منذ مطلع مارس، شهدت ولايات كردفان والنيل الأزرق تصعيدًا عسكريًا واسعًا من قبل قوات الدعم السريع، التي كثفت عملياتها الميدانية بالتنسيق مع قوات الحركة الشعبية- جناح عبد العزيز الحلو. هذا التصعيد جاء ضمن تحركات عسكرية منظمة؛ تهدف إلى محاصرة الحاميات العسكرية التابعة للجيش السوداني في مدن بابنوسة بغرب كردفان، والأُبيض بشمال كردفان، وكادقلي وأبو جبيهة بجنوب كردفان، والدمازين بالنيل الأزرق. وقد رافقت هذه العمليات هجمات ممنهجة على القرى والبلدات، تخللتها انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، شملت القتل الميداني والنهب والترويع، وأدت إلى موجات نزوح واسعة وسط المدنيين.

ربما يكون من الضروري قبل الاستطراد في عرض وقائع هذه الهجمات الواسعة من جانب قوات الدعم السريع، هو التوقف عند سؤال محوري وأساسي هل هذا التوسع بالهجمات بعد الخسائر الكبيرة التي مُني بها الدعم السريع مؤخرا، هو تمدد مدروس أم فوضى مسلحة منسجمة مع ما يعرف عن طابع الحركات الميليشياوية الذي في كثير من الأحيان تفتقر للمنطق والنظر للأغراض الاستراتيجية المستهدفة، هذا ما ستتكفل التطورات في المستقبل المنظور بالإجابة عنه، لكن يبقى أن المدنيين دائما ما يدفعون أثمانا فادحة من دمائهم، كما يتضح من هذا الاستعراض.

خريطة توضيحية للمدن الرئيسية المستهدفة من قبل الدعم السريع
خريطة توضيحية للمدن الرئيسية المستهدفة من قبل الدعم السريع

أولاً: التصعيد والانتهاكات في شمال كردفان

في شمال كردفان، بدأت قوات الدعم السريع في تنفيذ هجماتها على القرى الواقعة غرب مدينة الأُبيض، حيث شنت هجومًا على قرية المنزفة في الثامن من إبريل الجاري، مما أدى إلى مقتل مواطن وإصابة ستة آخرين، كما استولت على سيارات دفع رباعي ودراجات نارية. ويبدو أن الهدف من هذه العمليات هو السيطرة الكاملة على القرية، وتحويلها إلى نقطة تمركز عسكري، تستخدمها في هجماتها المرتقبة على الأبيض، بالإضافة إلى نهب الإمدادات والتموين من المدنيين لدعم قواتها. بالتزامن مع هذه التحركات، استهدفت قوات الدعم السريع مدينة الأبيض نفسها بقصف مدفعي، أدى إلى مقتل خمسة مدنيين، بينهم طفلتان، في مشهد يعكس الاستهتار الكامل بحياة المدنيين وسلامتهم.

مشاهد للقصف المدفعي لمنزل ضحايا مدينة الابيض
مشاهد للقصف المدفعي لمنزل ضحايا مدينة الأبيض
مشاهد للقصف المدفعي لمنزل ضحايا مدينة الابيض
مشاهد للقصف المدفعي لمنزل أحد ضحايا مدينة الأبيض

وفي تطور آخر، توغلت قوات الدعم السريع الفارة من معارك الخرطوم باتجاه منطقة جبر الشيخ عبر طريق الصادرات القادم من أم درمان، وقامت باحتلال المباني الحكومية في المنطقة ونهب السوق المحلي، وأسفر ذلك عن مقتل ثمانية أشخاص، حاولوا مقاومة عمليات النهب، فيما استمرت هذه القوات في استخدام المنطقة كنقطة دعم لوجستي لقواتها المتمركزة غرب أم درمان. كما شنت هذه القوات في الرابع من الجاري هجمات جديدة على قريتي تندلتي ومهيلا غرب مدينة الرهد، وقتلت مواطنَين، قبل أن تتمركز داخل القريتين وتمارس أعمال ضرب وإذلال للسكان، وترهيب للتجار بغرض فرض السيطرة الكاملة. وفي اليوم الذي سبقه، هاجمت قرية الدويمة الغربية غرب الرهد، واتبعت نفس أسلوب الترهيب، حيث تمركزت داخل القرية، ونفذت الاعتداءات مستخدمة الدراجات النارية كوسيلة للتنقل السريع والسيطرة على المناطق الريفية.

ثانيًا: تمدد الهجمات في جنوب كردفان والنيل الأزرق

في جنوب كردفان، نفذت قوات الدعم السريع، بدعم مباشر من الحركة الشعبية– جناح الحلو، سلسلة هجمات منظمة تستهدف مناطق ذات أهمية استراتيجية. ففي صباح يوم السابع من إبريل، هاجمت هذه القوات منطقة أم بير الواقعة شرق أم برمبيطة، وهي منطقة جبلية، تشكل جزءًا من الامتداد العسكري للفرقة العاشرة مشاة، مما اضطر القوات المسلحة إلى الانسحاب إلى أم برمبيطة. وخلال هذا الهجوم، نفذت المليشيات عمليات اغتيال ميدانية، راح ضحيتها خمسة مدنيين، ثلاث نساء وطفل وشاب، في قرية لا تبعد كثيرًا عن واحدة من أهم الحاميات المتفرعة من اللواء 38 مشاة. وتكمن أهمية هذه المنطقة في كونها نقطة وصل بين حاميتي أم برمبيطة وخور الدليب، ما يجعل السيطرة عليها هدفًا استراتيجيًا.

وفي ذات اليوم، هاجمت نفس القوات منطقة تاندك التابعة لمحلية رشاد، والتي تقع على بعد نحو 34 كيلومترًا شمال مدينة أبو جبيهة، وأسفر الهجوم عن مقتل سبعة مواطنين. كما شنت القوات هجومًا على منطقة قوز الدليب، وتمركزت داخلها بهدف محاصرة منطقة الفيض، وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة عشر شخصًا ونزوح أكثر من سبعة آلاف مواطن إلى مدينة رشاد جراء القصف المدفعي الكثيف، مما خلق وضعًا إنسانيًا كارثيًا في المنطقة.

مشاهد لنزوح المواطنيين في منطقة الفيض - جنوب كردفان
مشاهد لنزوح المواطنين في منطقة الفيض- جنوب كردفان
مشاهد لنزوح المواطنيين في منطقة الفيض - جنوب كردفان
مشاهد لنزوح المواطنين في منطقة الفيض- جنوب كردفان

وفي ولاية النيل الأزرق، تزايدت حدة الأزمة الإنسانية جراء تصاعد الأعمال العدائية، حيث قدّرت السلطات المحلية، أن حوالي أربعة آلاف شخص نزحوا من مدينة أولو ومناطق أخرى في محلية باو، ويتحركون شمال شرق باتجاه عاصمة الولاية، الدمازين، التي تبعد حوالي 230 كيلومترًا. وحتى الآن، وصل نحو ستمائة نازح إلى المدينة، ويتلقون المأوى في موقع مؤقت للنازحين. إلا أن انعدام الأمن المستمر، إضافة إلى القيود البيروقراطية، حالا دون تمكن الشركاء الإنسانيين من الوصول إلى المناطق المتأثرة. وقد جدد مكتب الأمم المتحدة دعوته إلى ضرورة توفير وصول إنساني آمن مستدام، ودون عوائق إلى جميع المحتاجين في المنطقة. كما تم الإبلاغ خلال الأسابيع الأخيرة عن وصول وافدين جدد من دولة جنوب السودان إلى مناطق مختلفة في ولاية النيل الأزرق، ما يعكس التعقيد المتزايد للأوضاع الإنسانية والأمنية في الولاية، ويفاقم من الضغوط على الموارد والخدمات المحدودة أصلًا.