تمثل الرسوم الحمائية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرصة جيدة لمصر؛ لتقدم نفسها كبديل صناعي للدول التي تم استهدافها برسوم كبيرة، خاصة أن الضرائب الجمركية المفروضة عليها 10 فقط، ما يطرح العديد من التساؤلات: ما المطلوب من أجل تحويل مصر إلى نقطة جذب؟.. هل تنتهز القاهرة الفرصة، وتزيل عوائق الاستثمار؟

بحسب قطاع عريض من الاقتصاديين، فإن الرسوم الجمركية تمنح فرصة لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر المُركّز على التصدير إلى الولايات المتحدة، فتكاليف دخول بضائع المُصنّعين الصينيين والأوروبيين إلى السوق الأمريكية أكبر بكثير عن مصر، ما قد يجعل تلك الدول تبحث عن دول يمكن التصنيع فيها أو على الأقل منح قيمة مضافة للصادرات منها.

 فرض ترامب على البضائع الصينية رسومًا إجمالية قدرها 245%، وتم تطبيقها بالفعل، كما فرض رسوما على الاتحاد الأوروبي بنحو 20%، أما مصر فتم فرض رسوم عليها بنسبة 10% فقط، ما يعطي مصر أفضلية بالنسبة للمصنع الصيني، على اعتبار أنه سيوفر 235% من قيمة الضريبة الجمركية، ويقلل سعر بيع منتجه بالنسبة ذاتها.

من المقرر، أن يزور مصر في مايو المقبل 3 وفود أعمال صينية، بينها وفد يضم 150 مستثمرًا، بهدف عقد لقاءات لاستكشاف الفرص المتاحة في مختلف القطاعات المحلية، بينما تتطلع لجذب استثمارات صينية جديدة خلال الفترة المقبلة، في الوقت الذي تتطلع فيه بكين لتعزيز شراكاتها عالمياً بعد الرسوم الجمركية الأمريكية.

فرص واعدة أمام مصر بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية


من الفرص المتاحة لمصر، تعزيز دورها كمركز إقليمي للطاقة المتجددة، فالخلاف الأوروبي الأمريكي والأوروبي الروسي، سيدفع أوروبا للبحث عن بدائل للاعتماد عليهما في الغاز، ومصر لديها الفرصة بمجال الطاقة الخضراء والتزامها بإزالة الكربون والاستثمارات المصرية الكبيرة التي تعتزم ضخها بمجالات الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، وهذه الفرص ترسخ مكانة مصر كشريك رئيسي للاتحاد الأوروبي في سوق الطاقة المتجددة، .

واستقبلت وزارة الكهرباء وفدًا رفيع المستوى من مجموعة “إي دي إف” (EDF) الفرنسية، الرائدة أوروبياً في مجال الكهرباء، لبحث التعاون المشترك في مجالات حيوية، تشمل الطاقة المتجددة وحلول التخزين المتقدمة وتصنيع المكونات الأساسية محلياً، بما يخدم الاستراتيجية الوطنية المصرية لرفع مشاركة الطاقة المتجددة إلى أكثر من 42% من مزيج الطاقة الكهربائية بحلول عام 2030.

وكانت مصر قد وقعت شراكة استراتيجية في مجال الطاقة مع اليونان، شراكة بين الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) ومجموعة كوبيلوزوس، مما يدل على التعاون الإقليمي المتنامي في قطاع الطاقة، كما حصلت شركة تاون جاس المصرية مؤخرًا على عقود مهمة لتزويد المنازل والشركات الرومانية بالغاز الطبيعي، وهو أمر سيتم البناء عليه مستقبلاً في دعم أوروبي أكبر لزيادة إنتاج مصر من المصادر المتجددة.

 السيارات المحلية الاستفادة بدأت مبكرًا

ومن القطاعات التي استهدفها ترامب بالرسوم الجمركية، ويمكن لمصر الاستفادة منها السيارات، فرسوم ترامب الجمركية والرد الانتقامي المتوقع من الاتحاد الأوروبي، قد يفيد مصر من تحولات سلسلة التوريد وتعزز الطلب على السيارات الصينية في مصر، وتُسرّع عملية التجميع المحلي لتلك السيارات سواء للغرض المحلي أو إعادة التصدير للخارج.

بحسب رابطة الصناعات المغذية للسيارات، فإن عدد مصانع مكونات السيارات في مصر يتجاوز 120 مصنعًا، تنتج ما مجموعة حوالي 55% من مكونات السيارة، بما في ذلك خطوط التجميع وعمليات الدهان، التي تشكل نحو 17% من الإنتاج، ورغم أن المحرك لا يمثل سوى 25% فقط من مكونات السيارة، وهو العنصر الذي يتم استيراده من الخارج، إلا أن نسبة المكون المحلي بسيارات الركوب 45% فقط، وتستهدف الحكومة رفعها لـ 60%.

وتستحوذ الشركات الصينية على حصة 40% من المبيعات بالسوق المصرية، واتخذت قبل خطوة رسوم ترامب قرارًا باتخاذ مصر قاعدة تصديرية لنفاذ منتجاتها من السيارات بشعار “صنع في مصر” لأسواق الاتحاد الأوروبي الذي أقر في أكتوبر الماضي، رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية من 10 إلى 45% في أكتوبر الماضي.

الشركات العالمية ستجد في مصر فرصة

يقول الدكتور أشرف حجر، نائب رئيس لجنة المالية والضرائب بالجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال، إن مصر لديها فرض أيضًا في جذب استثمارات جديدة، فالرسوم الجمركية ستدفع بعض الشركات العالمية إلى البحث عن أسواق بديلة لتصنيع منتجاتها وتصديرها، لتجنب التكاليف الإضافية، وهنا تبرز مصر بموقعها الاستراتيجي، وتكاليف الإنتاج التنافسية، واتفاقياتها التجارية المتعددة كوجهة جاذبة لهذه الاستثمارات الجديدة في قطاعات متنوعة.

أضاف أن مصر يمكنها أيضًا تنمية العلاقات مع الدول الخاضعة للعقوبات، ففي ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض الدول، قد تجد هذه الدول في مصر شريكاً تجارياً بديلاً وموثوقاً لتلبية احتياجاتها من السلع والخدمات، ما يفتح أسواقاً جديدة للصادرات المصرية ويعزز التبادل التجاري.

أشار إلى أن الرسوم الجمركية والرسوم الجمركية قد تفرض تحديات أمام استيراد بعض السلع، مما يحفز السوق المحلي على تطوير صناعات بديلة وسد الفجوات الاستهلاكية، وهذه فرصة لنمو الشركات المصرية الصغيرة والمتوسطة وابتكار منتجات جديدة، واستغلال هذه التحولات الاقتصادية، يمكن لمصر أن تعزز مكانتها كمركز إقليمي للتجارة والاستثمار، وتوطد علاقاتها الاقتصادية مع مختلف دول العالم.

من بين أكثر القطاعات استفادة من رسوم ترامب قطاع الصناعات الهندسية التي أصبحت لديها فرصة لدخول السوق الأمريكية كبديل للمنتج الصيني الذي ارتفع سعره بعد الرسوم، وسط توقعات بدخول الشركات الصينية واليابانية والتركية الرائدة إلى السوق المحلية في المستقبل القريب، خاصة أن ترامب فرض على اليابان رسوم 24%، وعلى تركيا 25%.

الملابس الجاهزة تنتظر استثمارات كبيرة

يتوقع فاضل مرزوق، رئيس مجلس تصدير الملابس الجاهزة، أن تستفيد صناعة الملابس الجاهزة المصرية بقوة من التعريفات الجمركية الأمريكية عبر جذب الشركات الأجنبية للعمل بمصر، متوقعًا استثمارات جديدة بقيمة ملياري دولار أمريكي تقريبًا في هذا القطاع، من دول تركيا وفيتنام والصين والهند.

وفق بيانات منظمة التجارة العالمية، تُعد الصين أكبر مصدر للملابس بالعالم بقيمة 165 مليار دولار في عام 2023، يليها الاتحاد الأوروبي بصادرات 163 مليار دولار، ثم بنجلاديش التي صدرت ملابس بقيمة 47 مليار دولار، تليها فيتنام بقيمة 31 مليار دولار، ثم تركيا بصادرات 19 مليار دولار، فالهند بقيمة 15 مليار دولار، يتبعها ماليزيا بقيمة 15 مليار دولار.

وفرض ترامب على بنجلاديش رسومًا على صادراتها بنحو 37% والهند 26% وفيتنام 16% وماليزيا 24%، وكلها دول يمكن لمصر منافستها، خاصة بعد تخفيض قيمة الجنيه أكثر من مرة، أصبحت مصر تتسم بالعمالة الرخيصة، فالحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص لا يتعدى 118 دولارًا شهريًا.

يقول مرزوق، إن مجلس تصدير الملابس الجاهزة وضع خطة لزيادة صادرات القطاع بنسبة تتراوح بين 20 و15% سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة، بهدف الوصول إلى 12 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، عبر تشغيل 300 مصنع جديد للملابس الجاهزة خلال السنوات الخمس المقبلة، وتخصيص الحكومة 5.5 ملايين متر مربع بالمنيا للمنطقة الصناعية للملابس الجاهزة والمنسوجات.

ما المطلوب من الحكومة لجذب الاستثمارات الأجنبية؟

تمتلك مصر طوال تاريخها مزايا استثمارية كبيرة، لكن المشكلة في البيروقراطية واستمرار تعقيد بيئة الأعمال، ما يتطلب تبني فلسفة حسن النية تجاه المستثمرين، وفرض القوانين بحزم عند المخالفات، يمكن لمصر جذب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة.

من أجل تحقيق تلك الأهداف، يجب تبسيط الإجراءات المتعلقة بتوثيق الأوراق المطلوبة لتأسيس الشركات، وإلغاء شرط العقود المسبقة لتأسيس فروع الشركات، وتوفير منصة إلكترونية موحدة لتسهيل عملية تسجيل الشركات وإتمام الإجراءات بسرعة، وتقديم حوافز للمستثمرين الجدد، مثل تخفيض الرسوم الإدارية والإعفاءات الضريبية المؤقتة، وتحسين إجراءات فتح الحسابات البنكية للسياح والشركات، مع الحفاظ على الشفافية المالية.