يعتبر الركود التضخمي الوحش الذي تخشاه اقتصاديات العالم، فالتعامل معه يحتاج للعديد من الأسلحة معا، لأنه حالة مرضية مؤذية، يعاني خلالها الاقتصاد من تضخم مرتفع ونمو اقتصادي منخفض.. فهل أصبح الاقتصاد المصري على مشارف الإصابة بذلك المرض في ظل مستويات التضخم والنمو المسجلة؟

ويواجه الاقتصاد المصري حاليًا، موجة تضخم جديدة بعد قرار الحكومة بأسعار الوقود، خاصة السولار الذي قفز بقيمة 2 جنيهين دفعة واحدة من مستوى 13.5 جنيها إلى 15.5 جنيها للتر، ما يرفع أسعار جميع الحاصلات الزراعية، فالسولار هو عصب الزراعة من حرث وري وحصاد.

رفعت أسعار السولار تكاليف النقل والمواصلات، إذ زادت أسعار تذاكر أتوبيسات النقل العام والجماعي بالقاهرة من 9 جنيهات إلى 10 جنيهات، والميني باص من 14 إلى 15 جنيهًا، كما ارتفعت الأجرة في مواقف الأقاليم بمستوى يتراوح بين 10 و15% دفعة واحدة.

توقعات بارتفاع أسعار المنتجات الغذائية

بحسب شعبة الصناعات الغذائية، فمن المتوقع ارتفاع أسعار الألبان والجبن بنسبة 30% بعد زيادة السولار، بينما رفعت بعض مطاعم الفول والطعمية أسعارها بقيمة جنيه على كل سندوتش بعد زيادة سعر أسطوانة البوتاجاز التجاري من 300 إلى 400 جنيه دفعة واحدة.

وتتوقع شعبة المخابز الغرفة التجارية رفع أسعار الخبز السياحي والأفرنجي بنسبة تتراوح بين 20% و25% مع بقاء الوزن كما هو، على أن تعقد اجتماعًا قريبًا لبحث السعر المناسب ورفعه إلى وزارة التموين لإقراره.

أما شعبة الدواجن بغرفة القاهرة التجارية، فتوقعت تأثر قطاع المزارع التي تعمل بالسولار بشدة، خصوصًا في المناطق الصحراوية التي تستهلك حوالي 2 طني وقود يوميًا للتشغيل والإنارة، مؤكدة أن السولار عنصر أساسي بصناعة الأعلاف التي تمثل نحو 70% من تكلفة الإنتاج، ما يعني ارتفاع أسعار الأعلاف، وبالتالي الدواجن التبعية. وتحرك متوسط سعر كيلو الدواجن بالفعل في الأسواق إلى 112.28 جنيها، بزيادة 4.82 جنيهات، بعد زيادة السولار.

الصناعة.. المواطن سيتحمل التكلفة

في المجال الصناعي، حدث ولا حرج، فشعبة الأجهزة الكهربائية، قالت إن أسعار الأجهزة الكهربائية ستزيد، لكن نسبة الزيادة لن تصل إلى 20% مع تأكيدها على أن الرفع لأسباب خارجة عند إرادتها، بينما أكد مصنعو الملابس، أن الطاقة تمثل 8% من تكلفة الصناعة، وبالتالي ستتحرك الأسعار، لكن مستقبلاً في ظل وجود مخزون بالسعر القديم.

ووفقا لشعبة الإسمنت بغرفة صناعة مواد البناء باتحاد الصناعات المصرية، فإن تحريك أسعار الوقود سيؤثر بشكل سريع على زيادة أسعار الطن، فالوقود يستحوذ على 60 و70% من تكاليف إنتاج الإسمنت، وذلك بخلاف أسعار النقل وأجور العمالة.

مع تحريك أسعار الإسمنت المتوقعة، يتوقع المقاولون ارتفاع أسعار مواد البناء بشكل عام بنسبة قد تصل إلى 15%، وقد يرفع معه أسعار الوحدات السكنية من قبل المطورين العقاريين في مشروعاتهم، فيما رفعت شركات النقل الثقيل أيضًا تكلفة خدماتها بنسبة تتراوح بين 15% و17% بحسب المسافة.

لماذا جيب المواطن؟

تقول ضحى عاصي، عضو مجلس النواب، إن الحكومة كان لديها بدائل، لكنّها تبحث عن موارد سريعة، والبنزين أصبح مصدرًا مضمونًا، مضيفة أن من بين البدائل فرض ضرائب تصاعدية على الفئات الأعلى دخلًا، بدلًا من تحميل الجميع نفس العبء.

وقالت إن البدائل تتضمن أيضًا خفض الإنفاق الحكومي غير الضروري من المؤتمرات إلى الإنشاءات الفوقية، ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي فهناك مليارات تضيع سنويًا بسبب التهرب، وكذلك إصلاح منظومة الدعم، بدلًا من إلغائها عبر دعم مُوجّه بدقة للفئات المستحقة، باستخدام بطاقات ذكية أو تحويلات نقدية مشروطة، وكذلك تنشيط التصدير والإنتاج المحلي، بدلًا من الاعتماد على الاستيراد والاقتراض، كان يمكن توجيه الجهد نحو دعم الصناعة الوطنية لتوفير العملة الصعبة.

متوالية رفع الأسعار

المشكلة في التضخم، أنه يرتفع وفق متوالية أشبه بنظرية الأواني المستطرقة، فرفع سعر سندوتش الفول والطعمية؛ يؤدي إلى رفع تكلفة الأدوية؛ لأنه يؤدي لمطالبة العمال برفع المرتبات، مما يعطي مبرر للشركة بطلب رفع أسعار الأدوية، بحسب الدكتور علي عبد الله، مدير مركز الدراسات الدوائية.

من شأن ارتفاع التضخم، أن يدفع العمال للمطالبة بزيادة الرواتب وزيادة أسعار بيع منتجاتها، ومع زيادة دخل العمال يزيد طلبهم على السلع والخدمات، فتزيد أسعارها، وهي نوع من التضخم يسمى “Demand-Pull Inflation “.

لكن المشكلة في مصر، أنها تعاني عدة أنواع من التضخم بالوقت ذاته منها التضخم المستورد؛ بسب ارتفاع سعر السلع المستوردة؛ نتيجة انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، بجانب تضخم Cost-Push Inflation الذي ينتج من رفع أسعار الوقود التي ترفع أسعار تكاليف الإنتاج والنقل.

غياب الرقابة عن الأسعار

يقول الدكتور أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي، إن رفع أسعار البنزين والسولار دون رقابة على الأسواق سيدفع نحو موجه تضخم جديدة بعد خفض التضخم المعلن بدفع من سنة الأساس، ويجب أن تسعى الحكومة لتشديد الرقابة على أسعار السلع وسلاسل التوريد لكافة السلع، حتى لا ندخل في تلك الموجه التضخمية الجديدة مع ارتفاع أسعار مدخل هام للإنتاج والنقل لكافة السلع والخدمات، وخاصة السولار وبنزين ٨٠ والمازوت والغاز، وكذا ارتفاع الدولار حوالي ٢%، والتي تعطي المبررات للتجار لرفع الأسعار في الأسواق.

وطالب الدولة بتوجيه مبلغ الدعم البالغ ١٥٤ مليار جنيه بالموازنة العامة لأسعار البنزين، إلى دعم آخر مدر الإيرادات (الصناعة والزراعة والصادرات)، وذلك لتوفير منتجات محلية لاحتواء التضخم، والبدء في خفض أسعار الفائدة مع وجود عائد حقيقي على الجنية لخفض التكلفة التمويلية للمصانع والشركات، وأيضا في بند الفوائد في الموازنة العامة للدولة، والتي تمثل حوالي ٤٠% من مصروفات الموازنة

اعتبر تعهد الحكومة بعدم رفع أسعار البنزين لمدة 6 أشهر حقنة مسكن وليس علاجا، متسائلا، طالما توجد إمكانية للتأجيل، لماذا لم يتم توقيع عقود آجلة بمتوسط الأسعار المنخفضة حاليًا، ما يعطينا مرونة في دراسة القرار بدل من رفع أسعار السلع لمدة ٩ شهور، وهل في أكتوبر سيتم الرفع بإجمالي مبلغ الدعم المتبقي وترفع الأربعة جنيه المتبقية؟

تراجع خيارات خفض الفائدة

مع قرار زيادة أسعار البنزين والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تراجعت رهانات خفض الفائدة في مصر، والتي ينتظرها القطاع الخاص في مصر بشغف كبير من أجل الاقتراض والتوسع وبالتالي زيادة مستويات التشغيل.

عاد القطاع الخاص غير النفطي بمصر إلى الانكماش خلال مارس، وهي المرة الأولى في العام الحالي بعد تحسن ظروف الأعمال التجارية في شهري يناير وفبراير، وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز جلوبال لمديري المشتريات في مصر إلى 49.2 من 50.1 في فبراير متراجعًا عن مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش.

جاء التراجع مدفوعًا بانخفاض الطلبيات الجديدة، محليًا ودوليًا، مما دفع الشركات إلى خفض الإنتاج والمشتريات ومستويات التوظيف، وذلك رغم تباطؤ تكاليف المدخلات؛ بسبب استقرار الجنيه المصري مقابل الدولار، وهو أمر تغير في إبريل الحالي بعد معاودة الدولار الارتفاع أمام الجنيه، بحسب تقرير “مؤشر “ستاندرد آند بورز جلوبال”.

سبق أن مر الاقتصاد المصري ببعض الاختلالات الاقتصادية مثل، المغالاة في الاستثمار العقاري، وخاصة الإسكان الفاخر، التوسع المفرط في استهلاك السلع المعمرة والترفيهية، التوسع في عمليات الإقراض المصرفي، ما تسبب ظهور حالة من الركود الاقتصادي، ظهرت بصورة ملموسة خلال(1996- 2001) .

لكن مسئول بوزارة التخطيط أكد أن الاقتصاد المصري بعيد تماما عن الركود أو الركود التضخمي، فالناتج المحلي الإجمالي سجل نموًا بنسبة 4.3% خلال الربع الثاني من العام المالي الجاري، وهو أعلى معدل نمو ربع سنوي منذ أكثر من عامين مقارنة بـ2.3% في نفس الربع من العام الماضي.

وقال المسئول، إن النمو جاء مدفوعًا بالصناعات التحويلية غير البترولية التي شهدت نموًا ملحوظًا بنسبة 17.7% مقابل انكماش قدره 11.56% في الفترة المناظرة من العام الماضي، كما سجل قطاع السياحة نموًا بنسبة 18% وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 10.4% بما يعكس التوجه نحو التحول الهيكلي في الاقتصاد المصري.