كتبت- دعاء عبد المنعم

المشهد الحقوقي الليبي كغيره في دول عربية يتسم بالتدهور والتراجع، وربما يزيد حتى عن دول عربية أخرى في درجة القتامة والانتهاكات، بحكم ما تعيشه البلاد من انقسام وصعود نفوذ الميليشيات المسلحة ومسعى الجماعات الإيديولوجية لترسيخ أفكارها المعادية لكثير من الحقوق الشخصية وخاصة بالنسبة لحقوق المرأة وحرياتها الأساسية.

سجلت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا خلال عام 2024 حوالي 700 شكوى، حول حقوق وظيفية وعمالية واقتصادية وسياسية.

وأحالت المؤسسة 123 شكوى منها إلى مكتب النائب العام، معتبرة أن حقوق الأطفال في ليبيا في أسوأ حالاتها.

منظمات حقوقية أخرى رصدت هذا المشهد الحقوقي الليبي، وتدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد، ووثقت العديد من حالات الاختفاء القسري لأفراد يعمل بعضهم  في المجال الإعلامي، فضلا عن تعرض بعض الأقليات الدينية إلى انتهاكات.

ووفقا لتقارير حقوقية شهد عام 2024 زيادة انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم في ليبيا، وصولا إلى خطف النائب “إبراهيم الدرسي”، من أمام منزله في مايو الماضي، كما لا يزال العنف مستمرا ضد النساء في ليبيا، حيث يتعرضن لانتهاكات جسيمة.

الأوضاع السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان

النزاعات والانقسامات التي تشهدها البلاد منذ عام 2011، حيث توجد حكومتان تديران شؤون البلاد، الأولي في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في الشرق برئاسة أسامة حماد.

وعقب فوز خالد المشري مجددا  في انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة، وهو على خلاف مع “عبد الحميد الدبيبة“، بدأ التنسيق مع مجلس النواب من أجل التخلص من حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس لصالح الحكومة التي يؤيدها البرلمان في الشرق، ما كان من شأنه ازدياد الانقسام، واشتعال الاشتباكات المسلحة مرة أخرى، مما أدى بدوره لاتساع انتهاكات حقوق الإنسان الليبي، وفاقم حالة الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المجرمين.

وأشار تقرير هيومن رايتس ووتش الأخير عن ليبيا إلى أن الاشتباكات المسلحة الأخيرة هناك أسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين، وتعرض العاملين في المجال القانوني لخطر مضايقات الجماعات المسلحة، في الوقت الذي استمرت فيه المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين، كما جرى فرض قيود على المحامين في القدرة على زيارة موكليهم بحرية في السجون والوصول إلى وثائق القضايا.

 أشار التقرير إلى أن نحو 50% من المحتجزين في الحبس الاحتياطي؛ بسبب التأخير في الإجراءات القضائية، فضلا عن وفاة عشرات من السجناء في ظروف غامضة أثناء الاحتجاز.

كما قال، إن المنظمات المدنية واجهت قيودًا في مباشرة أنشطتها؛ بسبب قمع الجماعات المسلحة والسلطات الليبية لها، وأشارت إلى تعرض بعض الصحفيين للاعتقال نتيجة لآرائهم.

احتجاز تعسفي يطول قضاة وقانونيين

وفقا لبيانات البعثة الأممية للدعم في ليبيا، تستغل الأطراف الليبية سلطة الاحتجاز والتوقيف لاستهداف أفراد علي ضوء انتماءاتهم السياسية، وصولا إلى الأفراد العاملين في مجال القضاء والقانون. حيث تعرض القاضي “علي الشريف” إلى توقيف اتسم بالعنف، وكذلك الاحتجاز التعسفي لعدد من المحامين والعسكريين في مارس الماضي.

وشهدت البلاد حملة اعتقالات ضد عدد من المترشحين للانتخابات البلدية بواسطة جهاز الأمن الداخلي، ولم يصدر عن الأخير تعليق رسمي على هذه المعلومات.

الإفلات من العقاب

تفاقمت حالة الإفلات من العقاب في ليبيا خلال الآونة الأخيرة، وفقا لبيانات منظمات حقوقية، حيث تراكمت جرائم كثيرة، لم تتم محاسبة مرتكبيها.

فرغم أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت أوامر اعتقال لأفراد مشتبه في ارتكابهم جرائم ترهونة التي تعلقت باستخراج ما لا يقل عن 353 جثة من قبور جماعية منذ العام 2020 حتى اليوم، إلاّ أن السلطات الليبية تتقاعس باستمرار عن التعاون مع المحكمة، ويبدو ــ حسب حقوقيين ــ أنه لا نية لدى السلطات في تقديم هؤلاء الأفراد إليها.

المهاجرون واللاجئون.. وجه آخر للانتهاكات

طلبت مؤسسات حقوقية في ليبيا وزارة الداخلية الليبية بعدم منح تصاريح للتظاهر ضد المهاجرين، بسبب تصاعد حملات الكراهية والعنف ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، وأكدت أن التحريض ضد المهاجرين واللاجئين قد يؤدي إلى تدخل دولي، تحت مبرر الحماية الإنسانية، وهو ما قد تستغله أطراف إقليمية ودولية.

وشهدت ليبيا حملات تحريض وكراهية ضد المهاجرين واللاجئين خلال الفترة الأخيرة، وفي مارس الماضي تظاهر عدد من الليبيين تحت شعار “جمعة طرد الأفارقة من ليبيا” في طرابلس، ضد إعادة توطين الرعايا الأجانب في ليبيا، حاملين لافتات ومرددين شعارات مثل “ليبيا لليبيين.. لا للتوطين”، في حين قامت بعض المنظمات غير الحكومية بتعليق عملياتها في ليبيا، بسبب زيادة دعوات العنف والتحريض ضد المهاجرين واللاجئين وضد عمل هذه المنظمات.

وفي مارس أعلن وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية عن خطط لترحيل مائة ألف مهاجر ولاجئ وطالب لجوء كل أربعة أشهر.

وتم ترحيل 763 نيجيريًا قسرًا في يناير السابق، عبر الصحراء الكبرى إلى النيجر في ظروف خطيرة.

وخلال فبراير 2025، تم اكتشاف 83 جثة للمهاجرين في مقابر جماعية في الكفرة بليبيا.

وأشارت التقديرات إلى وصول أكثر من 240 ألف لاجئ سوداني إلى ليبيا نهاية فبراير 2025، تتدهور ظروفهم المعيشة، وتتزايد مشاكلهم الصحية، وخاصة النساء والأطفال.

تهديدات للمنظمات الإنسانية والحقوقية

في رسالة وجهها سفراء أجانب إلى السلطات، نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية، تم إجبار عشرة منظمات إنسانية دولية في ليبيا على تعليق أنشطتها، وتعرّض العاملون معها للتهديد، من قبل جهاز الأمن الداخلي، حيث خضع ما لا يقل عن 18 من العاملين مع ست منظمات دولية غير حكومية للاستجواب، وصودر من البعض جوازات سفرهم، وأجبروا على الاستقالة من وظائفهم، والتوقيع على تعهدات بعدم العمل مجدداً، وأغلقت مكاتب هذه المنظمات، وطُلب من موظفيها الأجانب مغادرة البلاد.

وأعلنت السلطات الليبية، أن السبب ذلك يرجع، إلى أن هذه المنظمات تمارس أعمالًا عدائية عبر السعي إلى توطين المهاجرين من أصل إفريقي، مما يغير التركيبة السكانية “الديموجرافية” للبلاد.

وهذه الانتهاكات دفعت بعض المنظمات الحقوقية لدعوة مجلس حقوق الإنسان الأممي للتحرك العاجل لإنشاء آلية تحقيق ورصد لانتهاكات حقوق الإنسان؛ بسبب استمرار وتفاقم الانتهاكات الحقوقية في ليبيا بعد مرور سنتين على انتهاء ولاية البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا.