديدة تقيد وصول المهاجرين
تعتبر قضية الهجرة ورقة رابحة في أي انتخابات أوروبية، حيث تبني اتجاه الكراهية ورفض المهاجرين في خطابات الترشح للانتخابات الأوروبية، بات أحد عوامل زيادة شعبية ونجاح المترشح أو الحزب.
واستخدمت أحزاب يمينة وشخصيات متطرفة في أوروبا الخطاب الشعبوي القائم على معاداة المهاجرين واللاجئين في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، وأصبحت بعض هذه الشخصيات في صدارة مشهد الحكم، كجورجيا ميلوني التي دعت أثناء حملتها الانتخابية إلى وقف الهجرة عن طريق البحر تماما وفرض حصار بحري.
وفي بريطانيا وافق البرلمان على مشروع قانون جديد لأمن الحدود واللجوء والهجرة، قدمته الحكومة، ويهدف إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد تهريب الأشخاص، ومنع عبور القوارب الصغيرة الخطيرة عبر القنال الإنجليزي.
وانتقد الخبراء الحقوقيون هذا القانون محذرين، من أن بعض التدابير يمكن أن تجرم طالبي اللجوء، بدلاً من التركيز فقط على المجرمين، والآن المشروع في مرحلة اللجان في مجلس العموم البريطاني.
حزب فوكس الإسباني اليميني المتطرف، نظم في مدريد خلال فبراير الماضي فعالية جمعت قادة اليمين المتطرف في أوروبا، وفي المقدمة رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان”، وزعيمة اليمين المتطرف الفرنسي “مارين لوبن”، تحت عنوان “لنجعل أوروبا عظيمة من جديد”، في استلهام واضح للهجة الترامبية اليمينية المتطرفة عن “أمريكا العظيمة مجددا”.
واستهدف التجمع وضع استراتيجية، يرى أنه يجب اتباعها في مواجهة المفوضية الأوروبية “الجهاز الإداري للاتحاد الأوربي” المتهمة بتشجيع الهجرة غير النظامية، والتزمت في قضايا البيئة والمناخ.
الاتحاد الأوربي خطوة للخلف
كانت المفوضية الأوروبي قامت بدارسة خطة تتضمن اقتراحات جديدة؛ لزيادة فرض قواعد صارمة على ترحيل طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم، وطرحت المفوضية الأوروبية هذه الخطة في مارس الماضي، وتتضمن فرض عقوبات على طالبي اللجوء المرفوضين الذين رفضوا المشاركة في إجراءات إعادتهم، والتي تشمل تخفيض الإعانات، أو فرض حظر دخول طويل الأمد إلى الاتحاد الأوروبي، وقواعد صارمة على الأشخاص الذين يشكلون خطرًا أمنيًا، والاعتراف بين الدول الأعضاء بشكل متبادل بقرارات الترحيل الصادرة داخل الاتحاد الأوروبي؛ لتسريع الإجراءات وتسهيل تنفيذها، وإنشاء مراكز للإعادة في مراكز خارج الاتحاد الأوروبي.
ولقيت هذه الخطة ترحيبًا من بعض حكومات الدول الأوروبية، ومنها ألمانيا والدنمارك والنرويج والسويد وهولندا، بينما عارضت إسبانيا هذه الخطة، في حين عقبت بعض المنظمات الدولية على هذه الخطة، أنها قد تعرقل قبول إجراءات طالبي اللجوء ممن لهم أحقية في اللجوء لدواعي إنسانية.
وفي الوقت ذاته أقر الاتحاد الأوروبي مجموعة تشريعات جديدة متعلقة بالهجرة، وطالبي اللجوء خلال العام السابق؛ يهدف بعضها لتسريع ترحيل المهاجرين، والتي تسمى بإصلاح شامل لقوانين الهجرة واللجوء، وتدخل هذه التشريعات حيز التنفيذ 2026.
وتمشيا مع هذا التوجه وافق البرلمان الألماني خلال العام السابق على تشريع جديد، يتيح سحب المنافع الاجتماعية من طالبي اللجوء الذين سبق لهم أن تسجلوا في دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، والذين من المتوقع ترحيلهم، في ظل زيادة نفوذ حزب اليمين المتطرف “البديل من أجل ألمانيا” في ألمانيا، والذي ينص على حرمان اللاجئين الذين يعودون مؤقتا إلى بلدهم من الحقّ في الاستفادة من حماية في ألمانيا.
وأقرت الحكومة الإيطالية خلال عام 2023 إجراءات، تفوض السلطات المعنية احتجاز المهاجرين غير الشرعيين، بدون تأشيرة لمدة تصل إلى 18 شهرا، وأمرت ببناء مراكز جديدة مُخصصة لهم، حتى يُمنحوا حق اللجوء، أو يُعادوا إلى أوطانهم، وتأتي هذه الإصلاحات المتشددة في أعقاب زيادة في أعداد المهاجرين بالقوارب في هذا العام، حيث وصل أكثر من 10 آلاف شخص إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية الصغيرة، وهو عدد أكبر من عدد سكانها المعتاد.
ومن المرجح، أن تستمر القيود الصارمة على المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في ظل صعود اليمين المتطرف في أوروبا.
ولن تقتصر سياسات اليمين المتطرف على ملف الهجرة واللاجئين، بل قد يصل الأمر إلى تبعات تضعف بل وربما تقوض تماسك الاتحاد الأوروبي، حيث تتصاعد نزعات استقلالية مفرطة لدى دول بالاتحاد، وهي نزعات تبتعد بدرجة وأحيانا بدرجات عن الأطر السياسة التقليدية للاتحاد الأوروبي كما عرفه العالم على مدار عقود.